القاهرة - سورية 24
حالة من القلق والترقب تسود الأوساط الصحافية المصرية في أعقاب ما أعلنه مجلس الوزراء من خطوات وقرارات لتطوير المؤسسات الصحافية المملوكة للدولة، وعلى رأسها استغلال الأصول المملوكة لهذه المؤسسات لسداد الديون المتراكمة عليها، منذ سنوات، ووصلت وفقاً لتصريحات كرم جبر، رئيس الهيئة الوطنية للصحافة، إلى «19 مليار جنيه (الدولار يساوي 15.9 جنيه مصري تقريباً)»، إضافة إلى تراجع التوزيع، حيث لا يتعدى «عدد نسخ الصحف الورقية المطبوعة يومياً 350 ألف نسخة»، بحسب بعض موزعي الصحف.
والمؤسسات الصحافية القومية، أبرزها «الأهرام»، و«الأخبار»، و«روز اليوسف»، و«دار الهلال»، كانت في الأصل مؤسسات خاصة، حتى أصدر الرئيس الراحل جمال عبد الناصر قانون تنظيم الصحافة، في مايو (أيار) عام 1960، الذي نقل ملكية المؤسسات الخاصة إلى الدولة، وتمنح المادة 212 من الدستور الهيئة الوطنية للصحافة سلطة تطوير وتحديث المؤسسات الصحافية، وتنمية أصولها، وضمان استقلاليتها وحيدتها.
ويعتقد محمد علي إبراهيم، رئيس تحرير جريدة «الجمهورية» الأسبق، أن «الحكومة صمتت طويلاً على أزمة المؤسسات القومية حتى تفاقمت»، مضيفاً، أنه كان يمكن حل الأزمة بأكثر من طريقة، ومنها «بيع الأصول، لكن بالمزادات لتحصل المؤسسات على أعلى سعر بدلاً من بيعها للدائنين بأقل الأسعار».
وتقول «الهيئة الوطنية للصحافة»، إنها درست مخططات ومقترحات للتطوير طرحها رئيسها كرم جبر في اجتماع عقده الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء المصري، أخيراً، وتضمنت خطة التطوير محورين رئيسيين، الأول يتعلق بالرقمنة والثورة التكنولوجية، من خلال إنشاء بوابات إلكترونية للصحف، وتدريب الصحافيين على مهارات الإعلام الرقمي، وتسويق كنوز المؤسسات الصحافية القومية، أما المحور الآخر فيتعلق بإعادة الهيكلة والإصلاح المالي والإداري، من خلال الحصر الشامل للأصول، مع تحديد الأصول التي يتم بيعها سواء للاستثمار أو سداد الديون.
ويشير الدكتور حسن عماد، عميد كلية الإعلام الأسبق، إلى أن «تطوير المؤسسات الصحافية مطلب قديم، لكن رؤساء مجالس الإدارات ورؤساء التحرير تقاعسوا عن تحقيقه».
ويقول عماد لـ«الشرق الأوسط» إن «مشاكل الصحف القومية تتضمن ثلاث نقاط، وهي: الديون التي تلتهم أي عمل إنتاجي مهما كان حجمه، والإدارة، فمن يتولى الإدارة هم صحافيون محترفون وليسوا مديرين، وعدم تطور المحتوى».
بدوره، وصف ياسر رزق، رئيس مجلس إدارة مؤسسة «أخبار اليوم»، ما تم عرضه في الاجتماع بأنه «ملامح أفكار عرضها رئيس الهيئة الوطنية للصحافة معتمدة على أرقام تحتاج إلى التدقيق، كما أن هذه الأفكار تحتاج إلى أن تتحول لمشروعات قابلة للتنفيذ»، وقال، إن «هذه المقترحات ستتم مناقشتها ولا يستطيع أحد إجبار المؤسسات الصحافية على طرق سداد المديونيات الجزافية للدولة»، لافتاً إلى أن «هذه الديون متراكمة منذ عام 1960 وحتى 2006، وهناك من يسعى لتحصيلها دفعة واحدة بمنطق التاجر الشاطر وهذا غير ممكن، خاصة أنها تقديرات جزافية والديون الحقيقية لا تتعدى ثلث المبلغ المطلوب».
