دمشق -سوريه24
عندما باتت التلفزيونات متاحة للجميع، تهيّأ للناس أنّ البرامج والمسلسلات الإذاعية سينتهي عصرها. ولكنها فعلياً تمكنت من الصمود لوقت طويل، لأنها بقيت رفيقة الدرب لعدد كبير من السائقين ومحبيها. ولكن، بعد دخولنا عصر "السوشيال ميديا" والإعلام الرقمي، حاولت وسائل الإعلام الإذاعية الصمود في وجه التطور التقني الذي خفف من شعبيّتها بشكل كبير، إذْ بدأت بعض الإذاعات بعرض مقابلاتها بالصوت والصورة على وسائل التواصل الاجتماعي، كما تفعل إذاعة "مونتي كارلو الدولية". والبعض بدأ يتيح خدمة البث المباشر والحي عن طريق الإنترنت. وبينما تبحث الإذاعات العالمية عن حلول لضمان استمراها، فإنَّ صناعة الدراما الإذاعية بدأت تزدهر من جديد في الداخل السوري، إذْ تلاقي برامجها شعبيَّة كبيرة.
إنّ انجذاب الشارع السوري في الداخل إلى الإذاعات والراديو، يعود سببه في الغالب إلى الظروف الخانقة التي يقيَّد بها النظام السوري حياة الشعب، إذْ لا يتسنى للمرء متابعة البرامج التلفزيونية بسبب الانقطاع المتكرر للكهرباء، وغيابها عن بعض المناطق، إضافةً إلى ضعف الإنترنت وانقطاعه المتكرر وحجب النظام لعدد كبير من المواقع. وذلك يجعل من الصعب أن يتابع المرء برنامجاً على الإنترنت أثناء استخدامه للمواصلات العامة. كما يجعل من تحميل البرامج والفيديوهات لمتابعتها بالسهرات المنزلية أمراً صعباً للغاية. ولتلك الأسباب عاد الراديو في سورية إلى عصوره الذهبية، وبدأت أسماء لامعة في الوسط الفني السوري تشارك في أعمال درامية إذاعية؛ إذْ كان هذا النوع من الدراما قبل الثورة يتم إنتاجه بتكاليف منخفضة للغاية، ولا يستعين مخرجو البرامج والمسلسلات الإذاعية في سورية بالمشاهير، إذا ما استثنينا منها مسلسل "حكم العدالة" الإذاعي، والذي بدأ إنتاجه منذ عام 1977 ولايزال بثه مستمراً إلى اليوم، وشارك فيه عدد كبير من فناني الصف الثاني في الدراما السورية أمثال: وفاء موصلي والراحل عصام عبه جي.
ومن اللافت أيضاً مؤخّرًا، أنَّ العديد من البرامج الإذاعية السورية قد لاقت صدىً واسعاً. فباتت اللقاءات الإذاعية مع فناني الدراما السورية تطغى بحضورها على اللقاءات التلفزيونية. ومن بين هذه البرامج، انتشر بشكل كبير برنامج "مع الكبار" الذي تبثه إذاعة "المدينة إف إم"، والذي استطاع خلال العام الماضي استضافة أبرز نجوم الدراما السورية، وخاصة أولئك الذين عرف عنهم أنهم لا يحبون الظهور ولا يحبذون الإطلالات الإعلامية، مثل بسام كوسا وعباس النوري. ونالت تلك الحلقات جدلاً واسعاً على وسائل التواصل الاجتماعي، لما قِيلَ فيها من تصريحات جدلية من قبل الضيوف، وهذا ما عجزت عن إثارته أي محطة تلفزيونية، وربما يعود السبب بذلك إلى أن الرقابة على البرامج الإذاعية في سورية، تعتبر أقل حدة من الرقابة على البرامج التلفزيونية، والتي انحصر دورها بالأعوام السابقة بتلميع دور النظام، وتمجيد الفنانين الأكثر تملقاً وطاعةً.
أما على الصعيد الدرامي، فلا يمكن أن نقول إن الدراما الإذاعية في سورية قد تطور مستواها أبداً، ولكن يمكننا أن نجزم بأن عددها قد زاد، وزاد الاهتمام بها بشكل ملحوظ، وباتت تضم عدداً أكبر من النجوم. ولكن المستوى يبقى رديئاً للغاية؛ ويمكن الاستشهاد على ذلك من خلال مسلسل "زواريب"، والذي بدأ بثه منذ أشهر على إذاعة "أرابيسك". ويتكون "زواريب" من "اسكتشات" قصيرة، لا تتجاوز مدة الحلقة خمس دقائق، وهو عبارة عن حوارات هزلية بين شخصيتيْن تسلّطان الضوء على ما تعتبرانه مشاكل اجتماعية جريئة في البلد. وشارك في تقديم الحلقات كل من جلال شموط وسيف الدين السبيعي وقاسم ملحو ومحمد خير الجراح. وبدت هذه اللوحات شبيهة بلوحات المسلسل التلفزيوني القصير "أمل ما في" الذي عرض سنة 2005،
وكان من بطولة بسام كوسا وفايز قزق. لكن المشكلة أن الحوارات في "زواريب" تعتمد على أسلوب النكتة القديم المقدم في المسلسل التلفزيوني، والقضايا التي تقوم بطرحها هي قضايا هامشية ليست محور اهتمام المواطنين السوريين في الداخل بالوقت الحالي. وهو الأمر الذي لم يخلق للعمل قاعدة شعبية أو متابعة. ولرفع السويَّة، قام صناع العمل مؤخراً بالاستعانة بصوت الفنان الراحل نضال سيجري بشخصية "أسعد" التي قدمها بمسلسل "ضيعة ضايعة"، بالإضافة لصوت "جودة"، الشخصية التي قدمها باسم ياخور بذات المسلسل. وتسبب هذا التغيير بانتشار المسلسل على نطاق أوسع، رغم أن التغيير لم يطل سوى صوت الشخصيات، ولم يصل إلى بنية العرض. ليكون تغييراً دون أهمية، وبلا معنى، وينتج عنه حلقات رديئة، تبدو محاكاة سيئة للمسلسل الأصلي.
وبعيداً عن مستوى "زواريب"، فإن استخدام صوت الراحل، نضال سيجري، بهذا العرض يبدو أمراً غير أخلاقي، فهو يبدو كسرقة فنية بهدف استغلال شعبية "ضيعة ضايعة" ومحبة الجمهور وشوقهم لسيجري. ولكن تجب الإشارة إلى أن هذه السرقة ليست الأولى من نوعها، فشخصية "أسعد" كانت دائمة الحضور على صفحات السوشيال ميديا السورية. كما أنّ عدداً كبيراً من "اليوتيوبر" السوريين يستعينون بمقاطع فيديو لشخصية "أسعد" للتعقيب على حدث ما؛ إلا أنّ مسلسل "زواريب" هو أول من فكر بإعادة تركيب صوت الشخصية، وجعلها تنطق بما لم تنطق به.
قد يهمك أيضًا:
الحكومة النيبالية تؤكد أن 1426 من مواطنيها لقوا حتفهم في قطر منذ عام 2010
صحافيون مكسيكيون يطالبون بحمايتهم بعد مقتل 3 من زملاءهم في اقل من أسبوع