«حان الوقت لتكوني في لبنان» هكذا أعلَمَ الرئيس الفرنسي السفيرة آن غريو قراره بتعيينها سفيرة لفرنسا في لبنان. وعن سبب اختيارها؟ تجيب السفيرة الجديدة أنها تفضّل إطلاعنا على مسيرتها المهنية والدبلوماسية في كافة المواقع التي شغلتها منذ اكثر من 30 عاماً لربما سنفهم سبب اختيارها.وهكذا أسهَبت السفيرة في سَرد سيرتها المهنية والديبلوماسية الغنية التي تفتخر بها، والتي بدأتها منذ اكثر من 20 عاماً حيث حَطّت رحالها أخيراً في لبنان «حلمها الجميل». وأوضحت: تفاجأتُ بالخبر وبتأثر بليغ تيقّنتُ من أنّ «الحلم» أصبح حقيقة.
وتقول غريو في لقائها الصحافي الأول: «أنا هنا لتنفيذ مهمة وسأنفذها، صحيح أنني أمتهِن الديبلوماسية إلّا أنّ مهمتي هنا لا ينفعها الأدوية الـ LIGHT بل الادوية الحازمة».فالأهم، بحسب قاموسها، هو عدم الاستسلام. وعنه تقول: «ربما اختارني الرئيس لأنه يعلم أنني أشبهه الى حد كبير، فأنا لم ولن أستسلم». وغريو، على يقين من انّ ماكرون لم يختَرها بالصدفة لتكون سفيرة في لبنان في هذه المرحلة الاستثنائية، فهو يعلم انها السفيرة المتمرّسة الآتية من المكسيك، تلك البلاد التي شهدت فيها على تغيّرات سياسية حادة وجذرية، وقد واكبت التغيير في النظام بديبلوماسية وحنكة وتركت هناك بصمتها الديبلوماسية.
عن شخصيتها تقول آن غريو: «هويّتي دائماً ديبلوماسية، أؤمن بديبلوماسية اللقاء والحوار واحبّ العمل مع الجميع والاستماع شخصياً الى جميع الاطراف، فالديبلوماسية في دمي. ولقد جئت الى لبنان من اجل مهمة، وسأحققها بإصرار».تقول السفيرة الجديدة في لبنان انها ستكون «الصدى» لصَوت رئيسها ولمبادرته، وهي تفتخر بتجاربها وبمسيرتها الديبلوماسية في الشرق وغرب المتوسط، وتعتبر أنّ الشرق الاوسط يعيش في الـ ADN الخاص بها، وأنها ستكون السفيرة المُنتجة التي ستحاول بناء مشاريع بالفعل وليس بالكلام، لافتة الى أنه يجب على القيادات اللبنانية مواكبة هذا النهوض، وليس العيش بحالة الانكار التي توصِل لبنان الى الانهيار، خصوصاً أنّ الوقت داهِم.
تستدرك السفيرة الفرنسية الجديدة أنه لم يمرّ أسبوع على بدء عملها الرسمي في لبنان، وهي كانت قد قدّمت أوراق اعتمادها لرئيس الجمهورية في 16 تشرين الفائت. لذلك، آثَرت في لقائها الصحفي الأول الاكتفاء بالتعريف عن نفسها، مُتجنّبة الغوص في الملفات السياسية اللبنانية، ليس بسبب عدم اطلاعها على الملفات اللبنانية المتأزمة بل لحرصها على ضرورة القيام بجولة التعارف والاستطلاع البروتوكولية.
وعند سؤالها عن نسبة تفاؤلها بقدرة الرئيس الحريري على تشكيل حكومة إنقاذية تستجيب الى المطالب الفرنسية التي حدّدها ماكرون؟ تجيب «فلننتظر لكي نرى، ففي النهاية لبنان بحاجة الى حكومة ومحاورين رسميين لبدء مهمة الانقاذ قبل الانهيار، لأنّ الوقت داهم ولا يمكن اضاعة المزيد منه». وأضافت: «من جهتنا سنستمر في إرسال الرسائل، إذ يجب التوقف عن إطلاق الخطابات والانتقال الى الواقعية والبدء بالعمل».
كما تكشف غريو عن جانب آخر من مهمتها وهو التأسيس لمشاريع تربوية وثقافية، وايضاً عن المساعدات الفرنسية في المجالات الصحية التي تقول إنها ثابتة وغير مرتبطة بالمساعدات المشروطة بتنفيذ الاصلاحات، اي انّ الدعم في القطاع الصحي سيستمر «لأنّ فرنسا لا يمكنها التخلي ابداً عن لبنان»، وتضيف: «أنا واثقة من انّ هذا البلد، الذي استطاع تَخطّي الحروب والمآسي، يستطيع القيامة من جديد».
وأضافت: «هدفنا إقامة مشاريع لنظام تعليمي وجامعي، فهناك موارد غنية في لبنان… بلدكم ليس كأيّ بلد آخر، والرئيس الفرنسي يؤمن بهذا البلد. ولديه رؤية للبنان، ويعتبره أولوية. ونحن تاريخياً نجيد كيفية العمل سوياً، وسنحقق الكثير من خلال الاستثمار الايجابي في الطاقات اللبنانية الاستثنائية ومن خلال الرؤية نفسها، وسنُنجز معاً مسيرة الاصلاح».
وتلفت غريو الى «انّ المبادرة الفرنسية بحاجة الى مساعدة الجميع من اجل التكامل، وستعمل فرنسا على مساعدة لبنان من خلال التعاون الثقافي والصحي وليس فقط الاقتصادي او السياسي». ووَعد منّا بأننا سنكون فاعلين في القطاعات كافة. وفي ما يتعلق بالأمن، سنواصل المحادثات مع كافة الاطراف السياسية، وسندعم الاجراءات البنّاءة.
تعويم فرنسي لعودة الحريري؟
لم تَشأ غريو التعليق على خبر «الرعاية الفرنسية» لعودة الحريري الى رئاسة الحكومة، إلّا أنها أوضحت بأن ليس فرنسا هي من تُعيّن رؤساء الحكومة في لبنان ولا من يختار وزراءها، إلّا أنّها تقدّم رؤيتها ونصائحها لشكل الحكومة المستقبلية التي بإمكانها ان تقوم بمهمة «إرسالية» إصلاحية، فتستحق لقب «حكومة المهمة» أي gouvernement de mission.
وذكّرت بخطاب ماكرون خلال الزيارتين اللتين قصد بهما لبنان، حيث أوضح للجميع من دون استثناء انّ المطلوب حكومة مُنتجة تتشكّل من وزراء أكفاء قادرين على تنفيذ الاصلاحات المطلوبة، بغضّ النظر عن انتماءاتهم السياسية او قربهم من اي طرف سياسي.
وترى غريو بأنّ «الوزير يجب أن يمتلك القدرة على إعداد مشاريع وأعمال في سبيل تطبيق الاصلاحات، بغضّ النظر عن انتمائه السياسي او قربه من اي طرف سياسي، فالمهم بالنسبة الى فرنسا هو النتيجة»، لافتة الى أنه من «المهم ان يكون جميع الافرقاء موافقين على تشكيل التركيبة الوزارية كي لا يتم عرقلة عملها الاصلاحي من اي جهة مثلما حصل مع الحكومة السابقة، ونحن سننتظر وسنراقب وسنحكم على الافعال».
وقالت: «سنبدأ العمل في برنامج عمل سريع للغاية على عناصر التحكّم وفي كيفية دعم الناس الذين سيتم اختيارهم، ويجب الاتفاق على الحد الادنى من الاصلاحات وهي ليست معقدة اذا عملنا بشكل جماعي… علينا التوقّف عن المماطلة والبدء بعملية ديناميكية في جميع القطاعات، ومن الضروري ان يجلس الاشخاص حول الطاولة للبدء بشكل عملي ووضع خطة عمل جماعية… ويمكنهم الاعتماد على فرنسا... مسؤوليتنا تاريخية ولا يمكننا إعطاء الانطباع اننا توقفنا، ولهذا السبب سنستمر في العمل. وعلى الحكومة الجديدة التفكير بشكل اكثر وضوحاً والبدء بالاصلاحات التي ممكن ان تكون سهلة وأخرى قد تكون معقدة، إلا أنه بواسطة فرنسا وشركائها يمكننا حَشد المساعدات المختلفة وطلب الالتزام من قِبَل هؤلاء لتسريع العملية الاصلاحية.
التواصل الخارجي
عن التواصل الخارجي، وتحديداً مع السعودية والولايات المتحدة الأميركية، أوضحت غريو انّ فرنسا تتواصل مع جميع شركائها وحلفائها في المنطقة من اجل المساعدة على وضع المبادرة الفرنسية قيد التنفيذ، إلّا أنها في المقابل تدرك انّ لكلّ من هؤلاء سياسة مختلفة لطريقة التنفيذ، فغريو واثقة من الرؤية الفرنسية التي جَسّدتها «خارطة الطريق» للنهوض بلبنان ولإنقاذه من الانهيار.
وأضافت: «لا يمكن الكشف عن جميع المحادثات التي تجري بين فرنسا وشركائها او حلفائها في المنطقة»، غير انها تؤكد «انّ تلك المحادثات تَصبّ بما هو لمصلحة لبنان، وانها أفهمت المجتمع الدولي انّ استقرار لبنان ضرورة للجميع، وهذا الاستقرار يتحقّق من خلال تنفيذ الورقة الاصلاحية او بما يسمّى المبادرة الفرنسية». وأضافت: «نحن نؤمن بديناميكية التغيير الجذري الذي يُهيّأ لمستقبل لبنان بمساعدة شركائنا في الاتحاد الأوروبي والمؤسسات الدولية التي سوف نفعّلها».
سياسة العقاب
تؤمن فرنسا بسياسة الحوار والديبلوماسية ولا تؤمن بالسياسة العقابية، اي انها تفضّل الضغط بالنقاش والحوار الصارِم وليس التهديد بفَرض العقوبات، موضحة انّ التهديدات التي لمسها البعض في الخطابات العالية النبرة للرئيس الفرنسي كانت عاملاً ضرورياً بهدف الضغط على المسؤولين المعنيين للتجاوب مع المبادرة الفرنسية، مضيفةً: «أقلّه بالنسبة للسياسة التي أنتهجها شخصياً كسفيرة، فأنا مؤمنة بسياسة الديبلوماسية والنقاش مع الجميع والصرامة في الحوار… لا تهمنا العقوبات بقدر ما يهمّنا الوصول الى الهدف، ولدينا طريقتنا لتحقيق أجندتنا».
مؤتمر الدعم قائم
وعن المؤتمر الداعم للبنان في تشرين المقبل، تقول السفيرة انه قائم لدعم لبنان في المجالات الحيوية، وسيقدم المساعدات الضرورية للبنانيين، خاصة بعد انفجار 4 آب.وتعلن غريو انّ فرنسا تدعم مباحثات ترسيم الحدود البحرية بين لبنان واسرائيل، لافتة الى أنها ترحّب بأي اتفاق إيجابي بين البلدان المتنازعة، موضحة انه وعلى الرغم من انه ليس هناك اي دور تؤدّيه فرنسا في هذا الملف تحديداً، الّا انّه يعنيها على أهميته لأنه بالتحديد متعلق باستقرار لبنان، ولبنان هو الذي يعنيها.
وقالت: «صحيح انّ مهمتنا لا تكمن في هذا الملف بالذات، إنما الملفات التي تعاينها فرنسا لا تقلّ أهمية عن ملف ترسيم الحدود البحرية الذي تدعمه، علماً أن فرنسا تولي أهمية كبيرة للملفات الاقتصادية والصحية والاصلاحية والانقاذية، وهي الملفات الداخلية التي تركّز عليها أكثر في الوقت الحالي، لكنها ترى إيجابية في مشاركة الحلفاء في المنطقة في باقي الملفات اللبنانية المتأزمة، مشيرة الى انّ النقاش الاستراتيجي قائم مع الجميع.
المعرقل؟
وبعكس ماكرون الذي سمّى المعرقلين، تجيب السفيرة بديبلوماسية: «أعتقد انّ المسؤولية يتشارَكها الجميع، فالتغيير الجذري للبلاد يلزمه اتفاق وتضحية من الجميع من دون استثناء للوصول الى حل للازمة».وعن المبادرة الفرنسية، عَلّقت: «لو لم تكن ناجحة لم أكن هنا معكم، ونحن ننتظر لنرى اذا كانت الحكومة اللبنانية قادرة على العمل الاصلاحي وليس لدينا خيار آخر. نحاول ان نرى الامور بإيجابية ومن دون سطحية، وسنكون صبورين، لكننا في المقابل سنعمل بحزم وصرامة».
إنفجار المرفأ
تقرّ غريو بأنّ الانفجار في المرفأ كان المحرّك الرئيس لعجلة الرئاسة الفرنسية، إلا أنها تؤكد في المقابل «أنّ الرئيس الفرنسي كانت لديه رؤية للبنان قبل الانفجار، وتحديداً مع انطلاقة الثورة في 17 تشرين الأول 2019، إلّا أنّ الانفجار وضعَ لنا الاطار كي نتحرك وننتقل الى المبادرة والفِعل، فهو كان دافعاً مُسَرّعاً لإضفاء الطابع الرسمي لتحركنا».
