ضجت مواقع التواصل الاجتماعي بنشاط مكثف لقادة وأنصار هيئة تحرير الشام خلال الأيام الثلاثة الأخيرة، ردًا على المظاهرات المناهضة للهيئة والتي خرجت في العديد من بلدات ريفي حلب وإدلب، كما شهدت هذه المواقع سجالًا عنيفًا مع بعض الشخصيات في الحركة الإسلامية الناشطة في سورية، على خلفية المطالبة بعزل قادة تحرير الشام أو حل الهيئة، بسبب الوضع العسكري في الشمال.
ويبدو أن تصاعد حدة الانتقاد الموجه للهيئة مؤخرًا، ودخول شخصيات وازنة على خط الانتقاد، مثل السعودي عبد الله المحيسني، جعل العديد من القادة فيها يشاركون بالهجوم على منتقديهم، بعد أن كان الدفاع مقتصراً في البداية على أنصار التنظيم، فكان لافتاً النشاط المكثف بهذا الصدد لقادة بارزين في تحرير الشام، لم يتوان بعضهم عن التهجم على المظاهرات وتوجيه أشد عبارات الاتهام للمنتقدين!.
ضفادع وعملاء ومنافقون..!
أكثر ردود الفعل حدة جاءت من قبل القيادي العراقي في الهيئة (أبو ماريا القحطاني) الذي علق على المظاهرات التي خرجت للتنديد بالنظام وقيادة تحرير الشام بالتلميح إلى اتهام المشاركين فيها بالعمالة والردة، معتبرًا أن النظام يحرك أذنابه، ولكن ليس لهؤلاء إلا سيف الصدّيق.
موقف أثار استهجانًا واسعًا، خاصة أن مواقف مشابهة كان قد سبقه إليها كثير من أنصار تحرير الشام، إذ وصف الصحافي المؤيد للهيئة (أحمد زيدان) المتظاهرين بالضفادع، مضيفاً "أن كل من يتطاول على المجاهدين فهو أجير رخيص عند أعداء الشام وحسابه قادم"!.
الناشط الإعلامي المقرب من الهيئة (طاهر العمر) قال: "إن ما فشل به النظام والروس في السابق يحاول أن ينجح به من ينتقد المجاهدين من لحى السوء وأصحاب الأقلام الخبيثة اليوم"، بينما اعتبر (أنس خطاب) أحد أنصار تحرير الشام الناشطين على مواقع التواصل "أن المطالبة بعزل وتنحية القادة في ساحة حرب يكثر فيها العملاء والمنافقون والمرجفون والباحثون عن الاصطياد بالماء العكر، لا يمكن إحسان الظن أو التماس العذر فيها بحال".
وبينما اعتقد البعض أن قيادة تحرير الشام ستكتفي بإيكال مهمة مواجهة منتقديها لأنصار الهيئة، دخل العديد من القادة على خط المواجهة، حيث وصف الشرعي العام فيها (مظهر الويس) خصومهم بالمنافقين، معتبراً أن "كلامهم مجرد زوبعة في فنجان".
سجال القحطاني والمحيسني
لكن عضو مجلس قيادة هيئة تحرير الشام أبو ماريا القحطاني، لم يكتف بالتهجم على المتظاهرين وتهديدهم، بل شن هجوماً لاذعاً على الداعية السعودي المعروف "عبد الله المحيسني" وتبادل معه الاتهامات، حيث كان لافتاً استخدام القحطاني لغة متشنجة على غير المعتاد.
وكان المحيسني قد تفاعل مع المظاهرات الأخيرة، بالتحذير من توجيه الاتهامات للمشاركين فيها أو تهديدهم، وطالب بتفهم الأسباب التي دعت إلى حالة الغضب الشعبي في المناطق المحررة، داعياً إلى تنحي القادة ومنح الفرصة للكوادر من أجل قيادة العمل العسكري والإداري في هذه المناطق.
دعوة رد عليها العراقي أبو ماريا بالقول، إن من يعمل بعقلية "جهاد عكيفي" ليس بكادر، بل هذا من الشوارد القاصية، وهو لا يستطيع العيش مع أي جماعة أو حركة ورأسماله مواقع التواصل.
القحطاني الذي اتهم المحيسني بالتلون والدفاع عمن سماهم المفسدين، أضاف: في كل فتنة تظهر طبول الرياء بمسوح المصلحين، وبعد نهاية الفتنة يوقنون أن الحق مع من يخالفونهم لكنهم يكابرون، مؤكداً أن "هيئة تحرير الشام في أفضل حالاتها الآن".
