واشنطن ـ يوسف مكي
استهلّ موقع "بيزنيس إنسايدر" مقالا للكاتب "هاريسون جاكوبس" يحكي فيه عن تجربته في زيارته للقاهرة قائلا: "لا أعتقد بأنني أدرك كيف هو الأمر عندما تعيش في مدينة ملوثة حقا إلا بعد أن ذهبت إلى واحدة".بدأ الكاتب مقاله قائلا: "كأميركي، لم أختبر قط مكانا مختنقا بالدخان. تعدّ نيويورك، وهي موطني، المدينة الأكثر تلوثا في القرن الحادي والعشرين، وفقا إلى دراسة حديثة أجراها خبراء البيئة، والتي جمعت بين البيانات المتعلقة بجودة الهواء والتلوث الضوضائي والتلوث الضوئي، وتأتي لوس أنجلوس، التي ذهبت إليها عدة مرات، في المرتبة العاشرة".
وأضاف: "لقد حصلت على تجربتي الأولى للحياة الضبابية في أبريل/ نيسان، عندما زرت شنغهاي وبكين الحاصلتين على المرتبة السابعة والثالثة على قائمة خبراء البيئة للمدن الأكثر تلوثا، وبينما كان التلوث ملحوظا إلا أنني رأيت صفاء السماء عدة مرات في هذه الرحلة بأكملها مع الأخذ في الاعتبار أنني كنت في المدينة خلال أفضل وقت في السنة نسبيا، من حيث التلوث حيث إن الشتاء في بكين، عندما يحرق الملايين من الفحم للحرارة، عندها يبدأ التلوث الحقيقي".
القاهرة واحدة من أكثر المدن تلوثا
يقول جاكوبس: "استقلت سيارة أجرة من مطار القاهرة في الأسبوع الماضي، مما دفعني إلى الدخول في الاختناق المروري للوصول إلى وجهتي، فباعتبارها مدينة تضم أكثر من 20 مليون نسمة، تعد القاهرة أكثر المدن كثافة سكانية في الشرق الأوسط والثانية الأكثر كثافة في أفريقيا.
ويبدو الأمر كذلك، حيث إن كل طريق عادي أو سريع، مكدس بالسيارات والدراجات النارية التي تقذف العوادم في الهواء بالإضافة إلى أصوات السيارات المزعجة، وسائقيها الذين يتحدثون بكل نوع من المحادثة التي يمكن تخيلها، وتتكاثر الأصوات الأخرى، من الصراخ على جانب الشارع إلى قعقعة البناء.. يبدو أن كل شارع يحتوي على موقع بناء أو مبنى قيد التجديد أو يجري بناؤه".
وأشار الكاتب إلى أن القاهرة هي المدينة الأكثر تلوثا في العالم، وفقا لتقرير خبراء البيئة حيث تحتل القاهرة في قاعدة بيانات جودة الهواء المحيط التابعة لمنظمة الصحة العالمية، والتي تركز على مقاييس جودة الهواء، المرتبة الثانية بالنسبة إلى ملوثات PM10، أو الجسيمات التي يبلغ قطرها 10 ميكرومتر أو أقل والجسيمات التي يبلغ قطرها 2.5 ميكرومتر أو أقرّ أنها تعد أسوأ أنواع الملوثات، وفقا لوكالة حماية البيئة، وأضاف "القاهرة ليست سيئة تماما، لكنها لا تزال تقترب من القاع".
ووفقا لموقع Arab News، يتكون التلوث الجسيمي من خليط من القطرات الصلبة والسائلة في الهواء، بما في ذلك الكبريتات والنترات والكربون. يعود السبب بشكل كبير إلى الطاقة التي تستخدمها المنازل وحركة مرور السيارات والتصنيع ومحطات الطاقة ويمكن أن يزيد الغبار الرملي أو الصحراوي من تلوث الهواء وفي حالة القاهرة، فإن المدينة تقع في وادٍ ولديها قطاع صناعي كبير، وأطنان من حركة المرور، بالإضافة إلى سوء إدارة النفايات.
وقال تيدروس أدانوم غبريسوس المدير العام لمنظمة الصحة العالمية في بيان بشأن أحدث تقرير له "تلوث الهواء يهددنا جميعا ولكن أفقر الناس وأكثرهم تهميشا يتحملون العبء الأكبر"، وفي المتوسط فإن سكان القاهرة يتنفسون الهواء الملوث الذي يحتوي على 11.7 ضعفا من المستوى الآمن الذي توصي به منظمة الصحة العالمية من مركبات PM2.5 و 14.2 ضعف المستوى الآمن لـPM10.
التلوث السيئ له تأثيرات فورية
تابع جاكوبس قائلا: "في غضون يوم واحد من التواجد في القاهرة، كانت آثار التعرض للتلوث غير ظاهرة، وعندما استيقظت في الصباح للبحث عن النافذة في الأيام القليلة الأولى، كان هناك ضباب كثيف بالمدينة، وبعد عدة ساعات من المشي في أحد الأحياء الأكثر خضرة جزيرة الزمالك ذات الكثافة السكانية المعتدلة، وجدت نفسي مصابا بجفاف شديد على الرغم من وجود قنينة ماء جانبي طوال الوقت. كان الطعم في فمي مريرا، كنت أشم رائحة الغبار، وعيناي أصابتهما الحكة.. الأمر يشبه وكأنك في موقع بناء، وسط نشارة الخشب أو الغبار في الهواء. بعد بضعة أيام، وجدت أن بشرتي، ملوثة بالغبار على كل خلايا وجهي".
