دمشق -سوريه24
اجتهدت الفنانة "ريم نبيعة" المفعمة حباً وشغفاً بالمسرح، لتعتلي تلك الخشبة المسكونة بالأرواح، فدخلت مشاهدة بدافع الفضول والاستكشاف لما خلف الستارة، لتخرج منه ممثلة مشبعة بالحياة، فقد آنست روحها المكان الذي جعل منها إنسانة قبل أن تكون فنانة.
مدونة وطن "eSyria" تواصلت بتاريخ 15 أيار 2019، مع الفنانة المسرحية "ريم نبيعة" لتحدثنا عن علاقتها مع المسرح، فقالت: «اسمي الفني "ريم أحمد نبيعة" وفي الأوراق الثبوتية "لينا"؛ أنا ابنة "اللاذقية" بنت البحر وبيارات الليمون، موهبتي وحبي للتمثيل كانا بمنزلة كمون غير مفعل ينتظر لحظة الشرارة الأولى لكي يعمل. لم تظهر ملامح معينة تشي بحبي للفن وأهله، كانت كل اهتماماتي تصب في المجال العلمي فقط، المصادفة المفتعلة والجميلة وفضولي لمعرفة ماهية ما خلف الستارة كانتا سبب وجودي في عالم الفن، حيث كنت قد سجلت دروساً لتعلم اللغة الفرنسية في المركز الثقافي آنذاك، وفي أحد الأيام دعاني صديقي؛ وهو زوجي الآن الفنان "فايز صبوح" لحضور "بروفة" لعمل مسرحي للأطفال كان بصدد التحضير له، وبعد أول حضور طلبت منه أن أحضر مرة أخرى، واعترفت له بأنني شعرت بأنني أنتمي إلى هذا المكان، وفي إحدى المرات حيث كنت أجلس في الصفوف الأخيرة، وأشاهد بشغف حركة الممثلين وتفاعلهم مع بعضهم ومع المشاهدين، وطلب مني المخرج أن أقترب منه وكان شيء بداخلي يخبرني بأنني سأكون معهم على خشبة المسرح، فتقدمت من المخرج مثل أرنبة خائفة، همس لي سائلاً: هل أحببت ما نفعل؟ فأجبته لقد أحببت ما تفعلون، فأخبرني بأنني سأشارك معهم، وعندها بدأت القفز والتصفير ونسيت كل من حولي من ممثلين، وكان هذا العمل المسرحي الأول في حياتي "الأميرة القبيحة" من إخراج "كمال قرحالي" عام1996. أحببت المسرح واتخذته منهج حياة وعمل، وأنا بمنتهى الفرح والرضا. لم يكن الهرب غايتي، كنت أريد أن أتنفس فقط؛ أن آخذ جرعات أوكسجين إضافية للعبور بسلام وخلال سنوات قليلة جداً أصبح رصيدي المسرحي أعمالاً موجهة إلى الكبار والصغار أعتز بتأديتها».
وعن الفائدة التي قدمتها دراستها الأكاديمية لعملها كممثلة قالت: «قصتي مع المسرح رحلة حياة، وليست مهنة احترفتها وحسب، للمسرح طعم ونكهة ورائحة ولون وروح. درست اللغة الفرنسية، ثم حصلت على دبلوم بالتربية وعلم النفس، وكان لدراستي دور كبير في فهم ودراسة الشخصيات التي لعبتها على خشبة المسرح، ولطبيعة عمل الوالد دور في اطلاعنا على عادات وتقاليد ولهجات العديد من المدن في "سورية"، فقد كنا ننتقل معه حيث كان الواجب العسكري يناديه. اجتهدت كي لا
يفوتني أي شيء في مجال المسرح، فلست خريجة معهد عالٍ للفنون المسرحية، وأيقنت تماماً أن الدراسة الأكاديمية لا تصنع ممثلاً مهما عظمت؛ إن لم يكن موهوباً. استهواني مسرح الدمى كثيراً؛ فهو من أصعب وأجمل الفنون، فاتبعت دورات مكثفة لتقديم أعمال تليق بفكر وذكاء الطفل، لكن -يا للأسف- مسرح الطفل في بلدي فقير، حتى إننا لا نستطيع أن نقول بكل جرأة إن لدينا مسرحاً للطفل، فهو على الهامش».
وعن شعورها وهي تقدم أعمالاً تليق بفكر الطفل وذكائه قالت: «أنا أمّ؛ وشعوري تجاه أطفالي وإحساسي بهم ومعهم، سهل من مهمتي، ومتعة التعامل مع الطفل لها نكهة خاصة لا تضاهيها أي متعة، ولكي ننجح بما نقدمه لأطفالنا يجب أن نحرك الطفل الذي بداخلنا لنتحدث بلغته، وهي لغة اللعب بعيداً عن الهرج والمرج المبتذل. كان لي تجربة أعتز بها كثيراً وأعدّها من أهم التجارب المسرحية في حياتي، حيث قمت بإخراج عمل مسرحي ضم ثمانية عشر طفلاً من جمعية "أرسم حلمي" الفنية، وعلى الرغم من الصعوبات التي مررت بها؛ فأغلب الأطفال لم يكن لديهم أدنى فكرة عن المسرح، كانت النتائج مذهلة بشهادة الجميع، فكانوا أكثر من رائعين، وأخطاؤهم كانت بمنزلة الصح فوق تلك الخشبة الكتيمة».
