لم يكن يعلم الرئيس الأميركي دونالد ترامب، خلال حملته الانتخابية، أن وعده إنشاء جدار حدودي يفصل بين بلاده والمكسيك سيلهم شركات الهندسة المعمارية بدراسة المعمار الحدودي بين الدولتين.
منطقة يصعب تقسيمها بالجدار الحدودي
ويوجد خريطة عملاقة صنعها طلاب سابقين في مختبر التصميم في جامعة كاليفورنيا في سان دييغو، وتظُهر هذه الخريطة منطقة غير مسماه مقابلة لواجهة بحرية واسعة، تم شطرها بخط مستقيم، وفي حالة عدم وجود أي أسماء للمواقع، يصعب التعرف عليها، ولكن بعد ذلك أوضح الطلاب أن هذا المكان هو الجزء الغربي من الحدود بين الولايات المتحدة والمكسيك، على بعد نحو 15 ميلًا من المحيط الهادئ إلى الجبال، وكما هو موضح في الخريطة، فإن الحدود بحد ذاتها تتقلص لتصبح مجرد فكرة ثانوية.
وفي هذا السياق، يقول تيدي كروز، من قسم الهندسة المعمارية في جامعة كاليفورنيا "نطلق على هذا المكان اسم ميكسوس"، في إشارة إلى خلط الحدود بين الولايات المتحدة والمكسيك، وهو يفعل ذلك مع زميلته فونا فورمان، لإيصال رسالة سياسية، وتقول فورمان "كنا مهتمين بتوثيق الأحداث المرئية وغير المرئية، والتي تحدث عبر الحدود ذهابًا وإيابًا".
وافتتح الثنائي معرضهما الخاص والذي يتضمن أفكارًا مترابطة لتحول المنطقة الحدودية ثقافيًا واقتصاديًا وبيئيًا، والتركيز بشكل خاص على مستجمعات المياه المشتركة فيها، حيث يقول كروز إنها منطقة تحتوي على كل الأشياء التي لا يمكن للجدران فصلها.
الهندسة المعمارية طمست الانقسامات
ويعمل أحد الصديقان مهندس معماري، والآخر عالمًا سياسيًا، وأمضيا أعوامًا في البحث على الحدود، حيث صمما محطات مجتمعية عبر الحدود، متمثلة في بؤر استيطانية متقدمة بالشراكة مع جامعة كاليفورنيا للعلوم الاجتماعية لتعزيز البحوث الاجتماعية.
وكان الهدف من هذه الدراسة هو إظهار كيف يمكن للهندسة المعمارية أن توفر ثقلًا موازيًا لخطة الجدار، من خلال طمس الانقسامات بين الولايات المتحدة والمكسيك، فطالما كانت الهندسة المعمارية مسعى دوليًا فريدًا، وبالنظر إلى الحيز الفيزيائي الوثيق بين الولايات المتحدة والمكسيك، يبدو من الطبيعي أن يتشركا الهندسة المعمارية سواء كان ذلك من خلال المنازل ذات الطراز المعماري الإسباني والتي نجدها في ضواحي أميركية مثل كاليفورنيا، وغالبًا أيضًا كانت العمارة الأميركية مصدر جذب في المكسيك، وبالتالي فإن كليهما يتشاركان هذه الثقافة.
الجدار العازل مشكلة لمكاتب الهندسة
وجدت مكاتب الهندسة المعمارية أنه منذ انتخابات عام 2016، أنه على الحدود ظهر مناخ جديد غريب، حيث يقول هنري مونوز، رئيس مكتب هندسي في سان أنطونيو "كنا جميعًا نفكر أننا نغادر لحظة الاختفاء وننتقل إلى لحظة التضمين"، ولدى الشركة مشروع بناء في تكساس حيث تهدف إلى تحويل وسط المدينة إلى منطقة مزدهرة متعددة الاستخدامات، وبالتالي سيعوق الجدار الحدودي أعمال الشركة، حيث التقسيم بعيدًا عن النسيج المادي للمنطقة.
