في أيلول/سبتمبر المقبل سيكون العالم علي موعد مع تركيب وجه مومياء "توتو" فتاة الفيوم التي تقبع جثتها في متحف مابي -جيرير بمدينة شوني في ولاية أكلاهوما الأميركية، حسب التصريحات التي أدلت بها ديلينا تريم مديرية المتحف لقناة الحرة الأمريكية.
تنضم "توتو" فتاة الفيوم إلي "ميريت آمون" التي تم تحديد رأسها منذ فترة من خلال التعاون الذي تم بين جامعة ملبورن وبين مؤسسات طبية لاستخدام تكنولوجية فائقة، وإلي آلاف المومياوات التي تنظر أن تقبع تحت أبحاث التكنولوجية الفائقة فنشاهد وجوههم وأعمارهم وتاريخ حياتهم الطبي المجهول حال حياتهم.
و"توتو" التي أظهرت الدراسات العلمية أنها في توفت وهي في عمر الأربعين، تم اكتشافها من خلال بعثة تنقيب أثرية قام بها لويس بينيت عام 1897م بالفيوم في مصر، وتبرع بها لمتحف جيلين ايلاند والذي أشهر إفلاسه في عشرينيات القرن الماضي وقد قام الأب جريجور جيرير بشراءها من مزاد علني وتم التبرع بها لمتحف مابي -جيرير بمدينة شوني في ولاية أكلاهوما الأمريكية.
وتستعرض "بوابة الأهرام" حكاية أول مومياء بالفيوم شاهدها العالم في القرن التاسع عشر بالفيوم، وأهم المومياوات التي أجريت عليها أبحاث وتم تركيب وجوه لها من خلال التكنولوجيا الحديثة الفائقة.
الأثري محمد جمال قال لــ"بوابة الأهرام" إن التكنولوجيا الفائقة لتحديد هوية رأس وحيد لسيدة مصرية تدعي ميريت آمون العام الماضي، توصلت لشكل وجهها البديع والذي كان متمثلاً في فم صغير وعينين صغيرتين، ولطول جسدها المفقود أيضاً فهي لم تكن سوي رأس بدون جسد.
جامعة ملبورن الأسترالية حوت رأس السيدة المصرية منذ 100 عام مضت، حين انتقل الرأس من مصر لأستراليا، حيث دلت الأبحاث أن الرأس المحنطة تبلغ من العمر لنحو ألفي عام، وتمت تسميتها باسم ميريت آمون وتعني محبوب المعبود آمون، وتضمنت فكرة المشروع استخدام التكنولوجيا الحديثة لإعادة إحياء الرأس وعرضها بالفعل كما كانت حية، وهي طريقة تساعد الدارسين الأثريين لمعرفة ما يمكن أن تقوم به الأمراض من تغيير في التشريح العام لجسم الإنسان، وكيف يمكن أن تؤثر البيئة المحيطة عليهم.
وأضاف جمال، أنه يرجع تحديد جنس الرأس إلي الدكتورة "جانيت دافي" عالمة المصريات، حيث قامت بتحديد أن الرأس لأنثى من خلال فحص عظام الوجه، وهو ما أكدت عليه عالمة الأنثربولوجيا الدكتورة "كارولين ويلكنس" من جامعة ليفربول جون موريس ببريطانيا، والتي سبق لها استعادة وجه الملك ريشارد الثالث الذي قتل في المعارك الحربية عام 1485 م.
توصلت الدراسات أن السيدة ميريت آمون كانت بطول 162 سم وهو ما يؤكد أن المصريين كانوا مثل البشر الحاليين في الطول وتم تأريخ وفاة صاحبة هذه الرأس إلي عصر دخول الإسكندر الأكبر لمصر عام 331 قبل الميلاد.
الفتاة الشقراء بالفيوم
عام 1897م منذ أكثر من 124 سنة، وبالتحديد في عام 1893م، نشرت مقالات أثرية عن فتاة الفيوم الشقراء التي ترجع أصولها لإيطاليا، التي وجدت جثتها محنطة في الفيوم، مما دعا الأثري "بتري" لأن يؤكد أن قومًا من الاترسكانيين، وهم سكان إيطاليا القدامى كانوا يعيشون في الفيوم بكثرة.
