حذّر اختصاصيون مصريون في مجال الآثار من مخالفات و«إهمال» أصحاب المتاجر الخاصة المرفقة بالمباني الأثرية الإسلامية بمدينة القاهرة، وعدد من المدن الأخرى، بعدما جدد الحريق الذي نشب بـ«خان الزراكشة» في شارع الأزهر التاريخي (وسط القاهرة) مساء أول من أمس، مخاوفهم بشأن حماية المباني الأثرية النادرة.
وتنتشر المتاجر في مناطق الغورية والأزهر والجمالية بمنطقة «القاهرة الفاطمية»، ويستطيع زائر المنطقة رصد مخالفات أصحاب المتاجر وضعف رقابة السلطات المحلية عليها. ويعاني معظم المباني الأثرية الإسلامية من تنازع الاختصاصات بين وزارتي الأوقاف والآثار، فبينما تملك الأولى تلك المباني، فإن الأخيرة تشرف عليها للحفاظ على قيمتها الأثرية.
وسيطرت هيئة الحماية المدنية المصرية على النيران التي نشبت مساء أول من أمس، بإحدى قاعات الطابق الثاني من خان الزراكشة بشارع الأزهر. وقال د.جمال مصطفى رئيس قطاع الآثار الإسلامية والقبطية واليهودية، إن «النيران لم تمس الأثر ولم تسبب أي أضرار له»، مشيراً إلى أن «النيران اشتعلت في السلع المخزنة في القاعات التي يشغلها بعض المستأجرين المتعاقدين مع وزارة الأوقاف».
ويحذر أثريون مصريون من خطورة التوصيلات الكهربائية العشوائية بالمنطقة بين المحال التجارية، لا سيما أنها لا تدرّ عائداً كبيراً للدولة، وطالبوا بتزويد تلك المباني بأجهزة إطفاء حريق حديثة بسبب صعوبة وصول سيارات الإطفاء إلى بعض الحارات الضيقة.
الدكتور مختار الكسباني، أستاذ الآثار الإسلامية بكلية الآثار جامعة القاهرة والمستشار الأسبق لأمين عام المجلس الأعلى للآثار، يقول لـ«الشرق الأوسط»: «تجب محاسبة مسؤولي وزارة الأوقاف المقصرين، لأن حريق خان الزراكشة كاد يتسبب في تلف بعض الجوانب الأثرية التي رممتها وزارة الآثار خلال تطوير وترميم المبنى في منتصف العقد الأول من الألفية الجديدة، بنحو 18 مليون جنيه مصري (الدولار الأميركي يعادل 16 جنيها مصرياً)»، مشيراً إلى محاولة وزارة الأوقاف بيع هذا المبنى، وبسبب تدخل مسؤولي وزارة الآثار في عام 2004 توقفت عملية البيع وتم ترميمه قبل أن تقوم الآثار بتسليمه للأوقاف مرة أخرى.
وأزالت السلطات المصرية 9 مخالفات بشارع المعز التاريخي الأسبوع الماضي، حيث شملت التعديات أكشاكاً وواجهات تمت إضافتها على واجهة مسجد «الفكهاني» الأثري، وغيره من الوكالات التاريخية.
وفيما يشتهر شارع الغورية التاريخي بوجود عشرات المحال التجارية التي تبيع منتجات الملابس والأقمشة ومستلزمات تجهيز العرائس، فإن بعض البائعين يستغلّون غياب الرقابة في المنطقة لتعليق بضائعهم ووصلاتهم الكهربائية على جدران المساجد والمباني الأثرية بمنطقة الأزهر العتيقة.
ويضيف الكسباني قائلاً: «إشراف وزارة الآثار على هذه المباني العتيقة يستمر حتى الساعة الخامسة مساءً، ثم تنتقل حمايتها إلى عهدة وزارة الأوقاف». مشيراً إلى «تأجير معظم المحال التجارية بجنيهات معدودة، بعقود مر عليها أكثر من قرن من الزمان، ويستغلها أشخاص آخرون غير مسجلين في سجلات وزارة الأوقاف»، مطالباً بوضع «آلية جديدة للتعاقد بجانب الحصول على مقابل مادي عادل، يوازي أسعار الإيجارات الأخرى في المنطقة»، على حد تعبيره.
وتستعد المؤسسة المصرية لإنقاذ التراث لتقديم مشروع إلى وزارة الآثار المصرية لدرء المخاطر عن منطقة الغورية وشارع الأزهر بسبب وجود عشرات المحال التجارية بالمباني الأثرية نفسها والأماكن المجاورة لها. وترى أمنية عبد البر عضو المؤسسة، أن «منطقة الأزهر العتيقة لا يوجد بها كود أمان من المخاطر على غرار المناطق الأثرية بالدول الأخرى، وإن كان موجوداً على الورق فإنه لا يطبَّق، لأن المتاجر لا تطبق عوامل الأمان والسلامة من مخاطر الحرائق التي تعد أكبر مشكلة تواجهها المناطق الأثرية».
وقالت عبد البر لـ«الشرق الأوسط»: «إن الحرائق تلتهم القطع والأسقف الخشبية وتعرّض الجدران التاريخية للخطر». ورغم إقرارها بأهمية وجود الأسواق والمتاجر القديمة في المنطقة لإضفاء الروح عليها، فإنها تطالب بتنظيم المنطقة بشكل يليق بأهمية وعظمة آثارها عبر التنسيق بين الجهات المحلية كافة لا وزارة الآثار فقط.
وتضم منطقة الأزهر التاريخية مباني أثرية تعود للعصر الفاطمي والأيوبي والمملوكي والعثماني ثم عصر محمد علي، ومن أبرز تلك المباني «باب الفتوح، ومسجد الحاكم بأمر الله، ومسجد وسبيل وكتّاب سليمان آغا السلحدار، ومنزل مصطفى جعفر السلحدار، وجامع الأقمر، وسبيل وكتّاب عبد الرحمن كتخدا، وقصر الأمير بشتاك، وحمام إينال، والمدرسة الكاملية، وسبيل محمد علي، ومسجد ومدرسة الظاهر برقوق، ومجموعة السلطان محمد بن قلاوون، ومدرسة وقبة نجم الدين أيوب، وسبيل خسرو باشا، ومسجد ومدرسة الأشرف برسباي، ومجموعة السلطان الغوري، وجامع المؤيد، ووكالة وسبيل نفيسة البيضا، وباب زويلة».
وفي شهر يونيو (حزيران) الماضي، نشب حريق هائل في منطقة «سوق خضار العتبة»، تسبب في وقوع خسائر كبيرة في عدد من المباني والمتاجر، ما دفع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إلى إصدار توجيهاته بضرورة تطوير السوق وإعادة الوجه الحضاري للمنطقة العريقة، والحفاظ على البوابات التراثية الموجودة به، وتزويده بالاحتياطات اللازمة لعدم تكرار مثل هذه الحوادث.
وقد يهمك أيضا:
نوبل للآداب تنتصر مرة أخرى للمرأة وتتعثر في جدل السياسة
أرسل تعليقك