وفي مدينة تيخوانا المكسيكية الحدودية مع الولايات المتحدة، هناك مفهوم للعيش المشترك بين السكان، حيث الوحدات الصغيرة والمرافق المشتركة لتقليل تكاليف السكن، وتسعى الجمعية المكسيكية "بوردارز أنغلز" إلى تحطيم رقم قياسي عالمي في تحويل الجدار الحدودي بين مدينة سان دييغو الأميركية ومدينة تيخوانا المكسيكية إلى عمل فني فريد، الجدار الذي أسموه بالإسبانية "مورال دو أل آرماندد" أي "جدار الأخوة".
وعند هذا الجزء من الحدود في تيخوانا، وحين يطل أحدهم برأسه إلى الجانب الأميركي يلاحظ بيسر وجود وحدة، من حراس الحدود الأميركيين قابعين في سيارات رباعية الدفع، مرابطة عند أول نقطة من الجدار على مستوى البحر في انتظار حدث قد يأتي وقد لا يأتي... وكأن ذلك لا يكفي، فهناك عدة كاميرات عالية، منتشرة ومعلقة في أبراج مراقبة علها ترصد محاولة للمرور خلسة نحو أراضي الولايات المتحدة.
ومن المستحيل تقريبًا إنجاز الجدار، حيث ستكون التكلفة ضخمة، لا سيما وأن رئيس المكسيك قال إن بلاده لن تتحمل تكاليف تشييد الجدار التي تبلغ 25 مليار دولار.
من المستحيل تشييد الجدار
وفي هذا السياق، أوضح روزا شينغ، مهندس كبير في شركة مقرها سان فرانسيسكو "قيمة التشييد الضخمة تجعل هذا المشروع غير ممكنًا"، مضيفًا "أميركا تعاني حاليًا من عجز مالي كبير . بدلَا من إنفاق موارد بلدنا على الجدار، يجدر بنا أن نركز على تحسين البنية التحتية في المدن قبل كل شيء"، كما ذكر أن "الحدود بين المكسيك وأميركا تمتد عبر أكثر من 3 آلاف كيلومتر، بناء الجدار سيتطلب كمية كبيرة من الموارد.. وعلى سبيل المثال، فإنه سيتطلب ثلاثة أضعاف من كمية الإسمنت التي استخدمت لبناء سد هوفر"، وتابع قائلًا "كما أن بعض الأجزاء في الحدود صخرية وغير مستوية وقاحلة، مما يعني أنه ستكلف المزيد من المال والوقت لبناء هذه الأجزاء".
وقال مصممون مكسيكيون من "إي ستوديو 3.14"، وهو فريق من المهندسين المعماريين والمصممين والمخططين، إن تشييد الجدار سيستغرق نحو 16 عامًا، ومن جهته، كشف المهندس المعماري وليام جيه مارتن، أن الجدار لا يتلاءم مع أخلاقيات الهندسة المعمارية في حد ذاتها، مضيفًا "المهندسون يصممون الجدران كوسيلة لتنظيم الفضاء وليس كحواجز".
لدى وكالة ناسا رأي آخر
ويقول المدير المسؤول عن لجنة ناسا، أندريا ستيل " بصفتك مهندسًا معماريًا، لا يمكنك الافتراض فقط على أساس الجنسية، حيث يجب النظر إلى الثقافات المشتركة ومزجها وتحليلها، وبعيدًا عن ذلك فإن ضخامة المساحة الحدودية تجعل من الصعب بناء الجدار الحدودي".
ويوجد مهندس معماري مكسيكي لديه رأي آخر، وهو فرناندو روميرو، يقول "بدلًا من بناء جدار عازل بين البلدين، من الأفضل بناء شبكة نقل رئيسية بينهما، وبالتأكيد ليس هذا محتملًا في الوقت القريب، ولكننا مقتنعون بأن المكسيك هي الشريك الأفضل للولايات المتحدة، وأنا واثق من أن هذه الفكرة ستسود بين الأميركيين ذو العقل الواعي".
أرسل تعليقك