وهذا فقط تلوث الهواء
قال الكاتب بموقع "بيزنيس إنسايدر": "يمكن القول إن تلوث ضوضاء القاهرة أسوأ من التلوث الجوي، رغم أنه نادرا ما يتم الحديث عنه. حيث وجد بحث Eco Experts أن القاهرة هي المدينة الأكثر صخبا، بعد غوانزو في الصين، ودلهي في الهند، وكشف تقرير صادر عن المركز القومي المصري للأبحاث أن التلوث بالضوضاء في القاهرة يصل إلى معدل يومي قدره 85 ديسيبل أو، حسب تعبير خبراء البيئة، "مثل قضاء يوم كامل داخل مصنع". حتى الساعة الثالثة صباحا، لا يتوقف الضوضاء".
وأضاف: "الصخب، الصراخ، وضوضاء البناء موجودة على الدوام، بغض النظر عن مكان وجودك في المدينة. إنها حرفيا تسبب الطنين بالأذنين. حتى لشخص مثلي عاش لسنوات فوق القضبان في القرية الشرقية النائية في نيويورك، إلا أنني أجد ذلك لا يحتمل".
يمكن دمج ذلك مع التلوث الضوئي حيث أفاد Eco Experts بأن القاهرة ثالث مدينة بها تلوث ضوئي، مع ضوء اصطناعي مضاعف لـ85 مرة أكثر سطوعا مثل السماء الطبيعية، وكل ذلك يجعل النوم ليلا سيئا.
وتابع جاكوبس: "في كل ليلة، كنت أنام بعد أن أسدل ستائر تعتيم قوية وأضع سدادات أذن. وما زلت أجد نفسي لا أحصل على نوم مريح. كل يوم، وأنا أستيقظ في منتصف الليل، وبالمقارنة لمدة ثلاثة أسابيع نمت بشكل جيد أثناء إقامتي في دولة الإمارات العربية المتحدة".
بمرور الوقت يكون للتلوث آثار مدمرة
قال جاكوبس: "كل هذا بعد أسبوع. تخيل أنك تعيش في القاهرة لبضعة أشهر أو سنة أو طوال حياتك".. "شريكتي، التي تتمتع برئة أكثر حساسية مني، أصيبت بالتهاب رئوي وعدوى في الجهاز التنفسي في منتصف الفصل الدراسي الذي درست خلاله في شنغهاي وعندما زرنا شنغهاي في أبريل، كانت قد أصيبت بسعال بعد يوم واحد في المدينة".
لا يزال الباحثون والعلماء يدرسون آثار التلوث على البشر، ولكن تم ربطه بالظروف الصحية مثل الربو وسرطان الرئة وأمراض القلب والسكتة الدماغية واضطراب الانسداد الرئوي المزمن، وفقا لمنظمة الصحة العالمية ووكالة حماية البيئة.
ويشك الباحثون في أن التلوث مرتبط بالسمنة والأرق والاكتئاب، فضلا عن التأثيرات على الجهاز المناعي والغدد الصماء والتناسل.
ووجدت إحدى الدراسات التي أجريت مؤخرا من مدرسة إحصاءات جامعة بكين للمعلمين أن التعرض الطويل الأمد للمواد الجسيمية كان مرتبطا بالانخفاض المعرفي في المشاركين في الدراسة مع تقدم العمر.
وردت الحكومة المصرية على تقرير خبراء البيئة بعد وقت قصير من نشرها، منتقدة منهجية الدراسة. لكن لا يوجد إنكار على التلوث في القاهرة.
وفي وقت سابق من هذا العام، أعلنت الحكومة عن خطة لخفض تلوث الهواء بمقدار النصف بحلول عام 2023، وبدأت مبادرة لزراعة مليون شجرة مثمرة في الأماكن العامة في جميع أنحاء البلاد.
ومن أهم قضايا التلوث في مصر منذ عام 1997 هو حرق المزارعين السنوي لبقايا قش الأرز من سبتمبر إلى نوفمبر، وهو ما يمكن أن يخلق "سحابة سوداء" فوق القاهرة. وللتصدي لهذه القضية، عرضت الحكومة شراء القش من المزارعين مقابل 3 دولارات للطن، حسبما قال محمد صلاح، رئيس جهاز شؤون البيئة المصري، في أكتوبر / تشرين الأول.
وقال صلاح "اليوم، انتهى موسم السحب السوداء، وجميع المواطنين في مصر يقولون أنهم لم يشعروا بأي مشكلة تتعلق بهذا، على عكس ما حدث في السنوات السابقة".
ويتابع جاكوبس قائلا: "بالنسبة إلى شخص أميركي مثلي في القاهرة، وجدت المدينة بمثابة تذكير صارخ بمدى الحظ الذي تتمتع به الولايات المتحدة عندما يتعلق الأمر بجودة الهواء والتلوث، وكم نحن نحمل عبء التصنيع العالمي وغيرها من الصناعات الملوثة في جميع أنحاء العالم.. عندما أخبرت أحد سكان بكين في أبريل أنني أتوجه إلى الريف خارج مدينة نيويورك عندما أريد هواء نقيا، نظر إلي بشكل لا يصدق. وقال: "عليك أن بالنسبة لنا مدينة نيويورك ذات هواءا نظيفا".
قد يهمك أيضًا
دراسة حديثة تُؤكِّد أنّ "تلوّث الديزل" يُعرقل نموّ الرئة لدى الأطفال