ويستعد النائب عبد المنعم العليمي، عضو مجلس النواب المصري، لتقديم طلب إحاطة للمجلس يتساءل فيه عن السبب وراء عدم إسقاط ديون المؤسسات الصحافية القومية، وقال العليمي لـ«الشرق الأوسط»، إن «الحساب الختامي للموازنة العامة للدولة عام 2016-2017 يقول إن هناك ضريبة متأخرة بقيمة 246 مليار جنيه مصري، بينها 121.8 مليار جنيه ديون عجزت الدولة عن تحصيلها، من بينها ديون المؤسسات الصحافية، والتي سقطت بالتقادم بموجب المادة 377 من القانون المدني»، مشيراً إلى أن «القانون المدني يسقط الديون التي يصعب تحصيلها بالتقادم، وكان يجب أن يتم ذلك مع ديون المؤسسات الصحافية القومية، لكنه لم يحدث؛ لذلك سأتقدم بطلب إحاطة في هذا الشأن».
وتساءل أحمد سعيد طنطاوي، صحافي ومدير منصات التواصل الاجتماعي بـ«الأهرام»، عن الشباب الذي قضى أكثر من 5 سنوات من عمره في التدريب ومصيرهم بعد قرار وقف التعيين، وقالخلال تصريح صحافي : «أعرف شباباً تجاوزوا فترة 9 سنوات تدريب في المؤسسات القومية، ولم يتم تعيينهم حتى الآن، فلو عُمّم القرار بمنع كل المتدربين فإن هذا يعتبر ظلماً لهم».
بدوره، قال رزق، إن «وقف التعيينات كان أحد الاقتراحات التي طرحتها الحكومة من وجهة نظرها، وهو أمر سيخضع للنقاش، وكل ذلك سيكون مسؤولية رئيس الهيئة الوطنية للصحافة»، معرباً عن أمله في أن يصدر قرار إعادة تشكيل الهيئات الإعلامية قريباً لتتولى الهيئات المختصة عملها في تنفيذ خطة التطوير.
لكن جبر أكد أن «القرار لا يمنع إمداد المؤسسات الصحافية بالعناصر الشابة»، مشيراً إلى أنه «تم تكليف المؤسسات الصحافية بحصر أعداد المتدربين ومدد تدريبهم والأعمال التي ينفذونها، يهدف لدراسة الخطوات التي يتم اتخاذها في هذا الشأن»، موضحاً أن «خطة الإصلاح تستمر 5 سنوات لعلاج مشاكل المؤسسات القومية».
ورغم أن التطوير مطلب قديم، فإن الخطة المقترحة لم تحظ بقبول الصحافيين؛ ما دفع نقابة الصحافيين المصريين للدعوة لعقد اجتماع لبحثها، وأصدر ضياء رشوان، نقيب الصحافيين المصريين، بياناً أكد فيه «أهمية دور الصحف القومية في حماية الأمن القومي»، وانتقد فيه «التطبيق المطلق والعام لمسألة وقف التعيينات، وقال: إن ذلك «يمثل مساساً خطيراً بمصير أعداد من الزملاء الصحافيين، نقابيين وغير نقابيين، قضوا سنوات طويلة من أعمارهم في خدمة الصحف القومية بتعاقدات متنوعة الأشكال، في انتظار التعيين بها حسبما تتابعت عبر السنوات الوعود لهم من القائمين عليها».
وقال الصحافي محمد سعد عبد الحفيظ، عضو مجلس نقابة الصحافيين، لـ«الشرق الأوسط»، إن «المؤسسات الصحافية القومية تحتاج إلى تطوير المحتوى والحصول على هامش حرية يسمح لها بإنتاج محتوى يجذب القارئ قبل الحديث عن وقف تعيينات أو منع المد فوق الستين»، وأضاف أن «على هذه الصحف أن تخاطب المواطن وليس السلطة إذا أرادت البقاء»، مشدداً بأن «الحاجة إلى تطوير المؤسسات القومية أمر لا يختلف عليه أحد، لكن المحتوى أولها، والخطوة المقترحة لن تؤدي إلى تطوير حقيقي».
