الشارقة - سورية اليوم
بات التنمر المدرسي الذي عرّفه المختصون بأنه نوع من أنواع السلوك العدواني الذي يصدر من الطالب بدوافع شتى، ظاهرةً مقلقةً في البيئة التعليمية لا سيما أنه يفضي إلى مجموعة من التأثيرات السلبية سواء على المتنمِّر أو الذي يقع عليه هذا السلوك على غرار الغضب والاكتئاب والتوتر الذي قد يفضي إلى الانتحار، ناهيك بأن المتنمر قد يصاب باضطرابات اجتماعية مختلفة مقلقة لا يحمد عقباها. وليس ببعيد عن ذلك، الحادثة التي وقعت مؤخرا في إحدى الحافلات المدرسية في الشارقة والتي أظهرت تنمر عدد من الأطفال على زميلهم والتي انتشرت عبر مواقع التواصل الاجتماعي، لتنبري من خلالها فعاليات قانونية وتربوية واجتماعية للتأكيد على أهمية تعيينات نوعية للمشرفين لا سيما في الحلقة الثانية التي يغيب عنها المشرفون بحكم العقد بين مواصلات الإمارات والمدارس الحكومية، فقد أفضت دراسة أعدّها مركز خدمات المدارس بمواصلات الإمارات أن هناك حاجة ملحّة لتعيينات للمشرفين في الحلقة الثانية، بالإضافة إلى أهمية إخضاع الطلبة لبرامج تعديل سلوك بالتعاون مع الأسرة.
إجراءات
وفي حيثيات حادثة التنمر التي وقعت في الحافلة المدرسية فقد باشرت شرطة الشارقة إجراءاتها باستدعاء أولياء أمور الطلبة للتحقيق في الواقعة، ومعرفة الدوافع المؤدية إلى ذلك، وذلك بالتعاون مع إدارة المدرسة والجهات التعليمية والتربوية، وتم اتخاذ الإجراءات القانونية حيال الحادثة، حرصاً منها على مكافحة الظواهر السلبية، ودرء مخاطرها ومنها التنمر.
وشدّدت شرطة الشارقة على أهمية الدور الذي تلعبه العائلة وأولياء الأمور والمعلمون وأفراد المجتمع في مقاومة التنمر، يتحمّل كل فرد مسؤولية اجتماعية في التصدي لأية حالة تنمر يشهدها، والتدخل لإيقافها، والوقوف مع الضحية، أو حتى إبلاغ الجهات المختصة لو لزم الأمر.
اقرا ايضا:
"العربي للطفولة" يستعرض مخاطر "التنمر الإلكتروني" على الصغار
ودعت كل شرائح المجتمع إلى الاستخدام الآمن لوسائل التواصل الاجتماعي وكل التقنيات الحديثة، وذلك من خلال عدم تبادل المعلومات أو تصوير الأشخاص عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وضرورة التنبه لخطورة المشكلة والعمل على مكافحتها من خلال تعزيز الجانب التكاملي بين أفراد المجتمع.
نظرة قانونية
وصف المحامي الإماراتي علي مصبح أن ما تم نشره على برامج التواصل الاجتماعي حول واقعة تنمر طلبة على زميلهم داخل حافلة مدرسية مؤثر جداً، مشيراً إلى أنه طبقاً لما تمّ تداوله من حادثة الاعتداء فإن قانون الأحداث الجانحين والمشردين نظم الأمر، فحسب المادة (8) فإنها تنص على إنه إذا ارتكب الحدث الذي أتم 16 عاماً جريمة فإن القانون يعاقب عليها وفق قانون الجزاء أو أي إجراء يتخذه للقاضي بحسب ما يراه من التدابير المنصوص عليها في هذا القانون بدلاً من العقوبة المقررة.
وأضاف: على ما تقدم فإن الواقعة ينظمها قانون العقوبات الاتحادي ولكن يقودها في ذلك قانون الأحداث، أي أن العقوبة تنظرها المحكمة لاتخاذ المناسب من الإجراء، ولا يحكم على الحدث بعقوبة مغلظة كالسجن أو العقوبة المالية، وعلى ذلك إذا كانت الجريمة التي ارتكبها الحدث معاقباً عليها بالحبس، لا يجوز أن تزيد مدة الحبس التي يحكم بها عليه نصف الحد الأقصى المقرر لها أصلاً، ويجب أن يكون تنفيذ العقوبة في أماكن خاصة تتوافر الرعاية الاجتماعية والتربية والتعليم.
تشهير
وأوضح أنه في ما يتعلق بنشر هذه الفيديوهات عن طريق التواصل فلا يجوز بأي حل من الأحوال نشر مثل هذي الفيديوهات بقصد التشهير أو الإساءة، وفي حالة التقاط أو استلام مثل هذي الفيديوهات يجب إبلاغ الجهات المختصة في الشرطة لاتخاذ ما تراه مناسباً من إجراء؛ إذْ نصت المادة 21 من قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن 6 أشهر والغرامة التي لا تزيد على 150 درهماً ولا تزيد على 500 درهم في حالة التقاط أو تسجيل أو نشر مواد صوتية أو مرئية وذلك للاعتداء على خصوصية شخص في غير الأحوال المصرح بها.