والاترسكانيون عاشوا في إيطاليا قبل تأسيس الإمبراطورية الرومانية، وكانوا أهل صناعة وتجارة، وكانوا من أغرب الشعوب القديمة كما تدل آثارهم في إيطاليا، وعرفوا بالجمال وقصر القامة، وقد رجح بعض الأثريين أنهم قدموا لإيطاليا من خلال سوريا.
بعنوان "الاتصال القديم بين مصر وإيطاليا" نقلت الصحف المصرية، ومنها مجلة "المقتطف" أقوال الأثريين في الكشف عن جثة فتاة محنطة من الإيطاليين القدامى عثر عليها في الفيوم، حيث قالت إنه في عام 1849م اشترى أحد النمساويين جثة الفتاة، ثم توفي بعد 10 سنوات وقام شقيقه بنقلها للمتحف في النمسا.
في عام 1867م زار الأثري "برغش باشا" متحف النمسا وشاهد جثة الفتاة فقام بمخاطبة الأثري كرال، أحد علماء الآثار في النمسا، وأكد برغش في رسالته أن الفتاة تم تحنيط جثتها في مصر، وعليها كتابات ظن أنها كتابات حبشية، إلا أن عالم الآثار النمساوي الذي قام بفحص المومياء اكتشف أن الكتابات ليست حبشية وإنما هي كتابات الأترسكانيين القدامى في إيطاليا.
كانت جثة الفتاة تظهر أنها شقراء الشعر، وعلى جبهتها آثار أوراق ذهبية، دليل علي أنها عاشت في عصر البطالمة، أما اللفائف الموضوعة حولها فكان طولها يقدر بنحو من متر إلى ثلاثة أمتار، وعليها كتابة مسطورة من جهة اليمين إلى اليسار حسب كتابة "الاترسكانيين القدامي"، حيث الكتابة كتبت من أجل الفتاة ثم تم تمزيق النسيج عليها ولفت به الفتاة تبركًا، وقد قال الأثري كرال إن الفتاة ماتت في مصر في الفيوم، وإن أهلها أعطوا هذا الكفن للمحنطين كي يلفوا به جسدها بعد أن كتبوا كتابات دينية بلغتهم مثلما كان يفعل المصريون القدامى.
وقال الأثريون الذين انشغلوا بجذور الفتاة المحنطة الشقراء إن هناك جثثًا مصرية وجدت عليها كتابات من أشعار الإلياذة لهوميروس، لافتين إلى أن الفتاة التي وجدت على جثة الفتاة الشقراء هي أطول كتابة "اتروسكانية" وجدت حتى الآن، حيث وجد بها نحو ألفي كلمة، وأطول كتابة وجدت قبلها فيها كان 125 كلمة، وقد عكف العلماء على قراءتها وتحليلها.
يقول الأثري فرنسيس أمين، إن الحضارة التروسكانية مازالت غامضة، وبخاصة الكتابات التروسكانية - سكان إيطاليا القدامى - لافتًا إلى أن الحضارة التروسكانية كانت متأثرة بالحضارة المصرية القديمة؛ "فقد وجد في مدينة جنوا الإيطالية مئات الجعارين التي كانت تشبه الجعارين المصرية، كما وجدت في إيطاليا الكثير من الآثار المصرية القديمة".
وأضاف أمين أن العلاقات المصرية الإيطالية "قديمة جدًا مما حدا بأحد علماء الآثار الإيطاليين إلى أن يرجح أن جزيرة اللهب التي ذكرت في قصة إيزيس وأوزيريس المصرية موجودة في إيطاليا، وأن إيزيس وصلت هناك لتبحث عن أوزيريس بناء على الأسطورة المصرية القديمة.
