كتب الكاتب طارق الأحمد تحت عنوان "الأسد نحو حسم الهوية الاقتصادية لسورية" ، عندما يجتمع الرئيس بشار الأسد مع الفريق الحكومي المكلف بالملف الاقتصادي مع الكورونا، ويقول ان هذا التحدي يماثل الحرب ضد الإرهاب التي دأبت سورية على خوضها و لا زالت للسنة العاشرة في حرب مصيرية لمستقبلها، فإن المعنى الذي يجب استخلاصه يكون مجتزءا جدا اذا ما وضعناه في مجرد توجيهات للحكومة….
فالحرب العالمية قائمة اليوم وفق أهم المشتغلين بالسياسة الكلية.. إذا وضعنا الاقتصاد عنوانا لها… و هي أيضا متمثلة في عين العاصفة السورية بعد أن قررت أمريكا ان تحول كل تركيزها في دعم أعداء و إرهابيي سورية إلى الجانب الاقتصادي منه.. فحتى تواجد قواتها العسكرية التي سبق لترامب أن أعلن عن عزمه سحبها، فقد عاد ليبقيها فقط عند حقول النفط شمالا و شرقا اي في الحسكة و دير الزور، و عند معبر التنف الاستراتيجي الحدودي بين سورية و العراق…. ناهيك عن قانون قيصر الذي يريد فيه ليس حصار سورية فقط لا بل حصار من لا يحاصر سورية و هذه هي فلسفته الأساسية دون الدخول في التفاصيل….
داخليا عبرت سورية مختلف الحقبات السياسية التي أثرت على هويتها الاقتصادية… فمنذ نشأتها كدولة استقلت عن الاحتلال العثماني بعد الحرب العالمية الأولى ، بدأت تتلمس أنماط الإنتاج فتطورت مدنها و سيطر الإقطاع الزراعي على الريف…. جاء زمن الوحدة السياسية مع مصر عبد الناصر عام 1958 فدخلت في التأميم والإصلاح الزراعي، ما أنتج نمطا مختلفا من هوية الاقتصاد غير الذي دأبت عليه. تمازجت الايديولوجيا بالاقتصاد السياسي فصبغ التحول الاشتراكي الفترة اللاحقة و بخاصة الستينيات في ظل شراكة تزداد مع المنظومة الاشتراكية بقيادة الاتحاد السوفيتي السابق…
جاء التحول بعد ذلك مع الرئيس حافظ الأسد عام 1970 و التي شكلت تخفيفا للنمط السائد بل و إنتاجا لنمط جديد من العلاقة الاقتصادية التي استمرت في التنمية على أساس نمو القطاع العام بشكل كبير مع السماح و التصالح مع القطاع الخاص و انماطه بشكل متزايد و هو ما لم يكن سائدا في المنظومة الاشتراكية التي تقع سورية في كنفها السياسي و العسكري و هو النهج الذي لم يكن يمر بدون نقد من الكثيرين و منهم أحزاب يسارية…
شكل انهيار الاتحاد السوفيتي وانقلابه على نهجه الاقتصادي قبل ذلك في البيرسترويكا مطلع التسعينيات تحديا جديدا لسورية التي كان عليها عبوره لا سياسيا فحسب و إنما اقتصاديا أيضا، فمنظومة الكوميكون (دول أوروبا الشرقية و الاتحاد السوفيتي) غدت رأسماليات لا متوحشة فحسب و إنما مأكولة بثمن بخس و قد بيعت شركات كبرى بأثمان مضحكة نتيجة فساد هائل…
كان أمام سورية أن توازن بين السياسة والاقتصاد والوضع الجيوسياسي المتلاحق و لطول بحثه اكتفي بالإشارة إلى حرب الخليج فقط لتكون انعطافة جديدة في نمط التحول الاقتصادي الجديد في سورية و بشراكات مع الخليج لم تكن قائمة من قبل و التي مولت الكثير من المشاريع كما هو معروف..
إعادة بناء الاقتصاد وفقا للوضع القائم الجديد في التسعينات ثم بعد عام 2000 هو أمر تم في روسيا على يد الرئيس الجديد آنذاك فلاديمير بوتين الذي شهدت بلاده الأكبر في العالم أكبر عمليات نهب أيضا وقام بالتعامل مع الاوليغارشيا الروسية بكل الطرق التي توفرت له، لكن الاساس كان بالنسبة له هو بقاء رأس المال في روسيا و تدويره في مصلحة بلده و تطوير الصناعة العسكرية خاصة لأنها مصدر قوة روسيا لكي لا يقوى الغرب على تقسيمها و هو المشروع الأساسي كما يعتقد….
