تنعقد ورشة العمل المعنونة “السلام من اجل الازدهار “في العاصمة البحرينية “المنامة” بعدما دعت اليها الإدارة الاميركية ممثلة بمستشار الرئيس الاميركي وصهره جاريد كوشنير بهدف طرح مشروع اقتصادي-مالي كجزء مما سمي “صفقة القرن” لحلّ القضية الفلسطينية كما تمّ الزعم. قاطع الفلسطينيون اصحاب القضية هذه الورشة وكذلك نسبة كبيرة من الدول والشعب العربي ومثقفيه الرافضين لتصفية القضية الفلسطينية والإغواء بالمال وفرض التوطين وإلغاء حقّ العودة.
صرّح كوشنير قبيل انعقاد لقاء المنامة بأيام في مقابلة تلفزيونية أنه اقترح أن يكون هذا اللقاء ورشة عمل وليس مؤتمرا لأنها الخطوة الأولى من مشروعه لازدهار فلسطين، وهو يريد ان يطرح الأفكار ويرى ردات الفعل ليبني على اساسها الخطوات المستقبلية
بالتزامن مع ورشة المنامة الاقتصادية-السياسية، انعقد بالأمس في القدس المحتلّة لقاء يجمع أمين مجلس الأمن الروسي نيكولاي باتروشيف مع نظيريه الاميركي والاسرائيلي. موضوع اللقاء لم يُعلن عنه. ولكن، المتحدث باسم الرئاسة الروسية ديمتري بيسكوف أعلن ان الاجتماع يأتي في سياق التحضير للقاء المنتظر بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره الاميركي دونالد ترامب في “اوساكا” على هامش قمة الدول العشرين هذا الأسبوع.
اللافت ان بيسكوف وردا على سؤال حول الاتفاق بشأن سوريا وعن أمن اسرائيل يؤكد انها مسألة تهم روسيا لكن أمن اسرائيل يتطلب أمن سوريا.
يتبين لنا ممّا سبق وجود احتماليَن:
الأوّل-إنّ توقيت ورشة عمل “المنامة” وطرح كوشنير فكرة ضخ ٥٠ مليار دولار في كلّ من فلسطين ومصر والأردن ولبنان على شكل قروض وهبات واستثمارات في قطاعات خاصة، يأتيان في سياق المواجهة الاقتصاديّة لمرحلة اعادة إعمار الجمهوريّة العربيّة السوريّة. الرجل لا يريد مالا عربيّا لسوريا بل يقطع الطريق على الاستثمار في سوريا لمصالح صفقته.
سوريا مستثناة من هندسة كوشنير الماليّة بما يخصّ مبلغ الخمسين مليار دولار؛ علما ان نسبة اللاجئين الفلسطينيين المسجلين لدى وكالة الغوث هي في سوريا ١٠،٥٪ من اجمالي عدد اللاجئين الفلسطينيين في العالم وفق بيانات العام ٢٠١٧.
كيف إذاً ستُنفّذ الخطة الاقتصاديّة ويتحقّق الازدهار في فلسطين وسط تغييب سوريا عن الخريطة الاقتصادية؟!.
منذ اقل من شهر أعلن الرئيس الاميركي تمديد العقوبات الاقتصادية على سوريا عاما اضافيا. هل هذا يعني ان ورشة “المنامة” تقضي بالضغط الاقتصادي والحصار المالي على سوريا، عبر تحييدها عن أَي اتفاق مالي لدفعها الى التهاون في المفاوضات السياسية، وذلك كامتداد لخطة الضغط الموضوعة لكلّ من إيران ولبنان؟.
الثاني-صحيح أنّ صفقة القرن وورشة البحرين وحّدتا الموقف الفلسطيني الرافض لهما ومعه الموقف الموحد الشعبي العربي. ولكن، ألم يكن هذا في حسابات كوشنير وعمّه؟.
أفعلاً ظنّ الرجلان ان السلطة الفلسطينيّة ستشارك ومعها دولا وانظمة عربيّة وسيجلس الجميع مع الاسرائيليين للتباحث المالي والاقتصادي؟ هل بنود الخطّة الاقتصادية تقضي فعلاً بقطع الطريق مستقبلا على موضوع “حلّ الدولتين” والتأسيس لنوع جديد من المفاوضات؟!.
يعلن كوشنير على هامش التحضير للورشة انه يأمل باستطاعة الفلسطينيين يوما بإدارة شؤونهم.
ماذا يعني ذلك؟ ان في هذا التصريح اخطر بند، سواء حضر الفلسطينيون أم قاطعوا فهم بالنسبة له كحُكم القاصرين، الذين لا أهليّة لهم لاتخاذ القرارات. لذا، يبدو ان صفقة القرن المؤلفة من ٢٠٠ صفحة والتي بقيت سرّية حتى الساعة تؤسّس بداية لاحتلال سياسي اكثر منه لحلّ اقتصادي.
هذا ما شهده العالم عند الإعلان الاميركي للقدس عاصمة لإسرائيل وبعده قرار اعتبار الجولان المحتلّة اسرائيليّة.
يعلم كوشنير ان ورشة البحرين لن تخرج بمقررات ملزمة للمشاركين، فهي ليست مؤتمرا يؤسس لمعاهدات واتفاقيات. ويعلم جيدا انها تعطي دفعا سياسيا لحليفه رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتانياهو في الانتخابات الاسرائيلية المقبلة. ويعلم أيضاً ان المقاطعة وأصوات الاحتجاج ستعلو من كل حدب عربي؛ والمصيبة ان كان لا يعلم كل ذلك في ظل تحريك ادارته للعالم. ولكن، لنفرض علمه، فما يريده هو التالي:
اقرأ أيضًا:
وئام وهاب يؤكد إيران أنقذت سوريا من الحرب
-التأسيس لمرحلة لا اعتراف فيها للسلطة السياسيّة الفلسطينية ولا قرار فلسطيني ذاتي فيها.
-احتلال سياسي لمواجهة تكتّل الفصائل الفلسطينية مع الحركات المقاومة في المنطقة.
مَن لا يقرأ انّ الإدارة الاميركية تعوّل كثيرا على “الشرعية الدولية” و”القرارات الدولية” في المرحلة المقبلة يكون مخطئاً في السياسة. بعد المعارك العسكريّة في منطقة الشرق الأوسط، تبدأ دورة المفاوضات السياسية والقرارات الدوليّة.
في الأفق ما يدلّ ان الرئيس الاميركي يبني نوعا جديدا من الإلزاميّة الدولية ويؤسس لباب جديد للقرارت الدولية ولهيكلية حديثة لما قد يسميه “شرعية دوليّة” تتخطى الأمم المتحدة ومجلس الأمن عبر تكتلات مصغّرة. المواجهة تفترض إجراءات رسمية قانونيّة دوليّة من المتضررين على مستوى دول ومنظمات وهيئات لا نجد انها تتمّ.
حتى الساعة صفقة القرن الاميركية سرّية. إشاراتها تدلّ انها غير قابلة للتحقق. قد تكون تسميتها ايضا أتت للتعمية على صفقة القرن الفعليّة التي تتحقق بفعل المحادثات السياسيّة الدوليّة والإقليميّة بشأن أمن المنطقة. أمن اسرائيل من أمن سوريا هذا اول بند اصبح حتميا لصفقة القرن الروسية-الإيرانية. البند الثاني عنوانه امن اسرائيل من أمن إيران وهو على نار حامية، فترامب يريدها صفقة اميركية-إيرانية وهذا لن يحصل سوى بصورة ثلاثيّة تضم الرؤساء الثلاثة: الإيراني-الروسي والاميركي وحتما ليس ترامب.
قد يهمك أيضًا:
اختفاء أعضاء هيئة التفاوض بعد أن خرجوا من السعودية
دمشق وبيونغ يانغ تؤكدان أهمية التنسيق لمواجهة الإجراءات الأحادية ضدهما
أرسل تعليقك