دمشق - سورية 24
ظَلَّ الرئيس السوري الراحل حافظ الأسـد متمسكًا بشدَّة بحقوق أهالي القدس، موكدًا أهمية رأيهم حول شكل الحكومة في الأراضي المحتلة التي ستنجم عن المؤتمر، ولا بد من التأكيد أن الأسـد لم يشعر يومًا، و لا حتى لحظةً واحدة، بأنه يتحدث باسم السوريين فقط. فهو قائد عربي أعجب في نشأته بالرئيس المصري جمال عبد الناصر في الخمسينيات من القرن الماضي، وتمسّك بالعروبة بأوسع أشكالها، وشعر بأن عليه أن يدافع عن حقوق كل العرب، وليس السوريين فحسب، وعلى الخصوص حقوق الفلسطينيين.قضى كل حياته العملية وهو يحارب اتفاقية سايكس – بيكو التي قطَّعت الوطن العربي خلال زمن الحرب العالمية الأولى، و جعلته على ما هو عليه اليوم، و لم يكن سيغيّر مواقفه من أجل إنجاح مؤتمر و إرضاء الحكومة الأميركية.
وأثارت ملاحظة القدس غضب بيكر، الأمر الذي استغربه السوريون الذين اعتقدوا أن طلبهم كان واضحًا منذ اليوم الأول. أجاب.بيكر بغضب، "أنتم تطلبون مني أكثر مما طلبه الفلسطينيون أنفسهم. و هذا برأيي غير مناسب. سوف نناقش هذا الموضوع خلال المفاوضات، و نحن لا نعترف بضم القدس، و لكنكم تضغطون علينا كثيرًا. ربما لا تريدون العملية من أساسها. أنا لا أريد أن أعطي إسرائيل أي حجة لرفض المجيء، و لكن ربما تريدون أنتم إعطاءها تلك الحجة".وبكل هدوء أخرج الأسـد رسالة قديمة من الرئيس كارتر و قرأها بصوت عال. كانت مؤرخة في ۲۷ آذار / مارس ۱۹۷۸، و قال فيها كارتر: ” إن الانسحاب من الأراضي المحتلة ينطبق على الأطراف كافة، ويجب أن يكون هناك قرار مشترك لكلّ عناصر القضية الفلسطينية، بما في ذلك حق تقرير المصير “.
ورمق الأسـد بيكر بنظرة ثابتة، و أخرج رسالة أخرى، و كانت هذه المرة من الرئيس الأمريكي الأسبق رونالد ريغان موجهة إلى الأسـد، و مؤرخة في ۲۸ تموز/يوليو ۱۹۸۸. و قرأ الأسـد أن سياسة ريغان كانت تسعى إلى ” تحسين فرص السلام بين العرب و إسرائيل على الصّعد كافة. و لا يزال هذا الأمر أولوية قصوى لدى الولايات المتحدة من أجل الوصول إلى تنفيذ قراري مجلس الأمن الدولي الرقمين (۲۹۲) و(۳۳۸) و المتضمنين مبدأ ” الأرض مقابل السلام ” الذي هو جوهر القرار الرقم (٢٤٢)، و ثانيًا ضمان الحقوق الوطنية المشروعة للشعب الفلسطيني “.وأكدّ الأسـد لبيكر ملوّحًا بالرسالتين في يده، "هذه يا سيد بيكر هي سياسة الولايات المتحدة! و هو ما يقوله الرؤساء الأمريكيون إنه سياسة أمريكا".
أقرا أيضا" :
أميركا تُشدِّد على إنهاء "الهجمات على المدنيين" وتُرحِّب بوقف إطلاق النار في سورية
وفي تلك اللحظة، لم يعُد بيكر يدري كيف ينصرف، و رد بحدّة: ” هذه رسالة جيدة! إذا كنت لا تحبذ ما نقوم به، و تعتقد بأنك تستطيع استعادة الجولان آمن دون الجلوس مع الإسرائيليين، اذهب و استعدها “. بقي الأسـد محافظًا على هدوئه التامإزاء ردّ ضيفه المنفعل، بل في الحقيقة فوجئ بأن يرى دبلوماسيًا مخضرمًا يفقد أعصابه بهذه السرعة، و سأل الرئيس السوري مساعديه، "ما الذي أغضبه؟ نحن نتفاوض".و بعدها قال لبيكر بكل هدوء: ” أنتم لا تقومون بذلك من أجلنا بالدرجة الأولى. أنتم لديكم مصالح أيضًا “. و بسبب خشية الرئيس الأسـد من أن تفقد شدة الضغط على وزير الخارجية الأمريكي القدرة على متابعة مهمته، أعطاه أخيرًا ما يريد: القبول برسالة الضمانات الأمريكية، من دون ذكر المباحثات المتعددة الآن. و هنا انتهز دنيس روس، الذي كان آنذاك عضوًا في هيئة التخطيط السياسي لدى الخارجية الأمريكية، الفرصة و مرر ملاحظة سريعة لبيكر كتب فيها: "خذ النقود و اهرب لنخرج من هنا".وجاء هذا التوثيق من كتاب الدكتورة بثينة شعبان/ عشرة أعوام مع حافظ الأسد 1990 – 2000 / ص 61.
وقد يهمك أيضا" :