السجال بين القحطاني والمحيسني تواصل بعد ذلك، حيث استغرب الأخير في تعليق جديد له غضب القيادي في هيئة تحرير الشام من مطالبه متسائلاً: ما الذي يغضب بالدعوة لتنحي القادة؟!
واستهجن المحيسني اتهامات القحطاني، مذكراً إياه بمواقفه المتقلبة من الفصائل الأخرى بين المديح يوماً والاتهام والاعتداء عليها في يوم آخر، مضيفاً: كفاك مزاودة باسم محاربة المفسدين واتهام الجميع بالنفاق.
شخصيات أخرى
ولم يكن السعودي (عبد الله المحيسني) الجهادي الوحيد المشارك في هذا السجال، بل إن كل من مواطنه (ماجد الراشد) والكويتي (علي العرجاني) سجلا حضوراً قوياً فيه.
الراشد ذكّر بأن حركة أحرار الشام غيرت قادتها مرات عدة، بل وتعتمد مبدأ التغيير كل عام، بينما يصر بعض القادة، كالجولاني، على سنة الطغاة بالجلوس على الكرسي حتى الموت، مضيفاً: تخرج مظاهرات ضد الجولاني في عدة مدن، والعدو كل فترة يتقدم وهو عاجز عن الدفاع، ومع ذلك يصر على الاستمرار بحكمهم!..
اقرا ايضا
من جانبه، كان العرجاني كعادته أشد قسوة في الهجوم على قادة هيئة تحرير الشام الذين وصفهم بالخونة، كما وصف المدافعين عنهم بـ(المرقعة) مجددًا، معتبرًا أن "انتفاضة مرقعة الجولاني وأرتاله في المحرر ضد مطالب الناس بعزله وإبعاده، تذكر بشعار الشبيحة (الأسد أو نحرق البلد !)".
وتابع العرجاني: "يقولون إن توقيت المظاهرات فيها ما فيها، بينما قاتلوا الفصائل في وقت حاجة الثورة والجهاد لهم، وسطروا أروع أنواع البغي والناس تستنجد، اليوم أنتم سبب سقوط المناطق والثورة، والمظاهرات ضدكم رد فعل طبيعي جداً".
ويبدو أن الأثر السلبي الذي خلفته ردود فعل بعض قادة وأنصار هيئة تحرير الشام على المظاهرات والانتقادات التي وجهت للهيئة، دفعت بعضهم الآخر إلى السعي لمعالجة التطورات بلغة أكثر هدوءاً، إلا أنه ومع ذلك، لم يستطع هؤلاء الخروج عن سياق التشكيك والاتهام.
المصري (أبو الفتح الفرغلي)، وهو شرعي في الهيئة، اعتبر أن المظاهرات التي خرجت ضد تحرير الشام حملت في الوقت نفسه (الخير والبشرى).
ورغم أنه اعتبر أن الدول المتقدمة تتعامل مع المظاهرات على أنها مؤشر على قوة شرعيتها أو قوة المعارضين لها، لكنه رأى أن توقيت خروج المظاهرات الأخيرة ليلاً والتركيز على شخصية الجولاني، وكذلك خروجها في البلدات التي عانت نزاعات فصائلية داخلية، فضلاً عن أن عدد المشاركين فيها لم يتجاوز العشرات، معظمهم من الأطفال، دليل على فشلها.
وأكد الفرغلي أن "ما سبق يؤكد أن منظمي هذه المظاهرات أصيبوا بخيبة أمل كبيرة هم وداعموهم، تمثلت في جعجعة إعلامية فارغة في القنوات وعلى وسائل التواصل وألسنة مشايخ السوء وأذناب النظام وروسيا" على حد قوله.
مع فشل الفرغلي في التخفيف من حدة رد فعل هيئة تحرير الشام على المظاهرات الأخيرة والانتقادات الموجهة لها، يتذكر الكثيرون مواقف النظام من المظاهرات والاحتجاجات التي خرجت ضده، حيث تم التقليل من شأنها وربطها بمؤامرات واتهام المشاركين فيها بالعمالة والخيانة، بينما يرى آخرون أن الطبيعة التي اتسمت بها ردود فعل الهيئة وسيطرة التشنج عليها، تكشف عن مخاوف جدية داخل تحرير الشام من توسع رقعة الغضب الشعبي، والرغبة في احتواء هذا الحراك بأي طريقة، لكن من دون الإقرار بالأخطاء والاعتراف بالسلبيات المتراكمة التي أدت إليه.
وقد يهمك أيضا" :
أرسل تعليقك