دمشق-سانا
إذا كانت مدينة حلب عرفت بأنها مهد الموشح ومنطلقه في العصر الحديث ليظهر بعدها ما يسمى “الموشح الحلبي” فإن فضل ذلك يعود للموسيقي العبقري ابن الشهباء عمر البطش الذي يعد عملاق الموشح العربي في القرن العشرين.
وتحتفي دار الأسد للثقافة والفنون بالفنان البطش اليوم عند الساعة السادسة بأمسية موسيقية مخصصة لأعماله للتذكير بإبداعه الموسيقي الذي قدم خلال نصف قرن مجموعة بديعة من الموشحات إضافة إلى إبداعه في رقص السماح الذي جعل منه فنا راقيا بعد أن طور فيه واخرجه من إطاره الديني وجعله فنا قائما بذاته فأدخل فيه وصلات وحركات جديدة.
ظهرت علامات نبوغ البطش الموسيقية الذي ولد في مدينة حلب عام 1885 منذ طفولته إذ امتلك صوتا جميلا كما رافق خاله بكري القصير الذي كان منشدا بارعا إلى حلقات الذكر حيث تعلم منه كما ذكر الكتاب التوثيقي مبدعو الألحان السورية في القرن العشرين للباحث الموسيقي أحمد بوبس بعض الألحان وحفظ التواشيح الدينية.
بعد ذلك تتلمذ على أيدي أقطاب الموسيقا في حلب وتعلم منهم المقامات الموسيقية والأوزان والإيقاعات وأوزان رقص السماح وطرائقه ثم عمل ضاربا للإيقاع في مسارح حلب وفرقها الموسيقية ليبدا معها أولى مراحل التلحين فتوافد المطربون إليه لغناء ألحانه.
في عام 1947 بدأت إذاعة دمشق إرسالها وافتتح معهدا موسيقيا تابعا لها فاستدعاه فخري البارودي إلى دمشق لتدريس الموشحات ورقص السماح في المعهد والاستفادة من خبرته في الاذاعة فتتلمذ على يديه في المعهد مجموعة من الطلاب أصبحوا فيما بعد من إعلام تلحين الموشح في سورية منهم الشقيقان عدنان وزهير منيني وسعيد فرحات وبهجت حسان وعمر العقاد.
ومن أهم طلاب البطش الفنان المصري سيد درويش الذي زار سورية مع فرقته عام 1914 لتقديم عروضه المسرحية حيث تعلم منه أساليب تلحين الموشح وأوزانه وإيقاعاته التي لم يعرفها درويش من قبل ليعود إلى مصر ويلحن مجموعة من الموشحات منها يا شادي الألحان ومنيتي عز اصطباري ويا بهجة الروح.
في عام 1949 عندما بدأت إذاعة حلب إرسالها استدعته إدارة الإذاعة ليقوم بتدريب كورالها على غناء الموشحات وكان من أفراد الكورال صبري مدلل وصباح فخري ومصطفى ماهرواستمر عمله في إذاعة حلب حتى رحيله سنة 1950.
البطش الذي كان يحفظ أكثر من ألف موشح بكلماتها وألحانها بلغ عدد الموشحات التي لحنها 134 ضاع قسم منها وبقي عدد من روائع ما وضع بهذا الفن منها “صاح قم للحان” و”يمر عجبا” وغيرها الكثير.