القدس المحتلة ـ ناصر الأسعد
أدى نحو 300 ألف فلسطيني من الضفة الغربية والقدس وأراضي الخط الأخضر "عام 48" صلاة الجمعة الأخيرة من شهر رمضان المبارك في المسجد الأقصى، فيما قُتل أربعة فلسطينيين بينهم طفل وأصيب مئات في مواجهات مع جنود الاحتلال خلال مسيرات جماهيرية حاشدة شهدتها حدود قطاع غزة، بعد أسابيع من مشاركة ضعيفة فيما يُعرف بـ"مسيرات العودة".
وتمكن مئات من الشبان الفلسطينيين في الضفة الغربية من اجتياز الجدار الفاصل عبر السلالم وطرق التفافية واختراق الجدار الأمني في مناطق مختلفة من أجل الوصول إلى المسجد الأقصى لأداء الصلاة في الجمعة الأخيرة من الشهر الفضيل.
وبدت دائرة الأوقاف الإسلامية ولجانها المختلفة منذ ساعات الصباح، في حال استنفار قصوى لترتيب دخول وانتشار المصلين، فضلًا عن تقديم الإسعافات الأولية عبر عيادات ميدانية في المسجد للمرضى وكبار السن.
ولوحظ أن أسواق القدس القديمة، خاصة المتاجر التي تقع في طرقات وشوارع الوافدين إلى الأقصى، شهدت حركة تجارية نشطة.
وأكد الشيخ محمد سليم محمد علي في خطبته في الأقصى، أن هذه الجمعة "هي جمعة الأقصى، الذي يدخل عليه 51 عامًا وحرمته تنتهك ويُعتدى على المصلين فيه، إنه الأقصى الذي تعزّون الذي هو روحكم وأنفاسكم وميراثكم".
وقالت الإدارة المدنية الإسرائيلية "إن نحو 125 ألف مصلٍ من الضفة الغربية تنقلوا عبر الحواجز المختلفة إلى القدس لأداء الصلاة في الأقصى"، مشيرة إلى أن الصلاة انتهت دون تسجيل أي أحداث أمنية تذكر.
وتابعت أن أكثر من 8 آلاف فلسطيني أدوا الصلاة في الحرم الإبراهيمي بمدينة الخليل.
وعززت القوات الإسرائيلية من وجودها في نقاط التماس بالضفة الغربية وعلى الحواجز في القدس، وحولت البلدة القديمة من المدينة المقدسة إلى ثكنة عسكرية بفعل زيادة الحواجز ونشر مزيد من قوات الشرطة وحرس الحدود وقوات الخيالة التي كانت تجوب الشوارع وتدقق في هويات المصلين قبل دخولهم للصلاة وبعد مغادرتهم.
ولم تشهد نقاط التماس في الضفة الغربية أي أحداث غير عادية، ومرت جمعة هادئة بشكل كبير، كما جرت العادة في الأسابيع الأخيرة.
إلا أنه سجل إصابة عشرات بالاختناق بقنابل الغاز جراء قمع قوات الاحتلال مسيرة كفر قدوم الأسبوعية المناهضة للاستيطان شرق قلقيلية.
وأفاد منسّق المقاومة الشعبية في كفر قدوم مراد شتيوي بأن قوات الاحتلال هاجمت المشاركين في المسيرة بالأعيرة المعدنية المغلفة بالمطاط وبقنابل الغاز المسيل للدموع، بعد انطلاقها مباشرة، ما أدى إلى إصابة عدد منهم، إضافة إلى إصابة ناشط إسرائيلي يتضامن معهم، بعيار "مطاطي" في ظهره، فيما لاحق الجنود الشبان إلى داخل البلدة واعتلوا أسطح منازل المواطنين وحولوها إلى نقاط عسكرية للقناصة.
واعتقلت قوات الاحتلال الإسرائيلي فجر الجمعة، شابين من بلدة بيت فجار جنوب بيت لحم، هما مجدي محمد ثوابتة "24 عامًا"، ومؤيد صلاح طقاطقة "25 عامًا"، بعد دهم منزلي والديهما في بيت فجار.
وأضرم مستوطنون في منطقة نابلس، النيران في محاصيل زراعية من القش تعود لمواطنين من قرية بورين جنوب نابلس، كما خطوا شعارات عنصرية على الأرض بالقرب من الحريق قبل أن يلوذوا بالفرار.
وأعلنت وزارة الصحة في قطاع غزة، مقتل أربعة فلسطينيين عُرف منهم ثلاثة هم زياد البريم في شرق خان يونس ونبيل أبو درابي في شرق جباليا، وكلاهما في العشرينات من العمر والطفل هيثم الجمل 15 عامًا من شرق رفح خلال مواجهات مع جنود الاحتلال الإسرائيلي.
