واشنطن - يوسف مكي
كانت خطة الصحفي الأميركي جيسون رضيان بصفته رئيس مكتب واشنطن بوست في طهران إمتاع القراء بحكايات مبهجة عن إيران المغلقة بشكل كبير أمام العالم الخارجي، وكان رضيان ينتوي نقل القصص إلى القراء وليس أن يصبح هو جزء من قصة أخرى،ويعتبر رضيان واحد من أكثر الصحافيين المؤهلين لإخبار القراء بالقصص بوصفه ينتمي إلى أم أميركية وأب إيراني، إلا أن خطة رضيان توقفت قبل 6 أسابيع عندما كان يصور فيلم " أجزاء غير معروفة" الذي يناقش الثقافة والتراث الإيراني مع أنتوني بوردان، ثم أعتُقل رضيان من قبل السلطات الإيرانية في 22 يوليو/ تموز 2014، وأدين بالتجسس في محاكمة مغلقة في إيران عام 2015.
وكانت الاتهامات الموجهة إلى رضيان قاسية، ففي طهران أتُهم بأنه جاسوسًا أميركيًا على رأس وكالة المخابرات المركزية الأميركية، ففي إيران دولة الملا يعتبر الأميركيين أعداء النظام الإيراني اللدود، وأخبر رضيان أنه في حالة اعترافه بكل شيء يمكنه الرحيل إلى الولايات المتحدة، لكن رضيان أصر على أنه مجرد صحافي وليس عميلا لوكالة المخابرات المركزية، ولم يكن ذلك ما ترغب في سماعه السلطات الإيرانية، لذلك ألقي رضين في الحبس الانفرادي وأصبح معزولا تماما عن العالم بلا محام أو راديو أو تليفزيون.
وفي حديث له مع "بزنس انسيدر" انتقد رضيان بشدة النظام متحدثا عن الظلم والإرهاب، وهي نفس الكلمات التي تأتي على ذهن ترامب عندما يتحدث عن إيران، وينأى رضيان بنفسه عن سياسات الرئيس ترامب بشأن إيران واصفا إياها بأنها "مضللة وغير مطلعة".
اقرأ ايضا :
"واشنطن بوست "حلفاء ترامب الأوروبيون يرفضون إبقاء قواتهم في سورية بعد الانسحاب الأمريكي منها
ويمكن استيعاب قصة رضيان في سياق المشهد السياسي الكبير، حيث تعكس قضيته الصرار المرير على السلطة بين إيران والولايات المتحدة وفي ثنايا القيادة الإيرانية ذاتها، ويتزامن اعتقال رضيان مع الوقت الذي طرح فيه أوباما سياسات انفراج جديدة تجاه إيران ما أدى إلى مفاوضات صعبة بشأن البرنامج النووي للبلاد، وتلقت إيران تعليمات جديدة بتجميد البرنامج كما طالب الأمريكيون، ويصبح السؤال هنا بشأن تكلفة ذلك.
وانقسم النظام الإيراني ذاته إلى قسمين، الأول هم المعتدلون حول الرئيس حسن روحاني الذين أرادوا انفتاح البلاد، والثاني هم قسم المحافظين يمن فيهم الحرس الثوري الغيراني الذين لا يثقون بالولايات المتحدة الأمريكية ورفضوا الثفقة، وأخيرا المرشد الأعلى الإيراني على خامنئي وهو الرجل الأقوى في الدولة والذي اتخذ موقفا وسطا بين القسمين، وأصبح رضيان بطريقة ما بيدق المحافظين في صراعهم على السلطة مع المعتدلين، وفي الوقت نفسه كان بيدق في مفاوضات إيران النووية مع الولايات المتحدة.
وحظي رضيان بحلفاء أقوياء متمثلين في عائلته وفريق واشنطن بوست، والذين ضغطوا على حكومة الولايات المتحدة والنظام الإيراني لإطلاق سراحه، إلا أن حراس السجن حاولوا إقناعه بأن الجميع تخلى عنه، ويقول رضيان "كانت مهمتهم غرس الخوف داخلي، من خلال وضعي في الحبس الانفرادي، كانوا يرغبون في تضليلي وفصلي عن الواقع الخارجي"، وبعد انقضاء49 يوم انتهى الحبس الانفرادي ووضع رضيان مع سجين آخر، حيث أمكنه مشاهدة التليفزيون الحكومي الإيراني، وتابع رضيان " بث التليفزيون العديد من الدعاية، لكن الأمور أصبحت واضحة، لم أستطع فهم ما يحدث بالضبط لكني فهمت على الأقل أن هناك محاولات لتحريري".
ومن الغريب أن الحكومة الإيرانية المعتدلة أصبح لديها شكوك بشأن الاتهامات الموجهة ضد رضيان، حتى أن وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف وصفه بأنه "مراسل جيد" وفقا لصحيفة واشنطن بوست، وأعرب عن أمله في تبرئة رضيان في المحكمة، إلا أن ذلك لم يحدث، حيث حُكم على رضيان بالسجن في أكتوبر 2015 لمدة غير محددة، إلا أن أزمة رضيان انتهت فجأة كما بدأت في 16 يناير 2016 بعد قضاء 544 يوما في السجن.
