تبدي قطاعات عراقية، غير قليلة، خشيتها من اقتراب مرحلة «اللعب الخشن» بين الولايات المتحدة وإيران، في العراق، مع دخول العقوبات الاقتصادية التي تفرضها واشنطن على طهران مرحلة حرجة، خصوصاً مع اقتراب انتهاء مهلة التمديد التي منحتها الولايات المتحدة لبعض الدول المستوردة للنفط الإيراني، وإدراج «الحرس الثوري الإيراني» على لائحة الإرهاب الأميركية.
وقامت كل من الولايات المتحدة، ممثلة بسفارتها في بغداد، من جهةٍ، والقوى العراقية الصديقة أو المقربة من إيران، من جهة أخرى، بتبادل رسائل عداء خلال الأيام الثلاثة الماضية، تكشف عن حجم التوتر الذي يطبع العلاقات بين واشنطن وطهران، واحتمال تفجره داخل الأراضي العراقية في الأسابيع والأشهر القليلة المقبلة.
جاءت الرسالة الأميركية الأولى ضد إيران، على شكل منشور نشرته سفارة واشنطن على موقعها الموثق في «فيسبوك»، هاجمت فيه بشدة المرشد الإيراني علي خامنئي، واتهمته بالفساد، وزعمت أنه يمتلك ثروة تقدر بـ200 مليار دولار. وذكرت السفارة، في منشورها، أن «الفساد يستشري في جميع مفاصل النظام الإيراني، بدءاً من القمة». وأضافت أن «ممتلكات مرشد النظام علي خامنئي وحده تقدر بـ200 مليار دولار، بينما يرزح كثير من أبناء الشعب تحت وطأة الفقر بسبب الوضع الاقتصادي المزري الذي وصلت إليه إيران، بعد أربعين عاماً من حكم الملالي».
اقرا ايضا
ورداً على المنشور الأميركي، أصدر تحالف «الفتح»، بزعامة هادي العامري، بياناً رفض فيه بشده ما سماه «استخدام البعثات الدبلوماسية الموجودة على الأراضي العراقية للإساءة إلى أي دولة، أو الإساءة للمرجعيات الدينية». وأضاف أن «هذا الفعل يعد مخالفاً لأعراف وقواعد العمل الدبلوماسي، وأن ما صدر من خلال الموقع الرسمي لسفارة الولايات المتحدة الأميركية هو تجاوز سافر وتعد غير مقبول». وطالب البيان بـ«حذف هذا البوست المسيء أولاً، ومطالبة الخارجية باستدعاء القائم بأعمال السفير الأميركي، وتسليمه مذكرة احتجاج شديدة اللهجة». كما طالب البيان، وزارة الخارجية، باعتبار جوي هوي، القائم بالأعمال الأميركي في العراق، «شخصاً غير مرغوب فيه».
بدوره، دعا الأمين العام لـ«حركة عصائب أهل الحق»، قيس الخزعلي، أمس، السفارة الأميركية في العراق، إلى الالتزام بالحدود. وذكر الخزعلي، في تغريدة على «تويتر»، أن «تصريحات ومواقف السفارة الأميركية المباشرة والعلنية، فضلاً عن السرية، هي محاولات لزرع الفتنة وإرباك الوضع الداخلي، وكذلك هي وقاحة واستخدام للعراق للتدخل في الشؤون الخاصة بجيرانه، بل والاعتداء عليهم». وتابع قائلاً: «عليهم أن يعلموا أن للضيف حدوداً وآداباً عليه أن يلتزم بها، وإلا فإنه غير مرحب به». ولم يقتصر رفض منشور السفارة الأميركية ضد إيران على الأجنحة القريبة من الأخيرة، بل تعداه إلى شخصيات أخرى بعيدة نسبياً، وربما متقاطعة مع الخط الإيراني، ما يكشف عن حجم المخاوف التي تساور بعض الشخصيات السياسية والدينية من وقوع العراق في دائرة الصراع الأميركي - الإيراني المتوقع. فقد أبدى زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، قلقه من «التدخلات في الشأن العراقي من كلا الطرفين»، في إشارة إلى إيران والولايات المتحدة.
ودعا الصدر، في بيان، أمس، إلى «إغلاق السفارة الأميركية في حال زج العراق بهذا الصراع».
كما دعا إلى «انسحاب الفصائل العراقية المنتمية إلى (الحشد)، وغيرهم، من سوريا، وعودتهم فوراً إلى العراق». وطالب الصدر بـ«توقيع العراق وإيران اتفاقية ثنائية لاحترام السيادة بين البلدين».
من جانبه، حذّر رئيس تحالف «الإصلاح» عمار الحكيم، من «استخدام العراق منطلقاً للحرب الإعلامية أو التجارية أو السياسية»، معتبراً ذلك «انتهاكاً لسيادتنا الوطنية وخرقاً واضحاً للأعراف الدبلوماسية المتبعة بين الدول». وشدد، في بيان مقتضب أصدره مكتبه، أمس، على «حيادية العراق وعدم انجراره لسياسة المحاور، وننطلق بذلك من المصلحة الوطنية العليا التي تمثل بوصلتنا في التعامل مع الجميع».
ويقول أستاذ العلوم السياسية في «جامعة الكوفة»، إياد العنبر، إن «حرب الرسائل بين أميركا وإيران باتت تتخذ لغة التصعيد، ويبدو أن العراق هو الساحة التي يتم من خلال تمرير الرسائل بين الطرفين». ورأى العنبر، في حديث لـ«الشرق الأوسط»، أن «مشكلة العراق أنه غير قادر على فك ارتباطه مع إيران. وفي الوقت ذاته لا يمكنه التخلي عن الدعم الأميركي. ووفق هذه المعادلة الصعبة، تحاول إيران أن تكون رسائلها للأميركيين من خلال الجماعات والشخصيات التي ترتبط معها مباشرة». ويلاحظ العنبر أن «الحكومة العراقية تلتزم الصمت، وتكتفي بالتصريحات التي تعبر عن عدم وجود رؤية أو موقف حقيقي لإدارة الأزمة، أكثر من كونها مواقف دبلوماسية».
أما السياسي ورئيس «المركز العراقي للتنمية الإعلامية»، عدنان السراج، فيعرب عن خشيته من «لحظة صدام محتملة وقريبة بين أميركا وإيران داخل الأراضي العراقية». ويقول السراج لـ«الشرق الأوسط»، «أتصور أن لحظة اللعب الخشن لا تدفع أميركا باتجاهها فقط، إنما إيران كذلك، وقد رأينا كيف رفعت من خطابها وتهديداتها في الخليج ومضيق هرمز».
لكن السراج، ورغم التصريحات العدائية المتبادلة بين طهران وواشنطن، يعتقد أن «السياسة الأميركية لا تميل إلى التصادم المباشر مع إيران، لأنها تعتقد أن العقوبات الشديدة قادرة على تركيعها في النهاية». ويرى أن منشورات السفارة الأميركية «موجهة للعراقيين بالدرجة الأولى، وتعنى أنها مهتمة بمحاربة النفوذ الإيراني في العراق، لذلك نرى أن عراقيين هم من ردوا على تلك المنشورات، وليس إيران».
وقد يهمك أيضا" :
أرسل تعليقك