دمشق _سوريه24
في فترة ليست بالقصيرة، بدأت القصة القصيرة جدًا في الانتشار وبصورة واضحة بين أطياف كتّاب القصة القصيرة في المجتمع الثقافي العربي ككل، حيث خرجت برمز شائع تمثل في (ق.ق.ج)، تلك القصة القصيرة جدا أصبحت حاضرة وبقوة ضمن المسابقات والفعاليات الأدبية المتنوعة، كما خرجت من خلال العديد من الإصدارات الخاصة بها، وتفاعل معها القارئ بشغف، لكن السؤال الذي يطرح نفسه، ومن وجهة نظر الكاتب والقارئ، هل حقق نمط هذه القصة (ق.ق.ج) ، رغبة الكاتب؟ خاصة إذا وأنه قيل عنها إنها أحد افرازات وسائل التواصل الاجتماعي، هنا ماذا يقول الكاتب والقارئ في هذا الشأن؟ وكيف يفسر المتلقي حضورها في ظل شيوع القصة القصيرة بنمطها المعتاد، وتمتع الأخرى بالهيمنة في واقع الكتابة؟!! ..
اقرأ أيضا:
باحثون يُؤكِّدون وجود تحديات عدة تُواجه الأدب العربي في الوصول إلى القارئ الغربي
لم يستقر بعد
يعلق الدكتور سعيد السيابي وهو كاتب وله تجارب واضحة في كتابة هذا الصنف الأدبي: القصة القصيرة جدا (ق.ق.ج) هي نوع سردي وتجربة كتابية مثلها مثل باقي الأنواع السردية لها شروطها وقواعدها التي للأسف ما زالت مطاطة ولم تستقر بعد وذلك لعدة أسباب أهمها حجم الكتابة فيها وتناول النقاد المقل بالدراسة عنها. لكن الكتابة فيها مستمرة والمحاولات متميزة لتأخذ مكانها في الإبداع العالمي وتحقق تميزا جيدا للكاتب الذي يمتلك أدواتها ومستمر في محاولاته في سبر أعماق أكبر للموضوعات التي يتناولها. وحول ما يقال بانها احد افرازات وسائل التواصل الاجتماعي، يشير السيابي : هذا رأي مبالغ فيه فالقصة القصيرة جدا عميقة في تاريخها وحضورها، ولكن بكل تأكيد وسائل التواصل الاجتماعي زادت من انتشارها وسرعة حضورها بحجمها خصوصا (تويتر) لعدد الكلمات التي يفرضها والقراء كذلك وجدوا متنفسا جديدا لمتابعة كاتبهم الذي ينشر على هيئة جرعات كتابية وظهرت مسابقات ادبية في وسائل التواصل مهمة ومشجعة لهذا النوع السردي. وعن حضورها في ظل حضور القصة القصيرة بنمطها المعتاد، وتمتع الأخرى بالهيمنة مع واقع الكتابة القصصية، هنا يضيف الدكتور سعيد السيابي : بداية كل نوع سردي وأدبي له حضوره ومتابعوه من القراء والنقاد قد يتفوق نوع على الآخر في مرحلة معينة وذلك بسبب زيادة الاهتمام من أكثر من قطاع منها تدخل دور النشر في التحمس لكاتب ومجموعة كتاب ووجود مسابقات كبيرة وذات عائد مجز ومتابعة وسائل إعلام مختلفة لدعم نوع أدبي، كل هذه الظروف تساعد على إنتشار نوع كتابي على آخر .. بالنسبة لي القارئ هو المقياس وكما يعلم الجميع عصر السرعة والتقنية فرض نفسه كأحد التحديات فأصبحت الأوقات تقضى أكثر مع الأجهزة الإلكترونية وسرعة البرامج والتنبيهات التي تقدمها لظهور خبر جديد ونص جديد لهذا عصر السرد بكل أنواعه يتربع حاليا على المشهد الثقافي وهو الداعم الكبيرللكاتب والمثقف وحركة الصناعة الثقافية بكل تخصصاتها.