أما بالنسبة الى التحقيقات فتؤكد غريو، بحسب معلوماتها، أنّ التعاون جارٍ ومستمر بين القضاء اللبناني وفريق الخبراء الفرنسي، وهما يتبادلان المراسلات باستمرار، لافتة الى انه لا يمكنها البَوح بأكثر من ذلك احتراماً لمبدأ فصل السلطات. وقالت: «كما انه ليس من مهمتي تحديد المسؤولين عن الانفجار او ماهيته لأنّ التحقيقات النهائية لم تُنجز بعد، ولأنّ الامر ليس من ضمن مهامي بل من مهام القضاء اللبناني الذي هو، وبحسب علمي، متعاون مع الخبراء الفرنسيين بشكل متواصل».
ماذا عن المبادرة؟
ترفض السفيرة الجديدة مقولة انّ المبادرة الفرنسية فشلت، مُتفهّمة خيبة أمل الشعب اللبناني، إنما تقول انّ اللوم لا يوجّه الى فرنسا إذ ليست هي من خَيّب آمال اللبنانيين لأنهم يدركون جيداً انّ مَن خيّب آمالهم هو الطبقة السياسية. فالتعطيل ليس مسؤوليتنا، ونحن هنا لمساعدتكم، ولم أكن أنا هنا لولا رؤية الرئيس الفرنسي، واعتبار لبنان أولوية في أجندته الخارجية».
لبنان الحلم
تكشف آن غريو لـ«الجمهورية» بأنها حلمت بلبنان، وبأنها تؤمن بأنّ ّالحلم لو تكرّر يصبح حقيقة. وقد تأثرت بشدة عندما تحقق الحلم وعيّنت في لبنان. لكنها في المقابل عندما استفاقت من الحلم، دقّقت في الواقع وأدركت انّ المهمة ليست سهلة، وهي تعوّل أهمية كبرى على الافكار والمبادرات الشبابية لكافة القطاعات في لبنان، لا سيما الاعلامية منها، إذ تُبدي السفيرة الجديدة اهتماماً خاصاً بالإعلام وبحرية التعبير، وقد أعلنت عن نيتها التواصل المستمر مع الاعلام والصحافة المحترفة، كاشفة انه سيكون لديها لقاءات دورية معهم، وانها لطالما تعاونت مع الاعلام اللبناني في كافة البلدان والاماكن والمواقع التي عملت فيها في الخارج، وتعاونت معهم على الكثير من البرامج المتعلقة بحرية التعبير وبحرية الصحافيين وحمايتهم.
وفي الختام، تقول السفيرة: «يُقال في المكسيك: «اذا لم يكن لديك صديق لبناني فيجب أن تجد واحداً»، كاشفةً أنها كانت على علاقة بالمجتمع اللبناني الذي يشكّل في المكسيك «لوبياً» فعّالاً عَزّزت علاقتها مع أفراده هناك، كما عزّزتها مع أصدقائها المقيمين في لبنان عندما عملت مديرة في قسم الثقافة والتعليم والابحاث في الادارة المركزية في وزارة الخارجية. وتقول انها فخورة بصداقاتها للبنانيين في المكسيك او في لبنان، لأنها أثمرت، كاشفة عن انها ستستثمر حتماً في تلك الصداقات لمرحلة الانقاذ المقبلة.
وفي نهاية اللقاء المطوّل، أكدت غريو انّ الانسان حين يختار العمل الديبلوماسي يعني انه لا يؤمن بالاستقالة او بالاستسلام او بالتراجع عن المهمات الموكلة إليه، فنحن فرنسيون لا نستسلم ولا نؤمن بمبدأ الاستسلام. أمّا بالنسبة لرئيسي ماكرون فهو إنسان منفتح لا يتوقف عن العمل، ويهمني أن أؤكد للبنانيين بأن يؤمنوا أنهم يتعاملون مع رئيس لا يستسلم ولا يَستكين ولا يستقيل من مهامه ولا ييأس… أنا أشبهه شخصياً الى حد كبير، وربما لهذا اختارني هنا في لبنان… فأنا باقية هنا... لا ولن أستسلم.
قد يهمــــك أيضـــا:
آخرهم زيارة دوقة كامبريدج لدار رعاية للأطفال
أرسل تعليقك