لم تؤد مشاورات وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي، الإثنين، بشأن عقوبات مقترحة من ألمانيا وفرنسا وبريطانيا ضد برنامج الصواريخ الباليستية، ودور طهران الإقليمي، إلى انفراجة ضمن تطلعات الدول الثلاث للحفاظ على اتفاق فيينا النووي من الانهيار، وسط خلافات بين دول الاتحاد حول الأولويات في التعامل مع الملف الإيراني، وذلك على بعد أقل من شهر على مهلة الرئيس الأميركي دونالد ترامب لرفع ثغرات الاتفاق، قبل أن يعلن انسحاب واشنطن من الاتفاق.
واقترحت الدول الأوروبية الثلاث "ألمانيا وفرنسا وبريطانيا"، التي تسابق الزمن للحفاظ على الاتفاق النووي، الشهر الماضي، مشروع عقوبات على طهران يستهدف برنامج الصواريخ الباليستية، ودورها في الشرق الأوسط، إضافة إلى انتهاكات حقوق الإنسان، في إطار مساعي لإقناع الإدارة الأميركية بالحفاظ على الاتفاق النووي.
واشترط ترامب، في منتصف يناير/ كانون الثاني الماضي، بقاء بلاده في الاتفاق النووي بإصلاح 4 إشكالات أساسية في الاتفاق النووي، بما فيها اتفاق ملحق يشمل تفتيش المواقع الإيرانية العسكرية، وأن يشمل الاتفاق برنامج الصواريخ الباليستية، وهي أن قيود الاتفاق النووي مؤقتة، ولا تحول دون تطوير إيران لأسلحة نووية.
وقالت منسقة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، فيدريكا موغريني، الإثنين، لدى وصولها إلى لوكسمبورغ للمشاركة في اجتماع لوزراء خارجية الاتحاد، إنها لا تتوقع قرارات بفرض العقوبات على طهران. وأوضحت ان الاتحاد يحاول عبر التعاون مع واشنطن الحفاظ على التزام كل أطراف الاتفاق، باعتباره قضية "مصالح إستراتيجية للاتحاد الأوروبي". وفي الوقت ذاته، حذرت من تأثير أي موقف يضر الاتفاق مع إيران على مكانة الوكالة الدولية للطاقة الذرية، في ظل مفاوضات مرتقبة مع كوريا الشمالية حول برنامجها النووي.
وعقب نهاية الاجتماع، نشرت موغريني صورة من اجتماع تنسيقي، بحضور وزير الخارجية البريطاني بوريس جونسون، ووزير الخارجية الفرنسي جان إيف لو دريان، ووزير الخارجية الألماني هيكو ماس، وأعلنت استمرار الدعم الأوروبي للاتفاق النووي دون الكشف عن تفاصيل المباحثات.
واستمر الانقسام الأوروبي بشأن فرض العقوبات على إيران بسبب برنامجها الصاروخي، ودورها الإقليمي، وتقود إيطاليا وإسبانيا والنمسا الدول التي تعارض فرض العقوبات الجديدة، وفي هذا الصدد، قالت الوزيرة النمساوية كارن كنيسل إن "الموضوع ليس بندًا مهمًا على جدول الأعمال". والنمسا هي إحدى الدول الأكثر ترددًا في فرض عقوبات جديدة، ومثلها إيطاليا والسويد، وفق ما أوردته وكالة الصحافة الفرنسية. لكن وزير الخارجية الألماني، عبر عن استيائه حيال طهران، وقال "نحن قلقون إزاء الدور الذي تضطلع به إيران في المنطقة، وبسبب برنامجها للصواريخ الباليستية"، مضيفًا "علينا أن نبحث كيفية اتخاذ موقف من هذا الأمر"، من دون أن يحدد ما إذا كان يرغب في عقوبات جديدة. وصرح ديدييه ريندرز "لا أعتقد أنه الأولوية الأولى. لن يكون هناك حلًا عسكريًا في سورية. وإذا أردنا حلًا سياسيًا، فيجب إجراء حوار مع إيران وروسيا". وقال نظيره الليتواني ليناس انتاناس لينكيفيسيوس "ينبغي أن نناقش ذلك ونحن منفتحون على هذا الخيار".
وعلق ممثل دولة أوروبية عضو، لم يشأ كشف هويته، بأن "عدم اتخاذ أي خطوة حيال إيران ليس حلًا. المساس بالاتفاق النووي غير وارد، ولكن يمكن التحرك في محيطه، وهامش الخيارات واسع"، وأضاف أن "لدينا كل أنظمة العقوبات الضرورية، وينبغي أن نرى أين نضيف الأسماء".
