دمشق-سورية24
يعد حي "المهاجرين" أحد أهم أحياء العاصمة السورية دمشق ويطلق على هذه المنطقة على سبيل الدعابة (حَي المتقاعدين) لما كان فيه من هدوء وطبيعة خلابة وهواء نقي، وهو يمتد من الجانب الغربي لسفوح قاسيون الجبل حتى (قبة السيَّار) كان اسمها القديم “تحت الردادين” التي كانت ملكاً لآل المؤيد العظم، وكانت قبلها ملكاً إقطاعياً لبهاء بك في عصر الوالي العثماني حمدي باشا وبعد التوسع العمراني الذي شهدته دمشق، أصبح الحي منطقة إدارية (بلدية) تضم عدة أحياء.
وربما هو من الأحياء القليلة التي يُعرَف “تاريخ ميلادها” وزمان إعمارها، ورغم أنه ليس من الأحياء الدمشقية القديمة وبالإمكان تقدير عمره، لكن الباحث “علي الطنطاوي” في كتابه “دمشق” أكد أنه تأسس عام 1899 ميلادي.
أطلق على المنطقة اسم المهاجرين منذ بداية القرن العشرين عندما جاءها جماعة من المهاجرين, من كريتيين وأتراك وشراكس ووسواهم ممن قدموا إليها بهجرات مختلفة الأسباب, أول المهاجرين كانوا من البلقان الذين وصلوا عام 1890 ثم من الروملي عام 1896 ومن كريت عام 1900.
يقول الطنطاوي: “بدأت القصة مع مجيء الوالي العثماني المصلح “ناظم باشا” إلى دمشق سنة 1899م. ويبدو أن الرجل زار جبل المهاجرين، خلال تفقده أرجاء المدينة التي أمسى واليها، فأعجبه المكان المطلّ على المدينة القديمة، طيِّب الهواء، وجميل المنظر، فرغب أن يعمّره، وعرض أن يباع المتر الواحد منه بـ”متليك” (ربع قرش تركي)”.
ويتابع الباحث الطنطاوي: “لم يقدم أحد على الشراء. ومن يشتري جبلاً أجرد منقطعاً ويسكن مع الوحوش؟” بحسب تعبيره، “ثم اشترى الجبل كله موظف تركي (مكتوبجي)، اسمه “بهابك”، بخمسين ليرة ذهبية، وحفر فيه بئراً جاءها بالماء من نهر يزيد، ولما نُقِلَ من دمشق رجا صديقه “شفيق بك المؤيد” شراءها، وفعل ذلك استحياءً بمئة ليرة ذهبية”.
ويلقي “الطنطاوي” الضوء على سبب تسمية جادة “المصطبة” قائلاً: خلال ولاية ناظم باشا، أُعلن أن إمبراطور ألمانيا غليوم “فيلهلم الثاني” أحب زيارة دمشق، وكان ذلك في فترة تبادل الغَزَل والوداد بينه وبين الإمبراطور العثماني “عبد الحميد الثاني” مما أدى إلى قيام ذلك الحلف بين الطرفين إبان الحرب العالمية الأولى.
ويضيف: “تنافس اثنان من وجهاء دمشق على استضافة الإمبراطور الألماني، الأول “أحمد الشمعة” والثاني “عبد الرحمن اليوسف” غير أن الوالي رأى، منعاً للخلاف، إنزال الإمبراطور الألماني في قصر الحكومة، وخلال ذلك أعدت له “المصطبة” وأقيمت فيها السرادقات الهائلة وجرت فيها حفلات بالغة الفخامة، ومنها جاءت التسمية.
لكن هل تعلمون أن “الكريتيون” هم أول من سكن حي المهاجرين؟ يقول الطنطاوي: في هذه الأثناء قامت فتنة طائفية في جزيرة “كريت” اليونانية، فهاجر كثير من أهلها، وجاؤوا دمشق لاجئين، فأسكنهم ناظم باشا في المهاجرين، وكان هؤلاء أول من سكن هناك، وربما كان هذا هو سرّ اسم هذا الحي: “المهاجرين”.
ويرى الباحث السوري أن من أعمال هذا الوالي جر مياه الفيجة إلى دمشق، إذ كانت المدينة حتى ذلك التاريخ تشرب من مياه الأنهار التي تمر بها، أو من الآبار المحفورة في البيوت، ولم تكن مياهاً عقيمة في أي حال.
ينقل الطنطاوي ما سمعه من الشيخ “عبد المحسن الأسطواني” الذي عمَّر إلى ما بعد المئة، أنه لدى دراسة مشروع جرّ مياه الفيجة شكلّت جمعية لبحث تمويل هذا المشروع، فاقترح بعضهم أن توضع ضريبة على الخبز، فغضب الوالي، وقال: “أتريدون أن يدفعها الفقراء! اجعلوها على الكاز، فإن الفقير يشعل ضوءاً واحداً، والغني أضواؤه كثيرة، فيكون أخذها من جيوب الأغنياء”.
ومن أهم معالم هذا الحي “قصر المهاجرين” الذي أمر الوالي العثماني “ناظم باشا” ببنائه ليستريح من ضوضاء المدينة، و”شارع ناظم باشا” الذي يقع شرق منطقة المهاجرين وهو موازي لنهر يزيد ويعتبر أهم شوارع الحي، “ساحة خورشيد” التي سميت نسبة لمالك قصر المهاجرين “خورشيد وهبي المصري” الذي اشتراه من “ناظم باشا” قبل إنجازه.
وأيضاً هناك “حي السلامة” الواقع أعلى المهاجرين ويدعى أيضاً “السلمية” وينسب الحي إلى التربة السَّلامية، ويقع قرب جامع الأفرم، و”حارة المدارس” التي كانت تحوي عدداً كبيراً من المدارس، بقي منها: الكجرية، الأتابكية، اليغمورية، المرشدية، الجهاركسية، وأقدمها هي الصاحبة.
قد يهمك ايضا:
وزارة الثقافة المصرية تقتني تراثا نفيسا من القرن التاسع عشر
وزارة الثقافة المصرية تعلن عن تنظيم ورشة للكتابة المسرحية والدراماتورج
أرسل تعليقك