ويقول رضيان متذكرا وقت اعتقاله: "شعرت بخيبة أمل شديدة لأنني كصحفي معروف أغطي أخبار البلاد بشكل قانوني وشفاف تعرضت للمعاناة لفترة طويلة، وكان غضبي موجه دائما للأشخاص الذين أخذروني كرهينة والأشخاص داخل النظام الإيراني، وكنت أتمنى في ذلك الوقت أن تفعل الحكومة الأمريكية المزيد من أجلي"، وعلم رضيان فيما بعد أن إدارة أوباما أمضت شهورا في التفاوض على إطلاق سراحه سرا وبشكل منفصل عن المحادثات النووية.
وعلى الرغم من الظروف القاسية التي مر بها رضيان إلا أنه يبدو محظوظان حيث أتاحت الصفقة النووية فتح صفحة جديدة في العلاقات بين إيران والولايات المتحدة، وربما لم يكن من قبيل الصدفة إطلاق سراح رضيان، وتوقيع الاتفاق النووي في نفس اليوم، وأضاف رضيان "كان التوقيت مهما للغاية"، وأعلن أوباما حينها "لقد حققنا هذا الإنجاز التاريخي من خلال الدبلوماسية دون اللجوء إلى حرب أخرى في الشرق الأوسط"،إلا أن ملامح المشهد الأمريكي تغيرت حيث لم يعد أوباما في الحكم، وأصبح دونالد ترامب الرئيس الأمريكي.
وانتهت سياسات الانفراجة ووضعت الولايات المتحدة إيران تحت ضغط هائل، وفي المقابل تفاعلت إيران، وأصبح الأمريكيون مرة أخرى مجددا سجناء في أرض الملا، وتبدو فرص إطلاق سراحهم ضئيلة، وأوضح رضيان " عندما انسحب ترامب من الصفقة النووية أول ما فكرت فيه أن الأمريكيين المحاصرين في إيران سيظلوا عالقين هناك لفترة طويلة جدا، وتتضاءل فرص إطلاق سراحهم، وهذا ما يكسر قلبي".
وانتقد رضيان جهود الحكومة الأمريكية الحالية لعزل إيران عن بقية العالم، مضيفا " كان الاتحاد السوفيتي أكبر عدو للولايات المتحدة في الحرب الباردة ولكن كانت هناك دائما محادثات واتصالات"، إلا أن العلاقات بين إيران والولايات المتحدة أصبحت مختلفة إلى حد كبير الآن، حيث يتبادل الجانبان التهديدات، وقال رئيس الوزراء الإيراني حسن روحاني العام الماضي "إن على الأمريكيين أن يدركوا أن الحرب مع إيران هي أم كل الحروب، وأن السلام مع إيران هو أم السلام ككل" وفقا لما أشارت إليه رويترز.
ورد ترامب بتغريدة كتبت بحروف كبيرة على تويتر " إياك أن تهدد الولايات المتحدة أبدا وإلا ستعاني من عواقب مثل تلك التي عانت منها قلة على مر التاريخ"، وتبذل الولايات المتحدة قصارى جهدها لعزل إيران وشل اقتصاد البلاد بالعقوبات، كما أن حظر السفر الذي أصدره ترامب يمنع الإيرانيين من القدوم إلى الولايات المتحدة، وأضاف رضيان " لقد قطعنا كل الاتصالات الإنسانية، وفي الوقت نفسه تقول الحكومة الأمريكية إنها تدعم تطلعات الشعب الإيراني، لكن كلامها لا يتفق مع أفعالها، فالعقوبات والقيود المفروضة على تنقلات الشعب الإيراني لا تعيق النظام لكنها ببساطة تعززه".
وأوضح رضيان أنه على العالم السماح للعب الإيراني بأن يكون لهم رأي، معربا عن تفضيله سياسات أوروبا تجاه إيران عن سياسات ترامب، مضيفا " ربما ترى أوروبا في إيران شريكا محتملا يمكن العمل معه فيما يتعلق بقضايا التجارة والأمن الإقليمي، وهو ما لا تستطيع فعله إدارة ترامب، كما تدعم من ناحية أخرى نظام المملكة العربية السعودية الذي يقال أنه قتل الصحفي جمال خاشقجي، ويشن حربا غير إنسانية في اليمن، على الأقل تدرك أوروبا أنه يجب تعديل ميزان القوى في الشرق الأوسط".
وتوجد مشاكل لدى أوروبا مع إيران، فهناك أربعة مواطنين ألمان محتجزين حاليا في سجون ايران، ولم يتضح عدد المعتقلين لأسباب سياسية، ولا تخجل إيران من إلقاء مواطني الاتحاد الأوروبي في السجن لأسباب غير واضحة تماما.
واستأنف رضيان وظيفته في كتابة القصص بشكل أفضل، حيث نشر كتابه "سجين" في يناير هذا العام، حيث سرد فيه تفاصيل وقته في سجن إيران الأكثر شهرة، كما طرح فيه صورة أكثر شمولا عن إيران، وتمسك رضيان بعلاقاته مع إيران بطريقة أخرى، فلا يزال يكتب عموده في واشنطن بوست عن السياسة الإيرانية، لكنه لم يخاطر بالعودة مرة أخرى منذ 2016.
قد يهمك ايضا :
"واشنطن بوست" الفضائح تطارد ترامب وتغطي على زيارته إلى فيتنام
"واشنطن بوست" ترامب يحاول استغلال قضية الجدار الحدودي لكسب نقاط في الانتخابات الرئاسية 2020