مراقبة
وشدد المحامي مصبح على ضرورة متابعة أولياء الأمور أبناءهم ومراقبة سلوكياتهم وعدم التهاون في حالة ورود أي شكوى عليهم من إدارة المدرسة، وأن يكونوا صارمين في اتخاذ كل الإجراءات المناسبة لتأديبهم، منعاً من تنمرهم وتماديهم في الاعتداء على زملائهم أو ممارسة أي سلوك غير سوي، مطالباً إدارة المدرسة التواصل مع الأجهزة الشرطية المختصة في حالة العلم بأي واقعه تشكل جريمة أو سلوك تنمر من أحد الطلاب أو مجموعة منهم وذلك لردعهم وحماية الآخرين من ضررهم.
متابعة
باشرت وزارة التربية والتعليم متابعة الحادثة من قبل فريق عمل مختص بالتنسيق مع مواصلات اﻹمارات التي أبدت تعاونها في هذا السياق، حيث تم فتح تحقيق واستدعاء اﻷشخاص المعنيين للوقوف على حيثيات القضية ومعالجتها من جذورها.
وأعدت مؤسسة مواصلات الإمارات دراسة ميدانية من واقع خبرتها في نقل طلبة المدارس على مستوى الدولة، أظهرت من خلالها حاجة مدارس الحلقة الثانية إلى مشرفين موجودين في الحافلات، وبالفعل تم الانتهاء من تأمين مشرفين للحلقة الثانية لمدارس أبو ظبي، ورفعت المؤسسة تلك الدراسة إلى وزارة التربية والتعليم لاتخاذ القرارات بشأنها.
تأثير
ولفتت وزارة التربية و التعليم إلى أن التنمر ظاهرة دخيلة على المجتمع المدرسي، فإنها في الوقت ذاته تحاربها وتتصدى لها بمختلف الوسائل التربوية بمساندة المؤسسات المعنية للقضاء عليها وعلى تأثيراتها السلبية على العملية التعليمية برمتها، وذلك على اثر مقطع الفيديو المؤسف.
وأكدت الوزارة مجدداً على أهمية دور أولياء اﻷمور الفاعل كذلك في التعاون والعمل سوياً لمجابهة أي سلوكيات غريبة تصدر من بعض أبنائنا الطلبة في مجتمعنا المدرسي حرصاً على تحقيق بيئة تعليمية إبداعية ومحفزة وملهمة وآمنة.
وتهيب بضرورة عدم تداول هذا المقطع حفاظاً على الخصوصية وتفادياً لآية توابع وعواقب قانونية وإجراءات تصدر بحق من يعمل على نشره، كون الجهات المختصة تحظر تداوله ويكون الفاعل تحت طائلة المسؤولية والمحاسبة.
حاجة
وأفاد جاسم محمد الشاعر مدير مركز خدمات المدارس بمواصلات الإمارات، بأن العقد بين وزارة التربية والتعليم والمؤسسة ينص على توفير المشرفين والمشرفات حتى عمر 11 سنة، وأوضح أنه بعد قرار الوزارة بتوزيع الصف الأول وحتى الرابع كحلقه أولى وإدخال الصف الخامس للحلقة الثانية، نتج عن ذلك اختلاط ذوي الأعمار الصغيرة مع الأعمار الكبيرة، ما جعلنا نقف على إعداد دراسة ميدانية للحلقة الثانية للوقوف على حاجتهم البالغة نحو 957 مشرفاً، ولفت إلى أن 1560 مشرفاً ومشرفة يؤدون عملهم في رياض الأطفال والحلقة الأولى على مستوى دبي والمناطق الشمالية.
دوافع
وقال الخبير التربوي ماهر حطاب: باتت مثل هذه الحوادث للأسف ظاهرة مستفحلة في كثير من المدارس، وقدد فصّل حطاب جملة من الدوافع لهذه الظاهرة أبرزها غياب الوعي وضعف التوجيه التربوي بين الطلبة، بالإضافة إلى غياب الإشراف نهائيا على الحافلات المدرسية أو تكليف موظفات لا يقدرن متابعة الطلبة عن كثب بحكم نقص التجربة.
وأوضح أن بعض الإدارات المدرسية لا ترى في الطالب كياناً قائماً بذاته يحمل جملة من المشاعر بقدر ما هو منتج يجنون منه أرباحاً كثيرة من خلال تخفيض تكاليف وجود مشرفين، فبدوافع التوفير في النفقات يدفع الطالب سواء أكان المتنمر أم المتنمر عليه ثمناً باهظاً قد يودي بحياته أحياناً وقد يسبب له أحياناً أخرى عاهات مستعصية في شخصيته تنعكس آثارها السلبية على المجتمع.
وقال إن مثل هذه الظواهر تستدعي تدخل الجهات المسؤولة العليا لمنع حدوثها كما يستدعي وضع سياسات أكثر حزماً لمتابعة إجراءات الأمن والسلامة في المدارس والتأكد من استمراريتها طيلة أيّام العام والتأكد أنها ليست إجراءات صورية لإرضاء المفتشين في أسبوع الرقابة المدرسية.
