بيروت - سورية 24
بإنتظار الكلمة الفصل للتحقيقات التي تتولاها اللجنة الادارية التي شكلتها الحكومة اللبنانية، فان المتداول أن ما حدث في مرفأ بيروت في 4 آب 2020 سببه انفجار 2750 طناً من نترات الأمونيوم تم تفريغها من سفينة “روزوس” في أيلول/سبتمبر 2014.
حسب الرواية الرسمية اللبنانية، فإن سفينة البضائع “روزوس” التي نقلت الشحنة، إنطلقت من جورجيا وكانت متجهة إلى موزامبيق وهي ترفع علم مولدوفيا. تعود ملكية السفينة إلى مقيم سابق في مدينة خاباروفسك الروسية القريبة من الحدود الصينية، ويدعى إيغور غريتشوشكين، ولكنه تخلى عنها في العام 2014 تاركاً أفراد الطاقم يواجهون مصيرهم بأنفسهم. كيف انتهى الأمر بالسفينة “روزوس” في مرفأ بيروت؟ وكيف أصبح أفراد الطاقم رهائن لسفينة مصادرة في لبنان
قبطان السفينة “روزوس” السابق بوريس بروكوشيف تحدث عن كل ذلك في مقابلة مع ” سيبر ريِالي”. فماذا يقول؟
-أخبرنا عن ظروف تسلمك قيادة السفينة “روزوس”؟
-“وصلتُ إلى هذه السفينة في مكان ما عام 2013. كنت أعيش في أوديسا (إحدى المدن الأوكرانية)، وقد عرضت عليّ إحدى الوكالات وظيفة قبطان في “روزوس”.
سبق أن عملت في هذه السفينة من قبل لمدة عام تقريباً. كان عملاً لمدة أربعة أشهر. السفينة صالحة للإبحار ولكنها ليست مريحة، والظروف (المعيشية) صعبة بالتأكيد… ولكن لديّ حاجة إلى العمل.. كان المالكون مختلفين، وهم من القبارصة.
انتقلت ملكية السيفنة إلى (الروسي) إيغور غريتشوشكين. عندما عُرضت عليَّ الوظيفة مرة أخرى في “روزوس”، قلت في نفسي: حسناً، مالك السفينة روسي. التقيت به كالمعتاد. ثم وصلت إلى الباخرة، حيث كانت في تركيا، قرب توزلا (احدى مناطق اسطنبول).
لاحظت أن الطاقم كله كان يتغير لسبب ما. بدا لي الأمر مثيراً للشكوك. سألت القبطان: “ماذا في الأمر؟”، فأجاب “كل شيء على ما يرام”.
تبيّن لي لاحقاً أن القبطان لم يخبرني بأي شيء عن هذه السفينة التي يغادرها الطاقم بسبب عدم دفع الرواتب. علمت في ما بعد أنهم اتصلوا بالاتحاد الدولي للبحارة شاكين عدم حصولهم على رواتبهم لمدة أربعة أشهر. حتى افراد الطاقم لم يخبروني بحقيقة الأمر! قالوا إنهم قرروا الاستقالة بعدما باتوا مضطرين للإبحار إلى موزمبيق، الدولة البعيدة، وهم لا يريدون ذلك. حسناً، ماذا عن موزمبيق بالنسبة لي؟ كلما كانت الرحلة أصعب، كلما كان بامكاني الحصول على المزيد من المال.
– ما نوع البضائع التي طُلب منك نقلها؟
-نترات الأمونيوم ، الملح الصخري. اسمدة. ابحرنا من تركيا إلى اليونان (بيريوس). في طريق الرحلة، تزوّدنا بالوقود وطلبنا ما نحتاجه لإكمال رحلتنا. وقّع غريتشوشكين على كل شيء، ولكن حين أرسلنا طلباً بتلقي الطعام وما عدا ذلك من مواد استهلاكية، قال إن ذلك يقع على عاتق الموردين، ولم يدفع. قال إنه لا يوجد مال. من بيريوس، طُلبَ منا الابحار إلى بيروت، لنقل بضائع إضافية على متن السفينة لكسب أموال إضافية. في بيروت، وجدت أن السفينة لم تكن تتحمل أية حمولة اضافية.
الباخرة قديمة! باختصار، أعربت عن رفضي للأمر، لكنه (غريتشوشكين) أصر وارسل إليّ طالباً مني تسوية الأمر بطريقة ما. أرسلت له صور السفينة، ولكنه لم يهتم! سعينا للحفاظ على الحالة التقنية للسفينة، ولم نرد أن نغرق فيها. أصريت على موقفي، فطلب مني الابحار إلى لارنكا في قبرص. لكن السلطات اللبنانية أوقفت السفينة بسبب عدم دفع رسوم ميناء بيروت. لا اعرف المبلغ الذي كان مطلوباً.