وأكد أن المومياوات المصرية تعرضت لطرق بدائية في القرن التاسع عشر مما جعل بعضها يتعفن ويتم دفنها في حديقة المتحف قبل أن يشهد العالم تطورات كبيرة في التعامل مع المومياوات.
الاكتشافات الطبية الفرعونية
اكتشف فريق طبي ببريطانيا أول عملية جراحية لوضع مسمار معدني في ركبة مومياء مصرية بالمتحف البريطاني ، وأثبت ريتشارد جاكسون، أحد أعضاء الفريق، وجود مسمار معدني متحلزن طوله 23 سنتيمترًا داخل ركبة المومياء، ويصل بين الفخذ وأسفل الركبة كجراحة تعويضية متطورة للغاية.
والمومياء المصرية التي تعود للقرن الحادي عشر قبل الميلاد تعرف بمومياء "أوسر مونتو"، وقد أوردت قصتها عدة مواقع صحفية بريطانية، وجاء الاكتشاف بالمصادفة من خلال إشاعة إكس، حيث أثبت الفريق أنه تم وضع المسمار بواسطة مركب من الصمغ يشبه كثيرًا أسمنت العظام الذي لم ينتج في أوروبا إلا في العام 1940 م، حيث تم وضع المسمار في الجثة حين وفاته وأنه لو كان حيًّا لكان مارس حياته بشكل طبيعي.
وقال الأثري هاني ظريف، إن العملية الجراحية المتطورة للغاية، والتي لم ينجزها الغرب إلا في القرن العشرين تمت على أيدي أطباء مصريين منذ أكثر من ثلاثة آلاف عام، حيث تأكدوا أن العضو المعدني الصناعي قديم فعلًا، بعمر ثلاثة آلاف عام، ولكن بسبب التصميم المتطور للمسمار المتحلزن، والذي يتفق مع التصاميم المماثلة التي تتم الآن، بواسطة الحاسبات المتطورة التي تدرس حركة وتشريح الأعضاء وعلاقتها ببعضها البعض، وقادهم هذا للتأكيد على أن أطباء مصر القديمة كانوا على دراية عالية عن كيفية استخدام الحواف المتبارزة للبنية التشريحية لتطبيقها على التحلزن الصناعي لتحقيق ثبات إدارة الرجل بعد وضع العضو الصناعي.
وأكد الأثري محمد محيي، أن المومياوات المصرية في حقب مختلفة تعرضت للتدمير لاستخدامها كمسحوق طبي في أوروبا أو للبيع والتهريب مثل تهريب بعض المومياوات من الخبيئة التي تم اكتشافها في الأقصر عام 1881م ، مؤكداً أن مومياء رمسيس الأول عادت لمصر بعد مرور مائة عام علي تهريبها، من خلال الدبلوماسي التركي مصطفى أغا وقتها، في الفترة منذ عام 1881م".
وأضاف محيي أنه "في عام 2003 م عادت مومياء الملك والمحارب المصري رمسيس الأول من الولايات المتحدة، من متحف مايكل كارلوس إلى المتحف المصري بالقاهرة، بعد رحلة تعدت المائة عام بين المتاحف، بعد سرقتها من خبيئة الدير البحري، ومن ثم بيعها على يد القنصل التركي بالأقصر مصطفى أغا، الذي كان متورطًا في القضية التي رصدتها جريدة الأهرام عام 1881م".
وجرت مراسم استقبال رسمية للملك في مصر بعد عودة مومياء رمسيس، التي نجت من الطحن واستخدامها كمستحضر طبي عام 2003م، وعزف فيها السلام الوطني المصري والمراسم العسكرية، وغطي الصندوق بالعلم المصري، وعاد رمسيس ليرقد بجوار ابنه سيتي الأول، وحفيده رمسيس الثاني".
قد يهمك أيضًا:
العلماء يكتشفون لوحًا حجرًيا أثريًا في أحد المرتفعات الاسكتلندية
فنانة مصرية تستلهم اسم معرضها من رباعية صلاح جاهين "كنت شيء"
أرسل تعليقك