لغة جامدة مختصرة
أما القاصة إشراق النهدية فتشير في شأن ما إذا كانت القصة القصيرة جدا (ق.ق.ج) حققت رغبة كاتبها إلى : أن القصة القصيرة جدا، أدب قائم بذاته، ومن خلال قراءاتي لهذا الفن لاحظت قلة عدد الكتّاب المتمكنين فيه رغم كثرة عددهم، وأظن أن ثمة كتابا يدّعون البراعة فيه أو يتوهمون ذلك، والمشكلة الكبرى في مدى قبول القارئ لهذا الفن الأدبي الجديد. وهل يمكن أن يطلق على كاتبه لقب كاتب فعلي. وخاصة أن هذا الفن يحتاج إلى التكثيف مع الدقة، عدا ذلك إنها سريعة كالومضة، وتقرأ في دقائق معدودة وعلى عاتقها مسوؤلية أن تترك أثرا في المتلقي. وقلة من الكتاب يمكنهم بلوغ هذه الغاية. وحول ما إذا كان هذا الصنف من الأدب هو أحد افرازات وسائل التواصل الاجتماعي، تقول القاصة إشراق: نعم أتفق تماما إنها ضمن افرازات وسائل التواصل الاجتماعي، فهذه الوسائل قربتنا بشكل عملي ولكنها أبعدتنا عاطفيا، وأوجدت لغة خاصة جامدة مختصرة، ولكنها تصيب الهدف وتنجز المهام السريعة، ولكنها خلت من التآلف. أو خلقت ضمورا في الإبداع. وحول حضور الـ (ق.ق.ج) في ظل شيوع القصة القصيرة بنمطها المعتاد، وتمتع الأخرى بالهيمنة مع واقع الكتابة هنا تشير القاصة إشراق النهدية: هي حاضرة بالطبع، فكل فن أدبي له جمهوره الخاص حسب فسحة الوقت ومادة الزمن المتوفر له. وبما أن (ق. ق. ج) تتميز بوحدة الحدث وتتجرد من الحشو والإطالة، وتحتاج إلى رسم الشخصيات بمهارة ودقة، كما أن الفكرة تُطرح بشكل حاذق. وتترك شعورا بالدهشة والصدمة في جماليتها. وهكذا تكون قد حققت حضورا ملفتا وباقيا في ذهن القارئ.
ومضة من نار
في ذات السياق يقول القاص حمد المخيني وهو ضمن الكتّاب الذين برزت أعمالهم القصصية في الفترة الأخيرة خاصة على مستوى المشهد القصصي، في ما إذا كانت القصة القصيرة جدا (ق.ق.ج) حققت رغبة كاتبها : إن القصة القصيرة جدا (ج.ج.ق)، هي ومضة خاطفة من نار حكاية طويلة، لكنها ومضة لا تعجز عن ترك أثرها في عين القارىء المندهش، بالتالي طالما أن كاتبها استطاع أن يؤثر في قارئه فأرى بأنها تحقق رغبته -أي الكاتب- ولا يستهان بقوتها في إيصال الحكاية حتى يظن القارىء أنه عبر كلمات معدودة اطلع على حياة كاملة. وحول ما إذا كان هذا الصنف من الأدب هو أحد افرازات وسائل التواصل الاجتماعي يشير الكاتب المخيني: أعتقد أن وسائل التواصل الاجتماعي دعمت هذا الصنف الأدبي وساعدت على انتشاره كون مستخدميها هم قراء مشغولون وغير متأهبين للقراءة المتأنية. وحول حضور الـ (ق.ق.ج) في ظل شيوع القصة القصيرة بنمطها المعتاد، وتمتع الأخرى بالهيمنة مع واقع الكتابة يقول القاص حمد: شخصيا ككاتب قصة قصيرة ألجأ للقصة القصيرة جدا حينما أشعر أن التكثيف ممكن في نصي وأنني قادر على الحكي هكذا، بكلمات معدودة أكون قد خلقت العالم الذي أريد.
مسلك للتملص من التقنيات
وفي شأن هذا الأمر كان للكاتب عبدالله الشعيبي كونه قارئا لذات القصة القصيرة جدا (ق.ق.ج)، ومتتبع لأثرها رأي لا يبتعد نوعا ما عن آراء من سبقه أعلاه، ففي شأن ما إذا كانت القصة القصيرة جدا (ق.ق.ج) حققت رغبة كاتبها، هنا يقول الشعيبي: القصة القصيرة جدا، أو الومضة إن راق التعبير الاصطلاحي لها، ربما تحقق مسلكا فرديا للتملص من التقنيات المتعددة في التعاطي مع الحدث الرئيسي والأحداث الفرعية، وربما هي تمثل ابتعادا عن التقنيات اللغوية والفنية المعتمدة في كل قصة قصيرة وفقا للمعرفة التي تمثل ثقافة القاص ووعيه الكتابي، وعليه يمكن القول إنها حققت مطلب قاصها، لكن هل استطاعت التعامل مع السمة الاختزالية وانعكاسها على المتخيل لدى المتلقي؟ تلك مساحة المتلقي وحده ليؤكد ذلك أو ينفيه. وحول ما إذا كان هذا الصنف الأدبي أحد إفرازات وسائل التواصل الاجتماعي، يشير الكاتب عبدالله الشعيبي مضيفا: وسائل التواصل الاجتماعي مزيج من تقنيات متوزعة بين عديد من القوالب الكتابية، مبتكرة أو منقولة، ولكن ليس إفرازا بالمعنى المباشر، لأن قنوات التواصل الاجتماعي تتعاطى مع النص في سياقه السريع الانطباعي الانفعالي، وليس المبني على التفكر والتأمل وقصدية الاختزال، بينما القصة القصيرة جدا يفترض فيها قصدية الاختزال في الكتابة، مع قصدية الإحالة إلى التأويل المفتوح. أما في ظل حضورها مع شيوع القصة القصيرة بنمطها المعتاد، وتمتع الأخرى بالهيمنة مع واقع الكتابة هنا للكاتب عبدالله الشعيبي رأي خاص حيث يقول: القصة القصيرة لها طابعها وخصوصيتها وأدواتها وقصديتها وضوحا أو تأويلا وزمنها الطويل، وليس ثمة إلغاء أو سحب بساط، لكن هناك لون كتابي أفرزته حالة عامة لها ظروفها، يمكن أن تستمر، ويمكن أن تبقى شاهدا على مرحلة، هذا مناطه بالنقد وكيفية تعاطيه مع الـ (ق. ق. ج)، وما أراه هو نصوص كثيرة ونقد خجول.