بالإضافة إلى ذلك، اكتشف افراد طاقم السفينة أن زملاءهم السابقين لم يُدفع لهم، فقرروا الإضراب: لن نذهب إلى أي مكان! من حيث المبدأ، كان من الممكن إقناع الطاقم بالوصول إلى قبرص، لكنهم لم يسمحوا لنا بالخروج من بيروت. تمكن جزء من الطاقم من مغادرة لبنان، لكنهم رفضوا الإفراج عني إلى جانب كبير المهندسين ومساعده وكبير البحارة.
بقينا هناك لمدة 11 شهرا! لم نتلق أي سنت. ولم يشتر لنا (المالك) حتى طعاماً. يمكن القول أنه تم تركنا في وضع خطير عن علم، ومحكوم علينا بالجوع.
كان القائمون على الميناء يطعموننا. كان من الممكن إقناع الطاقم بالوصول إلى قبرص، لكنهم لم يسمحوا لنا بالخروج من بيروت. تمكن جزء من الفريق من مغادرة لبنان، لكنهم رفضوا الإفراج عني، وعن كبير المهندسين، وعن المهندس الثالث وعن زوارق السفينة.
– هل لجأت إلى السلطات الروسية للحصول على المساعدة؟
-كنت أكتب إلى بوتين كل شهر. كتبت أن وضعنا أسوأ من وضع السجناء. السجين يعرف متى سيطلق سراحه، لكننا لم نكن نعرف متى سيفرج عنا! أو حتى هل سيفرج عنا أم لا! كان الجواب رداً رسمياً: تم إرسال استئنافك إلى وزارة الخارجية. قالت لي القنصلية: هل تريد أن يرسل بوتين قوات خاصة ليتم الإفراج عنكم بالقوة؟ كان بإمكانهم تعيين محام أو رفع دعوى قضائية ولكنهم لم يفعلوا شيئاً. نتيجة لذلك، قمنا ببيع الوقود بأنفسنا، وكلفنا محامياً، رفع دعوى قضائية ضد السلطات اللبنانية، لأنه لم يكن لديها الحق باحتجازنا، حيث أن عقودنا انتهت بالفعل. لاحقاً، سمحت لنا المحكمة (اللبنانية) بالمغادرة.
– ألم يتصل بكم غريتشوشكين؟
– إطلاقاً… لكن الشيء الوحيد الذي فعله هو تمهيد الطريق إلى أوديسا عندما سُمح لنا بالمغادرة.
– كان يعيش في قبرص في ذلك الوقت؟
-نعم، كان لديه تصريح إقامة هناك. هو مواطن روسي من خاباروفسك. لا أعرف متى غادر روسيا. عندما عدنا إلى بلدنا، حاولت مقاضاته، لأن القانون الروسي ينص على أن عدم قيام صاحب العمل بدفع الرواتب لموظفيه هو جريمة جنائية. رفعت دعوى قضائية في محكمة خاباروفسك. لكنها رُفضت. قالوا: قدمها في في مكان اقامته أي في قبرص.
– كم هو مدين لك؟
– لي شخصياً بستين ألف دولار، ولكبير المهندسين بحوالي خمسين الفاً، للمهندس الميكانيكي الثالث نحو عشرين ألفاً، ولكبير البحارة حوالي عشرة آلاف. أعلم أنه عندما قام بتحميل الشحنة في باتومي (مدينة جورجية على البحر الأسود) حصل على مليون دولار. قال لي القبطان السابق ذلك. وفجأة بعد شهر نفد المال. بالمناسبة، السفينة نفسها، لو باعها، لأمكنه الحصول على 350 ألف دولار، لكنه فضل التخلي عنها والحصول على المليون دولار.
– ومن الذي دفع له هذا المليون؟
– عملاء من موزمبيق. الشيء الأكثر إثارة للاهتمام هو أنني لم أقلق في البداية. كنت أعتقد أن العملاء لا يزالون في حاجة إلى البضائع، وانهم سيطلبونها. سيطالبون بالبضائع، لأنهم دفعوا مليون دولار لنقلها… لكن المشترين لم يتحركوا!
– ماذا حصل بعد ذلك للشحنة؟
– بعد مغادرتنا تم تفريغ الحمولة في المستودع تحت مسؤولية وزارة النقل اللبنانية. علمت بذلك من البحارة الذين أتوا إلى بيروت. في نهاية المطاف، غرقت الباخرة (منذ عامين أو ثلاثة). كان بها ثقب صغير، وكان من الضروري اجراء عمليات صيانة لها، ولكن طالما أنه لم يكن هناك أي طاقم، فلا احد يفعل ذلك.
– ما رأيك في ما حدث في بيروت في 4 آب/أغسطس 2020؟
-اللوم يقع عليهم في الدرجة الأولى. لم يكن هناك جدوى من احتجاز هذه السفينة، كان من الضروري التخلص منها في أقرب وقت ممكن! الأمر الآخر، نحن نتحدث عن نترات الأمونيوم والأسمدة، التي كان ينبغي أخذها إلى مكان بعيد. ولكن لم يهتم أحد بطبيعة البضائع!
قد يهمك ايضا:
سيناريو انفجار بيروت 2020 يُعيد إلى الأذهان أحداث تكساس 1947