النفط الروسي

أكدت بيلاروسيا أنها تبحث عن بديل للنفط الروسي، الذي تعتمد عليه بصورة رئيسية حتى الآن، ولم تستبعد التوجه نحو نفط الشرق الأوسط والواردات من أسواق دول الجوار الأعضاء في رابطة الدول المستقلة، وذلك على ضوء مخاوفها من تداعيات «المناورة الضريبية للقطاع النفطي الروسي» على إيرادات الميزانية البيلاروسية، وعدم ثقتها في الوقت ذاته بإمكانية تنفيذ برنامج التكامل مع روسيا في إطار «الدولة الاتحادية»، وشددت على ضرورة العمل لإنجاز الخطوات التكاملية في إطار الاتحاد الاقتصادي الأوراسي، وصولا إلى تشكيل الأسواق الموحدة في مجالات عدة وفي مقدمتها الطاقة للدول الأعضاء في الاتحاد، وتوجهت كخطوة أولى نحو كازاخستان، حيث توافقت معها على معايير اتفاقية للتعاون في مجال النفط ومشتقاته، وحذر الرئيس البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو من أن عرقلة روسيا هذا التعاون سيدفع الدول للبحث عن مصالحها خارج أطر الاتحاد الأوراسي.

وقالت سفيتلانا غورينا نائبة رئيس شركة «بيل نفط خيم» الحكومية البيلاروسية للنفط، إن بيلاروسيا تبحث عن بدائل للنفط الروسي، وتدرس إمكانية الحصول عليه عبر موانئ أوكرانيا وجمهوريات البلطيق.

وفي حوار معها نشرته يوم أمس صحيفة «بيلاروسيا سيغودنيا» (أي بيلاروسيا اليوم) أكدت غورينا: «ندرس مسألة واردات النفط البديلة منذ عدة سنوات. وننظر في إمكانية الواردات النفطية من بلدان رابطة الدول المستقلة (الجمهوريات السوفياتية سابقاً) ومن دول الشرق الأوسط وأفريقيا»، موضحة أن النفط من تلك الدول يمكن أن يصل السوق البيلاروسية عبر موانئ أوكرانيا أو جمهوريات البلطيق. وإذ شددت على أن القرار بهذا الصدد سيتم اتخاذه فقط في حال كانت تلك الإمدادات فعالة لجهة الجدوى الاقتصادية، نوهت في الوقت ذاته إلى أنه «مع تنفيذ المناورة الضريبية للقطاع النفطي الروسي، واقتراب سعر النفط الروسي من السعر العالمي، تتزايد جاذبية الإمدادات البديلة».

وتشكل المناورة الضريبية للقطاع النفطي الروسي مصدر خلافات جدية بين البلدين. وكانت الحكومة الروسية اعتمدت في صيف 2018 تلك المناورة، التي تنص على تخفيض رسوم صادرات النفط الروسي الخام من 30 في المائة حتى «الصفر» على عدة مراحل خلال ست سنوات، مقابل رفع ضريبة الإنتاج.

وقال وزير المالية البيلاروسي مكسيم يرمولوفيتش، "إن الميزانية البيلاروسية ستفقد إيرادات تقدر بنحو 800 مليون دولار خلال أول عامين من العمل بالمناورة، ونحو 11 مليار دولار، إلى أن يتم تنفيذ جميع مراحلها، خلال ست سنوات. ذلك أن بيلاروسيا، تحصل بموجب الاتفاقيات الروسية -البيلاروسية، الثنائية وفي إطار الاتحاد الاقتصادي الأوراسي، على 24 مليون طن نفط سنوياً من روسيا معفاة من الرسوم الجمركية، يقوم الجانب الروسي بتصدير جزء منها إلى الأسواق خارج حدود الاتحاد الاقتصادي الأوراسي، وتحتفظ الخزينة البيلاروسية بحصة قدرها 1.5 مليار دولار من رسوم تصدير تلك الكميات، وكل ما يزيد على ذلك يذهب لصالح الخزينة الروسية".