وينتظر الجميع ما ستسفر عنه الأيام المقبلة بشأن تطوير المؤسسات الصحافية، وإعادة تشكيل الهيئات الوطنية التي ستكون مسؤولة عن التطوير، وبينما يطالب الصحافيون باستمرار دعم الدولة لهذه الصحف التي تساهم في الترويج لمنجزات الحكومة، وأن يسمح لهم باستغلال أصولهم بشكل استثماري مربح، جاءت ردود مسؤولي الحكومة حاسمة، حيث قال أحمد معيط، وزير المالية المصري، في بيان صحافي، إن «موازنة الدولة لم تعد تحتمل تقديم دعم لكل هذه الجهات، ومن ثم يجب الإسراع بالتطوير المطلوب».
- المفهوم... من ممارسات الماضي إلى معارضة الحاضر
> ظهر مفهوم الصحف القومية في مصر، في أعقاب قانون تنظيم الصحافة الذي أصدره الرئيس الأسبق جمال عبد الناصر عام 1960، الذي يقضي بضم ملكية الصحف الخاصة إلى الاتحاد القومي مع تعويض أصحابها الأصليين، لتخضع الصحافة المصرية للسيطرة المباشرة للدولة، وإن كان ذلك قد حدث بالفعل بعد ثورة 1952، حيث فرضت الرقابة الحربية على الصحف بدءاً من 25 يوليو (تموز) 1952، وجاء ذلك بالتزامن مع إلغاء الأحزاب السياسية، والذي نتج منه توقف الصحف الحزبية.
وخضعت الصحف القومية في فترة عبد الناصر للرقابة المباشرة، عبر رقيب متواجد في مقرات الصحف؛ لكنها حصلت على مساحة من الحرية بعد حرب عام 1967، وصدر بيان 30 مارس (آذار) عام 1968 لينص على حرية الصحافة، أعقبه صدور قانون نقابة الصحافيين عام 1970، وبعد تولي الرئيس الأسبق أنور السادات الحكم، ألغي الرقيب المباشر على الصحف، عام 1974، وحل محله رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير. ثم أصدر السادات قراراً بتشكيل المجلس الأعلى للصحافة، الذي تولى مسؤولية إصدار تراخيص الصحف، ووضع ميثاق شرف للصحافيين... ورغبة في إحكام السيطرة على الصحف القومية، أصدر السادات في مارس عام 1976 قراراً بإعادة تشكيل مجالس إدارات وتحرير هذه الصحف، التي لجأ بعض كتابها للكتابة في الصحف الحزبية المعارضة، والتي عادت للصدور بدءاً من عام 1978.
وظلت الصحف القومية خاضعة لسيطرة الدولة بشكل كامل، إما برقيب مباشر كما في عهد عبد الناصر، أو غير مباشر كما في عهد السادات، ومن بعده الرئيس الأسبق حسني مبارك... ومع انتشار الصحف المعارضة والمستقلة، بدأ الحديث عن تراجع دور الصحف القومية، وما نتج منه من أزمات مالية، دفع مجلس الشورى (الغرفة الثانية للبرلمان في عهد مبارك) إلى إصدار قرار عام 2009 بدمج بعض المؤسسات الخاسرة، وضمها إلى مؤسسات أخرى، في إطار خطة لإصلاح المؤسسات القومية، حيث تم ضم جريدة «التعاون»، والمجلة «الزراعية» إلى مؤسسة «الأهرام»، بينما تم ضم «المسائية» إلى «أخبار اليوم»، لكن الأزمات ما زالت قائمة حتى الآن.
قد يهمــك أيضــا: كرم جبر يواصل اجتماعاته بشباب الصحافيين لبحث إصلاح الصحف القومية
اتحاد الصحافيين العرب يدين استهدف الإعلاميين أثناء تغطيتهم عمليات الجيش السوري في حلب