وأضافت أن مئات المتظاهرين أصيبوا بجروح مختلفة جراء إطلاق النار وقنابل الغاز تجاههم بعدما احتشدوا بالآلاف على الحدود الشرقية والشمالية للقطاع.
وأفادت وزارة الصحة في غزة بأن عدد الإصابات بلغ أكثر من 400 منهم 80 على الأقل أصيبوا بالرصاص الحي ومن بينهم 7 بحالة الخطر، مشيرة إلى أن 143 نقلوا إلى المستشفيات لتلقي العلاج. وأشارت إلى أن 21 طفلًا و10 سيدات و5 صحافيين ومسعفًا واحدًا أصيبوا خلال الأحداث.
وسبق بدء المظاهرات بساعات، إقدام طائرات استطلاع إسرائيلية على مهاجمة خيام العودة شرق مدينة رفح من خلال إطلاق شعل نارية تجاه الإطارات المطاطية داخلها ما تسبب في حرق بعض الخيام وحدوث أضرار بالغة فيها.
وانطلقت المظاهرات للمرة الأولى منذ بداية شهر رمضان بعد صلاة الجمعة مباشرة على عكس ما كان يجري سابقًا بإجرائها بعد صلاة العصر. ولوحظ احتشاد أكثر من 12 ألف متظاهر على الأقل، وهو أعلى رقم للمتظاهرين منذ الرابع عشر من الشهر الماضي.
ودعت "الهيئة الوطنية العليا لمسيرة العودة الكبرى وكسر الحصار" خلال الأيام الماضية، الفلسطينيين إلى المشاركة الحاشدة في المسيرات التي حملت اسم جمعة "مليونية القدس"، حيث انطلقت حافلات تقل المتظاهرين من كافة مساجد القطاع بعد أداء صلاة الجمعة.
وقال فوزي برهوم الناطق باسم حركة "حماس"، إن الاحتشاد الجماهيري الكبير في "يوم القدس" يؤكد أن مسيرات العودة "مستمرة وبكل قوة مهما بلغت التضحيات حتى تحقيق مطالب الشعب الفلسطيني وعلى رأسها إنهاء حصار غزة"، وأضاف في تصريح صحافي: "إن كلمة الفصل هي للشعب الفلسطيني الأبي الذي لن يسمح بتمرير أي مشاريع أو مخططات تمس كرامته وحقوقه وثوابته".
ولوحظ خلال المسيرات، مشاركة والدة المسعفة رزان النجار التي قتلها الجيش الإسرائيلي الجمعة الماضي عند خان يونس، حيث ارتدت والدتها سترتها الطبية وشاركت في تقديم العلاج الأولي للجرحى استكمالًا لدور ابنتها، كما قالت للصحافيين لدى وصولها.
وشارك في المسيرات قيادات من "حماس" بينهم رئيس المكتب السياسي للحركة إسماعيل هنية، فيما أظهرت صور إسرائيلية وصول المدعي العام العسكري شارون أفيك إلى نقاط الجيش الإسرائيلي في منطقة الحدود، وذلك تزامنًا مع وجود وسائل إعلام أجنبية مختلفة دعيت لتغطية الأحداث وتم تزويدها ببث مباشر خاص من الجيش.
وقال ناطق باسم الجيش الإسرائيلي "إن آلاف الفلسطينيين تظاهروا في خمسة مواقع على حدود قطاع غزة وأشعلوا الإطارات المطاطية وألقوا الحجارة إلى جانب قنبلة أنبوبية تجاه قوات الجيش دون وقوع إصابات".
وأشار إلى أن قوات الجيش استخدمت وسائل تفريق المظاهرات وأطلقت النار وفق الأوامر العسكرية المتبعة، مدعيًا أن ثلاث طائرات ورقية حارقة محملة بمواد متفجرة وكرات حديدية انفجرت على الحدود دون إصابات، وذكر موقع صحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية أن فرق الإطفاء عملت على إخماد حرائق شبّت في كيبوتسات إسرائيلية مجاورة لحدود القطاع نتيجة إطلاق شبان طائرات ورقية محملة بمواد حارقة.
وأشار الموقع إلى أن جنديًا إسرائيليًا أصيب بجروح طفيفة جراء استنشاقه الدخان في حريق شب بالقرب من معبر كرم أبو سالم جنوب القطاع، فيما أصيب جندي آخر بجروح طفيفة إثر شظية رصاصة أطلقت من قناص فلسطيني من غزة على الحدود.