غير أن وزير خارجية لوكسمبورغ، يان أسلبورن، نبه إلى أن "السياسة الخارجية لإيران، وبرنامجها الباليستي، لا ينسجمان مع روح الاتفاق النووي. وإذا كنا قادرين على القيام بخطوات تساهم في تهدئة الأميركيين، فأعتقد أن هذا النقاش حول عقوبات جديدة سيحصل، ولكن ينبغي عدم ارتكاب خطأ رئيسي يتمثل في خسارة إيران".
ومن المفترض أن يزور واشنطن كل من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، في 24 من أبريل/ نيسان، والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، في 27 من الشهر ذاته، كآخر محاولات من الدول الأوروبية الثلاث لإقناع ترامب بالبقاء في الاتفاق النووي، قبل الموعد النهائي المحدد في 12 مايو/ أيار المقبل.
وكان المفاوضون قد التقوا للمرة الرابعة الأسبوع الماضي، وأحرزوا بعض التقدم، لكنهم عجزوا عن التوصل لاتفاق حول جميع النقاط، تبعًا لما أفاد به مسؤولون أميركيون ومستشارون خارجيون لدى إدارة ترمب على اطلاع بالمحادثات، وفق ما ذكرته وكالة "أسوشيتد برس"، الأحد.
وأفادت الوكالة، نقلًا عن مسؤولين أميركيين، بأن الجانبين الأميركي والأوروبي "على وشك التوصل لاتفاق" بشأن الصواريخ وعمليات التفتيش، لكنهم "لم يصلوا إلى هذه النقطة بعد"، في ما يتعلق ببنود انتهاء سريان الاتفاق.
ومن ناحية أخرى، تناول المتفاوضون النشاطات الإيرانية "الخبيثة"، التي تتضمن دعم طهران لجماعة "حزب الله" اللبنانية، والرئيس السوري بشار الأسد، والمتمردين الحوثيين في اليمن، خلال جلسة منفصلة انتهت دونما نتيجة حاسمة، وفقًا لما ذكره المسؤولون الذين رفضوا هم والمستشارون الخارجيون كشف هويتهم.
وقال المسؤولان والمستشاران الخارجيان إن قضيتي الصواريخ وعمليات التفتيش جرت تسويتهما بصورة أساسية، لكنهم رفضوا الكشف عن تفاصيل ما جرى الاتفاق عليه، ورفضوا التنبؤ بما إذا كان ترامب سيوافق على ما جرى الاتفاق حوله، ناهيك عن كل من مستشار الأمن الوطني الجديد جون بولتون وبومبيو. والمعروف أن كلا المسؤولين من معسكر الصقور فيما يخص إيران، ويشاركان الرئيس رفضه الاتفاق الذي يعتبر واحدًا من أبرز إنجازات الرئيس السابق باراك أوباما على صعيد السياسة الخارجية.
وفي شأن متصل، قال المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، بهرام قاسمي، إن بلاده تواصل مفاوضاتها مع الاتحاد الأوروبي حول الاتفاق النووي، ومواقف تلك الدول في ظل الضغوط الأميركية، ونقلت وكالات إيرانية عن قاسمي قوله إن "العلاقات والاتصالات والحوارات والمشاورات بين إيران والدول الأوروبية مستمرة حول الاتفاق النووي"، مضيفًا أن الاتفاق النووي من الأمور ذات الاهتمام المشترك بين الجانبين.
وربط قاسمي مرة أخرى دور إيران الإقليمي، وتأثيره على "استقرار وثبات المنطقة"، وقال إن أوروبا على علم بموقع بلاده في المنطقة، وأضاف "يجب الصبر لمعرفة قرار الإدارة الأميركية في ما يتعلق بالاتفاق النووي"، معربًا عن اعتقاده أن الإدارة الأميركية لم تحسم موقفها من الاتفاق بعد.
ورغم أن قاسمي عبر عن "تأكيد" إيراني على مواصلة المفاوضات مع الدول الأوروبية كما في السابق، فإنه رهن ذلك برغبة الجانبين في استمرار المفاوضات في "بيئة مليئة بحسن النيات"، لافتًا إلى تبادل الجانبين وفودًا خلال الأشهر المقبلة لاستمرار المفاوضات في المجالات المختلفة.
أرسل تعليقك