طفرة الأدب المعاصر
صفاء الوضاحية، شاعرة وكاتبة، لها حضور أدبي في الملتقى الأدبي الذي تقيمه وزارة التراث والثقافة في كل عام، كما أن لها إصدارات متعددة في الشأن الثقافي، وهنا في شأن الـقصة القصيرة جدا (ق.ق.ج) وما إذا كانت حققت رغبة كاتبها تقول الوضاحية : القصة القصيرة جدًا هي طفرة الأدب المعاصر، هي الوصول للغاية الكامنة في بعضِ أسطر، هي الحكاية القصيرة لطويلة بمشاعرها المختزلة، تحقق كل مقومات الكتابة ونشوة الكاتب والقارئ معًا. تتمتع بجمالية الأسلوب والرمزيات العميقة، تضرب فتصيب الهدف. وأنا اطلعت على هذا النوع من القصص من برامج التواصل الاجتماعي، التي أخرجت لنا هذا الكم الرائع من القصص. وللـ (ق.ق.ج) إقبال واسع من الكتَّاب والقرَّاء، وأثبتت وجودها المسابقات الأدبية التي نراها الآن تنضِّم لمثلِ هذا النوع من القصص، ولها في عمان والوطن العربي إقبال واسع نراه جليًّا في برامج التواصل.
اختزال لرسائل إنسانية
رجب السعدي، قارئ وضمن أولئك الذين لهم علاقة خاصة بالكتاب، خاصة فيما يتعلق بالروايات والقصص القصيرة، وفي شأن ما إذا كانت القصة القصيرة جدا (ق.ق.ج) حققت رغبة كاتبها يشير رجب السعدي: القصة القصيرة جدا، نمط رائع، ويختزل الكثير من الرسائل الإنسانية التي تريد القصة القصيرة العادية أن توصلها للقارئ، ولها ضوء متحقق غير طبيعي، وأنا كمطلع أعجب بهذا النوع من الكتابات، خاصة تلك التي تأتي كرسالة عميقة وواضحة في الوقت ذاته، تصل بك إلى هدف ما دون الإسهاب أو المط في الفكرة المراد إيصالها، نعم هي صنف قد يبدو جديدا نوعا ما، ولكنه مسار مدهش في عالم الأدب، وأعتقد أن كاتبها يحتاج إلى دراية واسعة بمقتضيات الكتابة. وحول ما إذا كان هذا الصنف الأدبي إحد إفرازات وسائل التواصل الاجتماعي يقول رجب السعدي: لا أظن أنها أحد افرازات التواصل الاجتماعي، قد تكون موجودة منذ فترة لكن لربما لم نكن نعلم حقيقتها، إلا موخرا، فهي حسبب قراءاتي وتتبعي لها منذ فترة وجدتها حاضرة لدى كتّاب من دول شتى، مثل شعر الهايكو الياباني وهو القصائد القصيرة جدأ. وأظن أن حضورها واقعي جدا، رغم وجود القصة القصيرة فهي ذات تكثيف اكثر للمحتوى وتركز بشدة على الإختصار لتوصل المضمون والفكرة، فالقارئ المستعجل (ان صحت العبارة) يستسيغ هذا النوع من الفن الأدبي، فهناك قصص قصيرة لكنها طويلة بعض الشئ، وقد لا يجد قارئها متسعا من الوقت لإكمالها عكس القصة القصيرة جدأ، فتتم قراءتها في لحظة زمنية قصيرة جدأ.
وقد يهمك أيضا:
أصوات جديدة في القصة القصيرة في حوران ضمن الملتقى الأدبي
الأديبة لينا كيلاني: استسهال البعض الكتابة للأطفال مرده غياب النقد