استضافت "الجمعية العربية للعلوم السياسية" التي يرأسها الدكتور محمد المصالحة، ندوة لأكثر ثلاث ساعات، تحدث فيها أحمد عبيدات، رئيس الوزراء الأردني الأسبق ومدير مخابراتها ورئيس "لجنة الميثاق"، والذي احتفل قبل يومين بعيد ميلاده الثمانين، حيث فتح خزائن ذاكرته ليكتب هذه الأيام مذكراته الشخصية التي يعتمد فيها على ما علِق في عقله ووجدانه من معلومات، مستعينًا بالأصدقاء لتوثيق المعلومات من دون ان يكون قد انتبه إلى أهمية الوثائق التي لم يحتفظ بها.
جلسة عبيدات كانت مَخزنا لأسرار قد يكون معظمنا يسمعها للمرة الأولى، ولأن مجتمعنا عموما والسياسي خصوصا يعشق الأسرار نعرض اليوم أبرزها: اولًا: ترأس عبيدات حكومة أردنية في عام 1984 استمرت حتى 4/4/1985 ، وأكد أنه وحده اختار التشكيلة الوزارية في يومين من دون تدخل من أحد ، وقد اعتذر عن المشاركة في الحكومة ثلاث شخصيات هم : طاهر كنعان وحسني عايش وعلي السحيمات.
ثانيًا: عندما قدم التشكيلة الوزارية للمرحوم الملك الحسين توقف العاهل الأردني عند اسم اللواء محمد بشير إسماعيل، وسأل أبا ثامر هل أنت واثق به، فكان الجواب بالإيجاب، وقدم اسماعيل أنموذجًا ممتازا في عمل وزارة الزراعة، ملحوظة الملك المرحوم كانت مبنية على معلومة بوجود خلاف بين إسماعيل ورئيسه في الجيش المرحوم الامير زيد بن شاكر.
ثالثًا: عند تشكيل عبيدات الحكومة طلب من رئيس الديوان المَلِكي عدنان أبو عودة ان يتضمن كتاب التكليف السامي لحكومته تشكيل لجنة مَلِكية للتطوير الإداري حيث أصبحنا بحاجه إلى إعادة النظر في تكوين مؤسسات الدولة وجاهزيتها للمرحلة المقبلة خاصة أننا مقبلون على ثورة في مجال المعلومات وإدارة الدولة بحاجة إلى إعادة تأهيل، بعد انتهاء عمل اللجنة وضعت مخرجاتها من قبل الحكومة التالية في الطابق الأرضي للرئاسة.
رابعًا: كشف عبيدات عن طرح فلسطيني قدمه رئيس الوفد الفلسطيني في عام 1985 محمود عباس بعد اختتام مباحثات اللجنة الفلسطينية الأردنية المشتركة، حيث قال لرئيس الوفد الأردني المرحوم سليمان عرار خلال حفل عشاء أقامه على شرف الوفد الفلسطيني: دعنا الآن نتحدث في القضايا الرئيسية، وقال عباس: نحن نعمل على تسوية سياسية مع إسرائيل نريد ان نكون نحن وأنتم فقط طرفيها من دون التواصل مع الأطراف العربية الأخرى، المعلومة فاجأت عرار الذي زار عبيدات في منزله في السادسة صباحا لطرحها عليه، وطلب منه عبيدات، ان يدفن المعلومة ولا يتحدث فيها مع أحد.
خامسًا: عبيدات تحدث عن اتفاق شباط بين الأردن ومنظمة التحرير، حيث كشف عن أن رئيس المنظمة المرحوم ياسر عرفات، طلب تعديلات على الاتفاق، وكلف عدنان ابو عودة بصياغة التعديلات، وبعد أن أنهى الصياغة ذهب بها إلى أبي عمار، الذي طلب تأجيل التوقيع حتى يذهب إلى رفاقه في الكويت لإطلاعهم عليها، فسافر عرفات ولم يعد نهائيًا.
سادسًا: عبيدات كان قاسيا في وصف المرحوم ياسر عرفات وقال: إنه (….) لا يُوثق به، وهو محور اتفاق أوسلو.
سابعًا: في عام 1992 تطور المرض بشكل لافت عند المرحوم الملك الحسين، وعند زيارة خاصة قام بها عبيدات للملك في مايوكلينك أبلغه يومها جلالته انه يريد إعادة رسم تركيبة الأردن السياسية بما فيها تغيير ولاية العهد.
ثامنًا: خلال حكومة طاهر المصري عام 1991 عُقد اجتماع في الديوان المَلِكي حضره المرحوم الملك الحسين ورئيس الديوان الملِكي المرحوم أحمد اللوزي ورئيس الحكومة طاهر المصري، كان حديث جلالة الملك عن تشكيل حكومة أقطاب، واكتشف عبيدات أن الحديث يسير باتجاه تكليفه بتشكيل الحكومة، يومها قال اللوزي إنه على استعداد ان يكون نائبًا له في الحكومة، وقال المصري الذي كان على رأس الحكومة القائمة انه على استعداد أن يكون وزيرا للخارجية في حكومة عبيدات، إلا أن عبيدات رفض هذا الطرح لأنه كان على قناعة أن الأجواء تتهيأ لمؤتمر في مدريد للتسوية.
تاسعًا: بعد المضي في التسوية السياسية مع إسرائيل وكان عبيدات عضوا في مجلس الأعيان، وكان يعلن معارضته لها، تم استدعاؤه إلى الديوان المَلِكي وطلب منه الأمير الحسن تقديم استقالته.
عاشرًا: في عام 1997 وخلال حكومة عبدالسلام المجالي تلوثت مياه زي بمياه ملوثة من إسرائيل، وكان عبيدات قد نشر مقالا قال فيه: إسرائيل تُخزّن لنا مياه الأمطار في فصل الشتاء وتحول لنا مياه مجارٍ في الصيف ووصل هذا الكلام للملك الحسين، وبعد فضيحة التلوث اتصل المرحوم الملك الحسين وطلب مقابله عبيدات، كما طلب الملك وهو على سرير المرض في مايوكلينك إقالة وزير المياه منذر حدادين.
أحد عشر: بعد استقالة عبيدات من رئاسة الوزراء 1985 وبسبب قيمة راتبه التقاعدي المنخفض فكر ان يفتح مكتبا للمحاماة، وقبل ان يبدأ العمل زاره رئيس الديوان المَلِكي وقتها مضر بدران بتكليف من الملك الحسين، وسأله عن السبب فقال له عبيدات: أنت تعرف وكان عليك أن تُبلغ جلالته من دون الرجوع إليّ، وأضاف: أنت تعرف أنني لست من الذين يجلسون عند التلفون بانتظار هاتف من الديوان المٍلِكي.
ثاني عشر: يقول عبيدات كانت عقدة احتلال الضفة الغربية والقدس عام 1967 تسكن عقل الملك الحسين، باعتبارها خاضعة للحكم الهاشمي بعد وحدة الضفتين، لهذا لم يتوقف يوما عن التفكير باستعادتها بالوسائل كافة.
ثالث عشر: لم تنقطع الشعرة يوما بين المرحوم الملك الحسين وعبيدات مثلما لخص ذلك مُسيّر الندوة الدكتور محمد المصالحة بل كانا على تواصل دائم، برغم الاختلاف في وجهات النظر في بعض القضايا الرئيسية.
أرسل تعليقك