مبررات
وقالت مها إبراهيم مديرة مدرسة خاصة: رغم حداثة مصطلح (التنمر) إلا أن هذه الظاهرة ليست بجديدة برغم اختلاف المسميات، ولكنها ازدادت انتشاراً بشكل ملحوظ في الفترة الأخيرة وبخاصة بين طلاب المدارس نتيجةً للاحتكاك المطوّل بينهم ولطبيعة مرحلتهم العمرية، وبعد أن كانت هذه الممارسة منحصرة في معظم المراهقين أصبحنا مؤخراً نرصدها حتى لدى الأطفال.
وترى إبراهيم أن هناك عدة أسباب عديدة لانتشار التنمر، ومنها طبيعة الجيل الحالي الذي يفتقر العديد منهم إلى التربية السليمة وخاصةً وسط انشغال الأب والأم في العمل لتأمين متطلباتهم المادية المتزايدة، بالإضافة إلى الدلال الزائد من الأهل الذين يبررون تنمّر أبنائهم باعتباره دفاعاً عن النفس حتى ولو كان الطرف الآخر غير متكافئ في السنّ أو الحجم، وهو ما نلمسه مع الكثير من أولياء الأمور.
إجراءات
من جانبها قالت التربوية محاسن يوسف، إن المسؤولية الرئيسية في الحدّ من التنمر تقع على عاتق المدرسة وولي الأمر على حد سواء بحيث يتوجب وضع العديد من الإجراءات الاحترازية لمنع ومحاسبة المتسببين في التنمر في حال وقوعه، ولا شكّ أن الحافلات المدرسية تعتبر من أكثر بيئات التنمر خصوبةً نظراً لاجتماع أعداد كبيرة من الطلبة بأعمار مختلفة وعدم وجود إشراف كافٍ عليهم مثل المبنى المدرسي المليء بالمعلمين والمشرفين.
وترى محاسن يوسف أن حزمة إجراءات هي من شأنها تفادي التنمر في الحافلات المدرسية يتضمن اختيار كوادر إشرافية بكفاءة عالية وإخضاعهم لدورات تدريبية مكثفة حول الحدّ من العنف الطلابي والتعامل معه، وتركيب كاميرات المراقبة في جميع الحافلات مع ربطها المباشر بإدارة المدرسة، وتنظيم حملات التوعية الطلابية حول التنمر بالتنسيق مع الجهات الرسمية المختصة، بالإضافة إلى المحاسبة المعلنة للمتنمرين بالتعاون مع أولياء أمورهم مع توعيتهم بأضرار التنمر الجسيمة على ضحاياه.
نظرة اجتماعية
من جهتها ترى المستشارة الأسرية والنفسية هيام أبو مشعل أن جنوح الطلبة نحو العنف مردُّه في الأساس البيئة الأسرية لأنها النواة الأساسية في تشكل سلوك الأبناء وتربيتهم وصقل شخصيتهم، مشيرة إلى أن المشكلات الاقتصادية الأسرية والاجتماعية كالطلاق أو غياب أحد الوالدين تزيد من حدة العنف واستخدام منطق القوة في التفاهم والحوار حتى بين الأقران.
وحذّرت من تعامل أولياء الأمور بعنف مع أبنائهم داخل المنزل لان العنف الذي قد يتعرض له الأبناء داخل البيئة الأسرية يجعله سلوكاً من سلوكياته يحاول إسقاطه على الآخرين في البيئة المدرسية وخاصة على أقرانه الذين يتّسمون بضعف الشخصية ويفتقدون الثقة بالنفس ما يجعله فريسة سهلة لهؤلاء الطلاب الذين شوهدوا في الفيديو وكيف ألحقوا الأذى النفسي والجسدي بزميلهم في الباص المدرسي.
أسباب
وتناولت أبومشعل الأسباب النفسية التي تلعب دوراً كبيراً في تشكيل سلوك العنف عند الأبناء كالحرمان والذي يحدث نتيجة لنقص في احتياجات الطفل النفسية والمادية كحرمانه من الحب والحنان وتعرضه للقسوة وعدم وجود القدوة في حياته وضعف القدرة على ضبط النفس تحت تأثير عوامل كثيرة منها الضغط النفسي الذي يتعرض له أحد الأطفال داخل الغرفة الصفية، ما يجعله يشعر بالإحباط وبالتالي يسعى للتفريغ في الحافلة أو الساحة المدرسية
وانتقدت المستشارة الأسرية والنفسية ضعف الرقابة في المدرسة وعدم تخصيص ورشات توعية وإرشاد للطلاب وغياب دور الأخصائي النفسي في وضع الضوابط ومتابعة الطلاب الذين لديهم سلوكات عدوانية وإخضاعهم لبرامج تعديل سلوك بالتعاون مع الأسرة، حيث لا يتطور سلوك العنف إلى خطر يهدد الفرد والمجتمع.
قد يهمك ايضا: