كأس العالم 2022

نشر ريمي دوبريه تقريراً مهماً ومثيراً في صحيفة "لوموند" الفرنسية عن عزم القاضي الفرنسي إعادة سماع رئيس اتحاد فيفا السابق، جوزيف سيب بلاتر، ضمن إطار تحقيقه في منح قطر كأس العالم 2022. ويظهر تحقيق "لوموند" أن بلاتر لعب دوراً رئيسياً خبيثاً، بيد أنه معقد فيما يخص الترشيح القطري.

مرت تسع سنوات تقريباً منذ تصويت 2 كانون الأول/ديسمبر 2010 ولا يزال يشكل المنح المثير للجدل لكأس العالم 2022 إلى قطر عبئاً على الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا)، حيث إنه مليء بشبهات الفساد والتسويات وتبادل المصالح. وبات هذا المنح تحت مجهر القضاء السويسري والأميركي والفرنسي.

ووفق معلومات الصحيفة، فإن التحقيق الأولي بشأن "الفساد الخاص"، و الاتفاق الجنائي" و"المتاجرة بالنفوذ والتستر على المتاجرة بالنفوذ"، الذي تم افتتاحه عام 2016 من قبل المدعي العام المالي (PNF) يحرز تقدماً. كما أشار المدعي العام المالي إلى رغبته في إعادة سماع رئيس اتحاد فيفا السويسري السابق (1998-2015) بلاتر، ذي الـ 83 عاماً.

ويريد المحققون الفرنسيون استئناف استجوابهم لتعميق بعض النقاط المتعلقة بحملة الاستحقاق. ولقد سمعوا بالفعل بلاتر كشاهد، بسويسرا، في نيسان/إبريل 2017 ضمن إطار المساعدة المتبادلة مع سويسرا. ويلقي المدعي العام المالي الضوء على اجتماع الغداء الذي نظم في 23 تشرين الثاني/نوفمبر 2010 في الإليزيه، من بين عدة أمور أخرى، بحضور نيكولا ساركوزي وميشال بلاتيني ورئيس اتحاد الجمعيات الأوروبية لكرة القدم (UEFA)، وبحضور أمير قطر، الشيخ تميم آل ثاني، ورئيس الوزراء السابق، ووزير الشؤون الخارجية، الشيخ حمد بن جاسم، وكذلك كلود غيانت، الأمين العام للإليزيه، وصوفي ديون، مستشار الرياضة لساركوزي.

غداء في الإليزيه وتصويت بلاتيني
"أثناء تناول الغداء، كنت أتنبأ بأن الرئيس ساركوزي كان يودني أن أصوت لصالح قطر، بيد أنه لم يطلب مني ذلك أبداً". هذا ما كان يقوله بلاتيني بصفة مستمرة إلى صحيفة "لوموند" وهو الذي أكد أنه لم يكن على دراية بقدوم ممثلين قطريين قبل الذهاب إلى الاجتماع. وصوت بلاتيني، الذي أراد في البداية التصويت لصالح الولايات المتحدة، بنهاية المطاف في كانون الأول/ديسمبر 2010 لصالح قطر، معلناً ذلك على الملأ.

أما بلاتر فلم يشر مطلقاً إلى من أعطى صوته. وفي تواصل من قبل "لوموند"، أكد بلاتر أنه قد صوت للولايات المتحدة، وأن قطر كانت نتيجة "التدخل الفرنسي، الذي قام بتغيير أربعة أصوات". كذلك أكد بصفة مستمرة أنه كان يود منح كأس العالم 2018 لروسيا و2022 إلى الولايات المتحدة بدوافع جيوسياسية.

"لقد كان يحلم بالفوز بجائزة نوبل للسلام"، هذا ما أكده أحد أقاربه السابقين. ووفقاً قوله، فقد تحطمت أمنيته بسبب التحول في الاتجاه لبلاتيني. وبات غداء الـ23 من تشرين الثاني/نوفمبر 2010 زاوية هجوم لبلاتر الحريص على زعزعة استقرار خصمه السياسي.


ميشال بلاتيني
"وحينما تشاهد الصور، فأنا لم أمتعض الامتعاض ذاته حينما فتحت الظرف الروسي [كبلد منظم لكأس العالم 2018] مقارنة بظرف قطر في عام 2016. وبصفتي الرئيس، يؤسفني أننا ذهبنا إلى قطر". هذا ما أقره بلاتر إلى صحيفة لوموند.

ويرى المدير السابق لكرة القدم العالمية أن سقوطه – بإيقافه ست سنوات من قبل الهيئات التأديبية التابعة للفيفا بخصوص دفع مليوني فرنك سويسري عام 2011 لبلاتيني – كان بسبب الخسارة في صناديق الاقتراع للولايات المتحدة (14 صوتاً مقابل 8) بمواجهة قطر في هذه الانتخابات لمنح كأس العالم 2022.

دور بلاتر الحاسم
بلاتر ممثل رائع. "فقد بدا متفاجئاً عندما فتح ظرف قطر. ويمكنه أن يمثل في هوليوود". واليوم يستمتع بكونه مسؤول FIFA سابق. إن رواية الحقائق التي قدمها سيب بلاتر تستحق بالفعل أن تكون دقيقة. في هذا الملف، ووفقاً للتحقيق الذي أجرته صحيفة لوموند، يبدو أنه لعب دوراً رئيسياً، لكن معقد، حيث دعم في البداية مشروع ترشيح قطر، قبل القلق بشأنه، من أجل إظهار ذلك بعض القرائن، وليعطي الملف صوته، في نهاية عام 2010، خلال الجولة الرابعة والأخيرة من الاقتراع.

وفي عام 2015، ألقى الصحافيان البريطانيان هايدي بليك (Heidi Blake) وجوناثان كالفرت (Jonathan Calvert) في كتابهما (اللعبة القبيحة: المؤامرة القطرية لشراء كأس العالم (The Ugly Game: The Qatari Plot to Buy the World Cup) (دار نشر سيمون وشوستر (Simon and Schuster))، الضوء على ازدواجية الثمانيني، وكشفا عن الدور الحاسم لبلاتر في منح تنظيم كأس العالم 2022 في قطر. واعتمد كلا المؤلفين على العديد من الوثائق السرية (رسائل البريد الإلكتروني، وبيانات المدفوعات وغيرها من التسجيلات). كما يسترجع التحقيق، الذي تقوده "لوموند" الخطوات الرئيسية التي أدت إلى التصويت في كانون الأول/ديسمبر 2010 وبعض الأحداث اللاحقة المتعلقة بهذه الانتخابات.

التلقي الإيجابي للترشح القطري
وفقاً لمعلومات الصحيفة الفرنسية، بدأ كل شيء عام 2008، عندما سأل أمير قطر حينها، الشيخ حمد آل ثاني، السويسريين عما إذا كانت بلاده ستكون "مرشحاً جيداً" للبطولة المونديالية، فرد عليه رئيس فيفا بأن "الفكرة جيدة".

"لقد كان الرد مجاملة للأمير، من أجل مصلحة بحتة. بلاتر يقول للجميع ما يريدون أن يسمعوه دون تفكير في العواقب"، وفق أحد المقربين السابقين لبلاتر من سويسرا.

وقال أحد أعمدة فيفا السابقين إن "بلاتر أطلق مشروع الترشيح هذا، الذي بدا في لحظة مجنونا بعض الشيء". وفي حزيران/يونيو 2008، في مؤتمر FIFA، بسيدني، أعلن بلاتر أن قطر دخلت سباق استضافة البطولة.

طموحات بن همام في الزعامة
تم تكليف رجل بتحقيق حلم الأمير الطامع في البطولة: محمد بن همام، المعروف باسم "MBH"، القطري نائب رئيس فيفا، ورئيس الاتحاد الآسيوي لكرة القدم (AFC) القوي.

ولعب هذا الأخير دوراً فاسداً وحاسماً في انتصارات بلاتر بالانتخابات في عامي 1998و2002، وحشد أصوات الناخبين الأفارقة. سويسرا مدينة له كثيراً بذلك. وبسبب شكوكه في فرص بلاده بالفوز، وضع بن همام، منذ أشهر، استراتيجية للضغط من أجل "إقناع" زملائه في اللجنة التنفيذية بالإدلاء بأصواتهم. وعلى مدى أشهر ومن خلال شبكاته، قام بالعديد من المناورات، كان بلاتر على علم بها.

بلاتر بدأ يشعر بالقلق
في بداية عام 2009، أدرك بلاتر أن الترشح القطري لا يقنع جميع الدول الأعضاء في FIFA. وأمر أمينه العام جيروم فالكه – المعارض لترشح الدوحة– بإقناع القطريين بالانسحاب من السباق مقابل تنظيم مسابقات تابعة. هذا "المخرج"، بحسب تعبير قريب من الملف، يتم رفضه من قبل القطريين، الحريصين على الفوز بـ"الضوء الأخضر" الذي منحه بلاتر.

"بلاتر كان سياسيا إلى حد ما: فمن ناحية، لم يكن يرغب بقطر، ومن ناحية أخرى كان يتصرف كصبي جيد عند الأمير. لقد كان انتهازيا في موقف محرج"، وفق مختص بشؤون فيفا.

"بلاتر كان سياسيا صرفا. لقد كان ميتران فيفا... لكن بدون اشتراكية"، وفق بيتر هارقيتاي، مستشار سابق من سويسرا.

تحقيق فيفا في حملة قطر
وراء الكواليس، تنشط قطر في إقناع الناخبين. مبادرتان أثارتا انتباه فيفا: تمويل قطر لمؤتمر الاتحاد الإفريقي لكرة القدم بأنغولا في كانون الثاني/يناير 2010، وتنظيم مباراة ودية بين البرازيل والأرجنتين بالدوحة في تشرين الثاني/نوفمبر 2010.

ويقول مسؤول تنفيذي سابق في FIFA: "لقد كانت قطر بقرة النقود للرياضة العالمية". وخلال هذه الفترة، أصدر جيروم فالكه تعليمات إلى ضابط الشرطة الأسترالي السابق، كريس إيتون، بإجراء تحقيق في حملة بطولة العالم وتقديم الأدلة إلى لجنة أخلاقيات فيفا، ما أثار غضب محمد بن همام.

ولم يُثمر التحقيق عن شيء ولم تجد فيفا أي شيء. وتسبب منح كأس العالم 2022 إلى قطر بوقوع زلزال في زيوريخ، مقر فيفا، حيث تم اعتبار انتصار قطر قنبلة موقوتة.

"بلاتر كان قلقاً من ضغوط وسائل الإعلام. ويقول أحد المقربين السابقين إنه "ندم بشدة على فوز قطر". ألم يخبره أحد مؤيديه أن فوز قطر سيختم "نهاية فيفا"؟

"الحرب" بين بلاتر وبن همام
في أوائل عام 2011، اندلعت "حرب" بين بلاتر وبن همام. في حين أن الأول استحضر "تبادل الأصوات بين إسبانيا [المرشحة لاستضافة كأس العالم 2018]، وقطر التي تطمح لرئاسة فيفا. تعب بن همام من اضطرابات حليفه السابق، وأطلق في آذار/مارس، حملته في السباق على العرش. إلا أنه وجد ضعفاً في ترشحه، قبل أيام فقط من انتخابات حزيران/يونيو 2011".

بن همام متهم بشراء أصوات أعضاء الاتحاد الكاريبي لكرة القدم، بتواطؤ من جاك وارنر، رئيس اتحاد أميركا الشمالية والوسطى ومنطقة البحر الكاريبي (Concacaf) في ذلك الوقت.

وقبل التوضيح للجنة أخلاقيات، استقبل بن همام في مكتبه بلاتر، بحضور الشيخ جاسم، أحد أبناء الأمير، حيث تم التوصل إلى صفقة على حسابه بين العائلة المالكة ورئيس فيفا. وعلى إثرها ينسحب بن همام من السباق الرئاسي. "لا ترشح، لا محاكمة". هذا كان وعد بلاتر لبن همام في 29 أيار/مايو 2011. لكن السويسريين لم يفوا بوعدهم وتم تعليق القطري مؤقتاً من قبل لجنة أخلاقيات فيفا. "بلاتر فهم ترشح بن همام بشكل سيئ للغاية".

"في تلك اللحظة، كانت قطر في وضع قوي وواصلت سلسلة النجاحات. وكان بن همام تهديداً حقيقياً"، وذلك وفق مسؤول سابق في فيفا.

"وعندما فازت قطر، أخبر بلاتر الأمير: أما وقد فازت قطر، دعني و بن همام لوحدي"، وفق مراقب للوضع عن كثب.

اقتراع ديسمبر 2010 لصالح قطر
"القطريون لم يريدوا مني أبداً [أن أعارض ترشيحهم للبطولة]. لهذا السبب سحبوا ترشيح بن همام ضدي عام 2011"، وذلك حسب ما صرح بلاتر لصحيفة لوموند عام 2018.

ومع ذلك، هناك بعض الأدلة على أن بلاتر، الذي اقتنع بأن المُخطط له قد تم، وكان سيصوت لصالح قطر في 2 كانون الأول/ديسمبر 2010 في الاقتراع الرابع والأخير.

ووفقاً للبروتوكول، وكرئيس للفيفا، فبلاتر آخر من يُصوت. ووفق معلومات "لوموند"، فإن ورقة الاقتراع الأخيرة بصندوق الاقتراع في ذلك اليوم كانت لصالح قطر.

من ناحية أخرى، تراجعت ثقة بلاتر بعضو سابق بارز في لجنة فيفا التنفيذية. وبعد الاقتراع، نفخ بلاتر وقال: "كرئيس، يمكنني فقط التصويت لصالح الفائزين"، دون معرفة أن الملف القطري سيصبح عبئاً عليه.

قد يهمك ايضا:

كانافارو يعانى مع منتخب الصين قبل بداية تصفيات كأس العالم 2022

المنتخب المصري لكرة القدم يرتقي 6 مراكز في تصنيف الفيفا الشهري