القراءة والحنين إلى المستقبل
آخر تحديث GMT06:28:45
 العرب اليوم -

القراءة والحنين إلى المستقبل!

 العرب اليوم -

 العرب اليوم - القراءة والحنين إلى المستقبل!

دمشق - سورية اليوم

فها أنا ذا أتشمَّمُ بشغفٍ رائحةَ الورق الأسمر المدموغ بأحرف رصاصِ الطباعة الرخيص في كتابٍ قديم أقتبسُ منه جملةً مهمة لـ«أنضّدها» هنا على جهاز الكمبيوتر؛ هذه الأداة السحرية القادمة من غوامض الخيال العلمي الذي بشّرنا به عمالقة الأدب أنفسهم حين كتبوا للأطفال قصصاً مدهشةً عن «مكناتٍ» عملاقة ستُدعى يوماً ما «كمبيوترات»، آلات على شكل صناديق عجائبية بإمكانها أن تحلّ لهم معضلاتهم العلمية والمعرفية بكبسة زر واحدة، واضعةً مئات المجلدات الورقية في مستودعات الماضي.

وها أنا، في الوقت نفسه، مع تأثير رائحة الورق المُسكرة أغوص في «النت» بحثاً عن معلومةٍ سريعةٍ أو عن روابطَ إلكترونية لتوسيع مدى البحث الذي أعمل عليه، كأنني مع ما أمثّله من جيلي، عالقون في برزخٍ انتقاليٍّ بين عالمين: عالمِ الورق الآيل إلى الزوال، وعالم التكنولوجيا التي بدأت تغزو حتى أحلامنا وجيناتِ أطفالنا.
لكن السؤال الأهمّ يكمن من زاوية نظر أخرى: فهل من المهم فعلاً إنْ نحن قرأنا من على شاشة إلكترونية تتراقص عليها الأحرف الرقمية وألوان الديجيتال أم إن فعلنا ذلك بكل العاطفة المتوهجة حين نقلّب كتاباً ورقياً سيصبح «لقيةً» نادرةً في المستقبل؟
والملاحظة الأكثر جدوى لا تكمنُ في «موت الكتاب الورقيّ» وركونه على رفّ الإهمال وتحت غبار الانتظار ليدٍ حنونة تقلّبه أو أيادٍ طائشةٍ تمزّقه وتُحرقه… بل تكمن فيما إذا كانت القراءة عموماً، وقراءة الأدب خصوصاً ستستمر في وقتٍ تعلن فيه حتى كبرياتُ دور النشر والصحف العالمية توقفها عن طباعة الورق مقابل تحقّق تلك النبوءة التي قالها يوماً ما مؤسّسُ «مايكروسوفت» بيل غيتس عن تحقيق رغبته في أن تسودَ شاشاتُ الكمبيوتر العالمَ «لإيقاف مجزرة صناعة الورق وقطع الغابات»!.
ربما لدى البعض منا حنينٌ موجع إلى زمن كنّا ننتظر فيه بلهفة كتاباً على شكل هديةٍ تجلب الفرح والعجائب وألغاز المستقبل محمولةً على صفحات ملونة بألوان قوس قزح، ننتظرها بكل صدق لا كما يفعل معظم أطفالنا اليوم إنْ أهداهم أحدٌ ما كتاباً يتقبلّونه على مضض وبسخرية واضحة مقلّلين من قيمته لاعنينَ صاحب الهدية وشاتمين حظّهم السيئ الذي جلب لهم مصيبةً بدلاً من جهاز موبايل هو هاتفٌ وكاميرا ومشغّل موسيقا ومخزن ألعابٍ إلكترونية في الوقت نفسه.
وربما لديهم كل الحق في أنهم خُلقوا لزمانٍ غير زماننا وما يصحّ الآن لم يكن ممكناً في أيام آبائهم، لكنهم بكل أسف فقدوا الإحساس بأهمية فكرة القراءة بحد ذاتها، فكرة أن لا غنى عن الكتاب ورقياً كان أم إلكترونياً مهما ارتقت بهم الثورة التكنولوجية وطيّرتهم إلى حدود اللا معقول.
وتبقى هناك أسئلةٌ هائمة في هذا الفضاء الافتراضي، فالأسئلة هي مفتاحٌ سحريٌّ لمغارات المعرفة المستعصية: إذ كيف كانت حياة البشرية لتكون لولا ما دوّنه البشر على رقوقهم أو صحفهم أو دفاترهم أو كمبيوتراتهم و«شاشات اللمس» خاصّتهم؟ لولا غواية الخلود التي همست لهم بها عفاريتُ الغرور، ولولا نرجسيّة أولئك الراغبين في نقش حكاياتهم على وجه التاريخ؟
هل هي الحكمة المدهشة اللانهائيّةِ الأسرار للوجود البشري؟ أم هي لعنة المعرفة وضريبة اكتشاف الأبجديات وطرق الكتابة؟ أم هي حماقة العقل البشري المتغاوي، المتعجرف، المعتقدِ بأنه «العارفُ» وأن معرفته ستخلّده أبداً… ولن تخلّده أبداً.

وقد يهمك أيضا" :

خطة للهيئة العامة السورية للكتاب لترجمة 200 كتاب للعربية

syria

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

القراءة والحنين إلى المستقبل القراءة والحنين إلى المستقبل



GMT 09:58 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج الأسد 6 أكتوبر/ تشرين الأول 2020

GMT 12:34 2020 الإثنين ,29 حزيران / يونيو

يحذرك هذا اليوم من المخاطرة والمجازفة

GMT 12:55 2019 الثلاثاء ,22 كانون الثاني / يناير

التحالف" يبلغ "قسد" ببقائهم في دير الزور حتى القضاء على داعش"

GMT 09:12 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

أسعار الذهب في سورية اليوم الثلاثاء 6 تشرين الأول / أكتوبر 2020

GMT 20:38 2019 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

إفلاس 5 شركات في ظل الأزمة الاقتصادية التركية

GMT 08:15 2019 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

لوحات تحكي بلسان الأطفال في معرض لون وحب لسناء قولي

GMT 00:33 2019 الأربعاء ,11 أيلول / سبتمبر

زلزال بقوة 5.7 درجة يضرب خليج ألاسكا

GMT 14:55 2019 الثلاثاء ,02 إبريل / نيسان

يحذرك من ارتكاب الأخطاء فقد تندم عليها فور حصولها

GMT 12:35 2018 الإثنين ,24 كانون الأول / ديسمبر

وزيرة التخطيط تُنظم مائدة مستديرة لدراسة موقف الفقر في مصر

GMT 16:04 2018 الثلاثاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

10 وزراء يشاركون فى افتتاح المؤتمر الـ 15 للثروة المعدنية

GMT 17:21 2018 الأحد ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

سيدة بريطانية تكف التفاصيل الكاملة لهروب ابنتها مع زوجها

GMT 12:29 2018 الأربعاء ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الرائد يوسف حمود يكشف تفاصيل حملته في أركان الجيش الوطني

GMT 14:06 2018 الإثنين ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

مي عز الدين تهنئ زينة وتامر حسني على فيلم "حمزة"

GMT 14:11 2018 الأحد ,28 تشرين الأول / أكتوبر

تصفيق حاد لوزيرة الصحة!

GMT 18:49 2018 الجمعة ,26 تشرين الأول / أكتوبر

"العربية للمزادات" تحصد 3.8 ملايين من البحرين

GMT 07:40 2018 الثلاثاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

جيهان خليل تُؤكّد أنّ سارة في "أبواب الشك" الأقرب إلى قلبها
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Syria-24 Syria-24 Syria-24 Syria-24
syria-24 syria-24 syria-24
syria-24
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
syria-24, syria-24, syria-24