ومع إلغاء رسوم الصادرات بموجب المناورة الضريبة ستخسر الميزانية البيلاروسية عائدات تصدير النفط الروسي. وفي الوقت ذاته سيؤدي رفع الضريبة على الإنتاج إلى ارتفاع أسعار المشتقات النفطية الروسية للسوق البيلاروسية، ذلك أن الحكومة الروسية قدمت تسهيلات داخلية لضبط الأسعار في السوق المحلية، ولا تشمل تلك التدابير صادرات المشتقات النفطية إلى بيلاروسيا.

ومع بدء المرحلة الأولى منها مطلع العام الجاري، أثارت المناورة الضريبية للقطاع النفطي الروسي استياء السلطات البيلاروسية، التي طالبت موسكو بتعويض الخسائر الناجمة عنها. حتى إن الرئيس البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو حذر في تصريحات مطلع العام الحالي من أن «روسيا قد تخسر حليفها الوحيد (أي بيلاروسيا) على الجهة الغربية»، إذا فشلت جهود التوصل لاتفاق حول التعويضات المطلوبة، وتحدث حينها عن بدائل للنفط الروسي، وقال: «حددت مهمة وعلينا حلها، وهي إيجاد واردات نفطية بديلة، عبر موانئ البلطيق». وأطلق الجانبان محادثات لتجاوز هذه المشكلة، إلا أنهما لم يتوصلا حتى الآن إلى صيغة تفاهمات نهائية بهذا الصدد.

ومن الاقتراحات التي عرضتها روسيا لتجاوز هذه المشكلة، العمل على تعزيز التكامل في إطار اتفاقية الدولة الاتحادية بين روسيا وبيلاروسيا. وقال سيرغي روماس، رئيس الوزراء البيلاروسي في تصريحات نهاية الأسبوع الفائت، إن موسكو ومينسك تجريان محادثات لتشكيل سوق موحدة للنفط والغاز، بما يتناسب مع الاتفاقية الاتحادية، لكنه وصف هذا الهدف بأنه «طموح للغاية»، وقال إنه سيكون من الصعب جدا تحقيقه، وتشكيل السوق الموحدة في هذا المجال بحلول الأول من يناير (كانون الثاني) عام 2021 وبالتالي يرى ضرورة العمل بنشاط منذ الآن على تشكيل الأسواق الموحدة لكن ضمن إطار تكاملي آخر، هو الاتحاد الاقتصادي الأوراسي، وعبر عن قناعته بأن «هذا التوجه هو الوحيد الذي من شأنه ضمان تحقيق النتائج المطلوبة بحلول عام 2025».

وفي الوقت الذي تستمر فيه المحادثات مع روسيا بشأن تنظيم مجمل جوانب العلاقات في المجال الاقتصادي، مع تركيز على الطاقة، يبدو أن بيلاروسيا بدأت تحركها نحو البدائل عن النفط الروسي، والوجهة الأولى النفط الكازاخي. وخلال محادثاته مع نظيره الكازاخي قاسم جورماتوف توكايف في العاصمة الكازاخية نور سلطان نهاية الأسبوع الماضي، قال الرئيس لوكاشينكو إن بيلاروسيا تولي أهمية خاصة بتنويع مصادر الواردات النفطية، وأضاف: «لهذا نحن مهتمون في استيراد النفط الخام من بلدكم (كازاخستان)». وعبر عن قناعته، في تصريحات لصحيفة «خبر» الكازاخية بأن روسيا لن تعارض هذا التعاون، محذرا من أن عرقلة المشروعات بين دول الاتحاد الاقتصادي الأوراسي سيدفع تلك الدول إلى «البحث عن السعادة في مكان آخر»، في إشارة منه إلى أن هذا سيدفع الدول بعيدا عن الاتحاد. وأكدت وزارة الطاقة الكازاخية التوافق مع الجانب البيلاروسي على معايير اتفاقية التعاون في هذا المجال، وقالت إن توقيع الاتفاقية لن يتم الآن، ويتطلب موافقات داخل مؤسسات كل من البلدين.

وقد يهمك أيضا:

ترامب يدفع أسواق العملات والسلع والأوراق المالية في جميع أنحاء العالم نحو التراجع