تكتب لتحيا، وعن دخولها عالم الكتابة قالت: «أنا أكتب لأحيا؛ لم أكن يوماً على موعد مع الكتابة، صحيح أنا قارئة جيدة، لكن لم أكن أعلم بأنها ستأخذني إلى عوالمها الغريبة والجميلة، وقد نجوت من الموت مرات ومرات بفضلها، فهي أشبه بسكب الروح على ورق أصم، وتدوير للأشياء والأوقات بطرائق شتى لتصبح صالحة للحياة. التحصيل العلمي لا يجعل من المرء كاتباً، ربما القراءات الكثيرة والثقافة الواسعة إضافة إلى الخيال والبراعة برسم الصور على هيئة كلمات من أهم الأسباب لجعل المرء كاتباً، ولكتابة سطر واحد من مقالة أو بيت شعر أحتاج إلى عمر إضافي وخيال قد يصل بي إلى أماكن لا تخطر في بال. نحن نقتل الإبداع بأي مجال عندما نجعل منه حرفة وباباً لكسب المال وحسب، والكتابة كما التمثيل فن وموهبة تصل بصاحبها إلى أعلى درجات التألق بالاهتمام والصدق والإيمان والتصالح مع الذات. من وجهة نظري أظن أن عالم التمثيل لا يختلف عن
عالم الكتابة، فهناك صلة قلب ورحم بينهما، وكل منهما يفضي إلى الآخر بطريقة أو بأخرى، فأنا أستبعد وأستغرب أن يكون الفنان لا يملك موهبة الكتابة».
الصحفية "سلوى عباس" المتابعة لأعمال "نبيعة" قالت: «استطاعت خلال مدة قصيرة من معرفتي بها أن تحتل في قلبي حضوراً جميلاً ومهماً، امرأة من شغف وحب؛ متألقة في أدوارها الدرامية حتى لو كانت المساحة صغيرة، وفي أحيان أخرى تشرق روحها عبر كتابات وومضات تدونها عبر مقال في الصحف أو عبر فضائها الأزرق الذي عرفتها أيضاً من خلاله، تنساب المفردات على صفحة روحها كما أغنية ترسم بحروفها حالات إنسانية بكل قلقها وارتياحها، حزنها وفرحها، أحلامها وانطلاقتها، فالكتابة بالنسبة لها فعل حب بالدرجة الأولى. أما من حيث عملها في المسرح وعلاقتها به، فأنا حضرت لها عدداً من الأعمال الموجهة إلى الأطفال، ومع كل عمل تبرز مقدرتها التمثيلية وامتلاكها مفاتيح مخاطبة اهتمامات الطفل ودخول عالمه، ولعل ما يحسب لها في هذا المجال تبنيها لمجموعة من الأطفال في جمعية "أرسم حلمي" بتهيئتهم مسرحياً عبر تدريسهم مبادئه، فتمنحهم من شغفها وحبها عبر تجربة جسدها هؤلاء الأطفال عملاً مسرحياً جاء نابضاً بالإدهاش والتشويق، والعمل الآخر حضرته منذ مدة قصيرة، ومن دون مبالغة تميزت إلى درجة ظننت أنني أحضر (مونودراما) هي بطلتها، وهذا يؤكد شموليتها لكل المجالات الفنية وامتلاكها أدواتها المسرحية بكل جدارة، ومن وجهة نظري، المسرح هو الاختبار الأول لأي فنان إذا أثبت حضوره على خشبته يستطيع أن يكون حاضراً في عمل فني آخر مهما كان هذا الفن».
المخرج المسرحي "لؤي شانا" الذي منح أهم الأدوار للفنانة "نبيعة"، قال: «منذ تخرجي في المعهد العالي للفنون المسرحية عام 1997 بدأت إخراج أول عرض مسرحي، وهو بعنوان: "موت موظف"، وكان لا بد لي من اختيار أفضل الممثلين كي يشاركوا في هذا العرض، وكانت الفنانة "ريم نبيعة" أحد هؤلاء الممثلين الذين أسهموا ليس في إنجاح هذا العرض المسرحي فقط، وإنما في إثراء الحركة المسرحية لما تملكه من طاقة كبيرة وموهبة فريدة، فهي من الفنانات اللواتي يعملن على الشخصية ويضفن إليها فتغني هذه الشخصية وترفعها، ولعل ما يساعدها على ذلك امتلاكها خاصية تميزها عن غيرها من الممثلات، فهي تمتلك ثقافة
واسعة في مجال المسرح والأدب والإعلام، وقد استثمرت هذه الخاصية في عملها المسرحي، وتفوقت بذلك على قريناتها، لذلك كنت مرتاحاً للعمل معها، فتكرر تعاوني معها في عروض مسرحية عديدة، وكان آخرها مسرحية "ما زالوا يغنون"، ولعل زواجها من الفنان الممثل والمخرج "فايز صبوح" قد وفر لها الجو الملائم للعطاء والتميز، وأتاح لها المجال والبيئة المناسبة للإبداع».
يذكر، أن "لينا أحمد نبيعة" من مواليد "دمشق" "قطنا" عام 1975، تقيم في "اللاذقية"، خريجة دبلوم تربية، عملت مع فرقة المسرح القومي في "اللاذقية" منذ بداية نشاطها، وبفضل ذلك تم تعيينها بمديرية المسارح بصفة ممثلة مسرحية. رصيدها المسرحي 17 عملاً مسرحياً، وعملت كمخرج مساعد، وكمساعد مخرج لعدد من المسرحيات، ولها مشاركات في مجال التلفزيون، ومشاركتان في مجال السينما.
قد يهمك أيضًا:
المارديني يوقع مجموعته القصصية الجديدة في معرض الكتاب
توقيع مجموعة رحيق العشق للشاعرة عبير غالب نادر في معرض الكتاب