لقد حمل العقد الأول قبل 2011 تجربة اقتصادية قامت على الانفتاح الكلي في الاقتصاد السوري و الشراكة الاقتصادية مع أوروبا و دول الخليج و تركيا، و حققت وفرا ماليا و نموا هائلين قياسا، و لكن مع عدم توازن اجتماعي شكل خللا كبيرا رغم النمو، ثم جاءت الحرب على سورية لتنخرط هذه الدول ضدها بقوة و تحاصرها اقتصاديا و لتقف معها روسيا و ايران اللتان لا تتشابك البنى الاقتصادية فيهما مع بنى سورية الإنتاجية الا بمستويات ضعيفة أو بعض المشاريع الحكومية و كل ما يقال عكس ذلك يدحضه الواقع بالأرقام…
من الطبيعي أن تفرض المتغيرات السياسية واقعها على الاقتصاد لأن التفاعل بين العاملين تبادلي، لكن الضروري جدا و الملح فعلا… ان تجري النخب السياسية ذات البعد الفكري في سورية حوارا لتحديد هوية سورية الاقتصادية الجديدة في ضوء جميع المتغيرات بحيث لا تستطيع فيها المتغيرات أن تؤرجح المنتجين في كل المجالات مع الأحداث لأن المنتج يهتم بالدرجة الأساسية بعامل اساسي هو الاستقرار ثم الاستقرار… و ذلك في كل شيء و هذا ما تؤمنه قوة الدولة و ثباتها و منعتها و أمنها بالدرجة الأولى و لا تعكرها الأهواء و الامزجة…
من تابع كلمة الرئيس الأسد يجد أنها حملت جديدا كليا، لأنه تحدث عن عودة الدولة و أهمية دورها كمتدخل اساسي في موازنة العلاقة بين الانتاج الزراعي و الاستهلاك، و هذا الأمر ليس قرارا سهلا إن اريد تطبيقه بفعالية حقيقية ملموسة على الأرض بل يحتاج إلى منظومات عمل جديدة كليا غير الموجودة حاليا و يمكن بناؤها و قد طرح في حديثه أهمية العودة إلى التشريع في هذه الحالة، بالإضافة إلى وضعه لسورية على خارطة الإنتاج الزراعي المخطط و الذي يستطيع العودة للاكتفاء الذاتي بدلا من المواد المستوردة، و هذا الأمر نفسه لم يكن مع الزمن السابق للرئيس حافظ الأسد الا بسياسة عليا هو الذي ارساها و جعلت سورية تنتج 5 ملايين طن من القمح سنويا بدلا من استيراده وفق آلية مدروسة بين الدولة و المزارعين و هذه القصة لم تكن حالة عشوائية أو تخضع لهزات السوق و العرض والطلب….
إن الوقت مناسب الآن و نحن في عين العاصفة الاقتصادية و ليس بوقت آخر، لأن هذه العاصفة مجهولة النهاية لمن يمكن أن ينجو من آثارها و سورية دولة تملك قرارها و غير خاضعة لا للبنك الدولي و لا لديون خارجية و لديها بنية قوية للإنتاج و شعب منتج و ذو إرادة حية و جل من في الخارج يتطلع لبناء الداخل، و هي قابلة لوضع أسس جديدة لهوية اقتصادية حقيقية تنصف العمل و تدعم الانتاج و تتكامل مع دول المحيط و الدول الحليفة معها في حالة تشبيك حقيقية و أعني بوضوح روسيا و ايران و هما إضافة إلى التحالف و الشراكة معنا، أيضا في نفس العاصفة و لكن الضروري أن لا يقتصر البناء على الشراكة بين الحكومات بل يذهب لتشبيك المجتمعات الإنتاجية ككل في كل دولنا حيث حاربنا و لا نزال سويا للسنة العاشرة و قد حان الوقت لطرح التكامل بين لبنان و سورية و العراق إيران و روسيا و من يريد أن يلتحق من الدول العربية، لأن بناء الاقتصاد القوي هو القادر على تحويل نقاط الضعف إلى عناصر قوة ..
قد يهمــك أيضــا:
بوتين يبحث مع الأسد هاتفيا الوضع في سوريا وسير تطبيق الاتفاق الروسي
الأسد يصدر مرسوما يلغي العذر المحل والمخفف في جرائم الشرف
أرسل تعليقك