القدس المحتلة-سورية24
في معركة مثيرة مع الحياة ،ومسيرة متزاحمة الأحداث ،خاض الطبيب والناشط المجتمعي محمد ظاهر من مخيم جباليا الكثير من الأحداث الهامة التي تركت بصمتها في حياة المواطنين في قطاع غزة ،فمن محاولات إنقاذ حياة قائد حركة حماس الراحل أحمد ياسين ، والقيادي البارز في الحركة عبدالعزيز الرنتيسي بعد اغتيالهما من قبل طائرات إسرائيلية في العام 2004 ، مروراً بأحداث الانقسام الأسود والحروب الإسرائيلية الثلاثة على القطاع ،وتعرضه للاعتقال السياسي بسبب مساندته للمطالب المعيشية للشباب في القطاع واختلافه السياسي مع حركة حماس ،وانتهاء بتواجده ضمن الفريق الطبي في مستشفى رفح الميداني المخصص لعلاج مصابي فيروس كوفيد 19.
ولد الدكتور محمد ظاهر في مخيم جباليا لوالده حسين ظاهر أحد الأساتذة المعروفين في المخيم والمعتقل من الاحتلال في خمسينيات القرن الماضي لمناهضته مشروع التوطين برفقة الشيوعيين،ونشأ في المخيم ثم اعتقل من الاحتلال بعد انهائه لمرحلة الثانوية العامة وخرج من المعتقل ثم غادر للاتحاد السوفييتي إلى جمهورية أوكرانيا لتلقي دراسة الطب هناك وعمل طبيب عناية مركزة مختص منذ عام 2004 حتى هذه اللحظة.
عن اللحظات الصعبة التي واجهها ،يقول د.ظاهر لـ"الجديد الفلسطيني": كنت في إحدى ليالي المناوبة في مجمع الشفاء قسم العناية المركزة وفي ساعات الفجر سمعنا أصوات إسعافات كثيرة فهرعنا إلى قسم الاستقبال والطوارئ واذا بأعداد كبيرة من الشهداء والجرحى يصلون المكان حتى أن قسم الاستقبال لم يكفي للحالات مما اضطرنا لوضع بعضها على الأرض.
وأضاف:عرفنا في ذلك الوقت أن أحد هؤلاء الشهداء هو الشيخ أحمد ياسين وبدأنا بمحاولات الإنقاذ ولسوء الحظ كانت الحالات خطيرة جدًا وجميعها استشهد باستثناء حالة أشرفت عليها وبقيت على قيد الحياة.
ويكمل حديثه،وفي ليلة أخرى كنت فيها مناوب أيضًا جاءنا عدة حالات تعرضت لقصف إسرائيلي مباشر، وبدأنا في قسم العناية المركزة بمحاولات الإنقاذ للحالات الخطيرة وكان هناك رجل خمسيني ممدد على السرير ونحاول إنعاشه عبر التنفس الصناعي وكنت أقف خلف رأسه كعادة الأطباء في الإنعاش ولم أتمكن من رؤيته.
وأضاف:لاحظنا أنا وزملائي أن الشخص الممدد على السرير يحاول الإيماء بيده بأنه لا يريد المساعدة وكأنه يقول أنا انتظر هذه اللحظة منذ زمن بعيد، وبعد التدقيق في وجهه تبين أنه الدكتور الشهيد عبد العزيز الرنتيسي فهرعنا به إلى غرفة العمليات إلا أنه فارق الحياة في الطريق.
اللحظات الصعبة في مسيرة ظاهر المهنية والإنسانية لم تنتهِ هنا ، بل كانت البداية ،فظاهر عايش كغيره من سكان قطاع غزة ثلاثة حروب إسرائيلية مدمرة ،غير أن عمله في الصفوف الأولى فرض عليه معاينة الاف الشهداء والجرحى والاحتكاك المباشر بهموم وأحزان الناس.
يقول د.محمد ظاهر:مهنة الطب هي مهنة انسانية بالدرجة الأولى فهي شعور مباشر بآلام وأوجاع المواطنين ومن هذا المنطلق كنت مشتركًا في جميع الحراكات التي كانت تدعو إلى العيش بحياة كريمة وانهاء الإنقسام.
وأكمل:تعرضت هنا على يد حكومة غزة للاعتقال لأكثر من خمس مرات ،بسبب المشاركة في هذه الحراكات،وتم كسر يدي أثناء التعذيب في إحدى المرات وتحديداً خلال "حراك بدنا نعيش" وللمطاردة لثلاث مرات دون أي تهمة سوى التصميم على الوقوف بجانب شعبنا والمواطنين والمقهورين وتحقيق آمالهم بالعيش.
يضيف: في جميع الأوقات كنا عونا لشعبنا ولم نحارب سوى الاحتلال ولا نوجه لومنا سوى للاحتلال ولكن طالما أننا نعيش حصاراً في قطاع غزة فيجب أن يكون الحصار على الجميع وليس على فئة دون غيرها.
وعن دوره في مواجهة جائحة كورونا التي تجتاح العالم قال ظاهر: في الوقت الذي رفض فيه بعض الزملاء من العنايات المركزة في محافظات القطاع الذهاب لمشفى الحجر الصحي الخاص بالمصابين برفح كنا أنا وبعض الزملاء الآخرين من المبادرين لخدمة أبناء شعبنا دون التفكير في أي حسابات أخرى.
وأوضح ظاهر الذي يتواجد برفقة زملائه في مستشفى رفح الميداني لليوم العاشر حيث أمضوا خمسة أيام من شهر رمضان داخل مستشفى كورونا:نقوم بارتداء كل ما يلزم للوقاية من الإصابة بالعدوى من الأفرهول حتى النظارات الزجاجية والتعقيم بالكحول والكلور،ونتابع مع المرضى كل ما يلزمهم من اجراءات صحية وطبية،ونحاول بث الأمل في نفوسهم وتقوية عزيمتهم.
وعن صعوبات العمل ضمن فريق مواجهة كورونا يقول ظاهر:تعودت كطبيب أن أنظر في عيون مرضاي لأشعر بمدى الألم الذي يعيشونه والقول لهم أن هذا الألم سيزول،ولكن هذه المرة الأمر مختلف بعض الشيئ فبارتداء النظارات الزجاجية والتي تحجب النظر مع الهواء الذي يخرج من النفس،أكاد لا أرى تفاصيل وملامح المرضى أو تعبيرات وجوههم.
ويختم الطبيب محمد ظاهر حديثه لـ"الجديد الفلسطيني" مؤكداً :كنت في جميع المحطات بجانب أبناء شعبي من منطلق وطني ومن منطلق انساني وسأبقى كذلك أناضل من أجل حريتهم وعلاجهم والعيش بحياة كريمة.
قد يهمـــك أيضـــا: