دمشق - سوريه 24
كنا قد استعرضنا في المقالات السابقة لمحةً موجزةً عن المعالم التاريخية في سورية وتطرقنا للحديث عن القلاع والحصون كأحد المعالم الأثرية العديدة في سورية، التي بقيت شاهداً حياً على
صمود السوريين وشموخهم واستبسالهم في الدفاع عن أوطانهم وابتكارهم أساليب شتى وطرقاً مبتكرةً لتحقيق ذلك، ونهدف من خلال استعراضنا ذلك إلى تقوية الروابط بين الأجيال الحالية
والسابقة ومد جسور التواصل الحضاري والثقافي بين الماضي والحاضر وتمتين الأرضية التي نقف عليها اليوم ونحن نرنو بأبصارنا ونتوثب لننطلق بثقة نحو المستقبل، وكما ذكرنا سابقاً
فإن أي أمة تعي حقيقة وجودها ومهتمة أن يكون لها رسالة حضارية في الحياة يجب أن تحرص على أن تكتب تاريخها بأيدي أبنائها لتضمن أنه يكتب بشكل علمي ودقيق، ونؤكد في هذا
لمقال مجدداً أنه من واجبنا جميعاً مؤسسات رسمية وجهات خاصة ومجتمعاً أهلياً وأفراداً أن نحرص على تنقية تاريخنا من أي شائبة وإزالة أي تهمة يحاول أعداؤنا إلصاقها به، لأن أي
تشويه لهذا التاريخ إنما هو إساءة شخصية لكل فرد فينا ومن الضروري أن يعلم الجميع أن أعداء سورية يسعون باستمرار وبشتى الطرق والأساليب لتشويه التاريخ السوري وتزويره ونسب
لأعمال المشينة له وإلصاق كل الصفات القبيحة والمذمومة به بهدف بتر الماضي عن الحاضر وخلق أجيال تخجل من ماضيها ولا تعرف شيئاً عن الأهداف التي سعى أجدادنا لتحقيقها،
وبالتالي يسهل على هذه الأجيال التخلي عنها.
والأسلوب المعماري لأبنيتها يختلف اختلافاً تاماً عن فن البناء والعمارة البيزنطية والرومانية والهلنستية، وتختلط نوعية المباني فيها العام بالخاص بسبب ذوبان وتلاشي الفوارق الطبقية بين
السكان وتبين لنا من خلال جولتنا في تلك المواقع أن سورية تتمتع بإرث حضاري كبير جداً ومتنوع يعطينا الثقة بأن أمة بهذا العمق التاريخي الكبير والماضي الثري قادرة على تجاوز كل
الصعوبات والمعوقات التي تعترض طريق نهوضها مجدداً للسير بخطا ثابتة نحو المستقبل، ولابد في هذا المجال أن نورد كلاماً مهماً ذكرته المؤرخة البريطانية والباحثة في التراث السوري
ديانا دارك مؤلفة كتاب «بيتي في دمشق» حيث ذكرت أن تصميم كاتدرائية نوتردام التاريخية في باريس التي تعتبر طرازاً فريداً وأيقونةً معماريةً نادرة لا يمكن تكرارها إضافة للبرجين
لتوءمين المحيطين بمدخلها المتقن وحتى برجها العمودي الذي احترق مؤخراً، مستوحى من كنيسة قلب لوزة الواقعة في المدن المنسية شمال سورية وهذا ما يدفعنا لنؤكد دوماً أنه من واجبنا
جميعاً تسليط الضوء على نقاط القوة التي تميز التاريخ السوري ونستوعبها ونحاول الاستفادة من الدروس المستقاة منها وذلك كرد فعل طبيعي لمحاولات أعدائنا تقزيم وتشويه هذا التاريخ،
ونستكمل في مقالتنا لهذا اليوم الحديث عن مواقع أخرى في المدن المنسية التي تعتبر علامة فارقة في الحضارة السورية.
عين دارة
حدى أهم المدن المنسية في ريف حلب الشمالي تبعد جنوبا عن مدينة عفرين مسافة 8 كم يحيط بموقع عين دارة الأثري سهول خصبة من ثلاث جهات، ويحده نهر عفرين من الغرب كما
يخترق الموقع جدول ماء يصب في نهر عفرين، وقد كشفت أعمال التنقيب الأثرية التي أجريت في الموقع عن آثار حضارة قديمة يعود تاريخها إلى الألف الثاني قبل الميلاد، ويتألف تل عين
دارة من قسمين جزء مرتفع وجزء منخفض يقع التل المرتفع جنوب الموقع وهو الأصغر مساحة من الجزء المنخفض، وسمي الجزء المرتفع المدينة الفوقانية وهو الأقدم والمنخفض المدينة
لتحتانية، وأحيطت بسور دفاعي قوي وعُمّرت خلال العصر الآرامي الممتد من 1200-740 ق. م وفي القسم المنخفض من التل تم العثور على آثار حضارات متعاقبة: حثية وفارسية
ويونانية وبيزنطية وعربية وإسلامية، وقد أحيطت المدينة بسور للدفاع عنها شأنها في ذلك شأن سائر المدن القديمة ويضم السور أربعة أبواب من جهاتها الأربع ولا يزال جزءً من السور
باقياً حتى اليوم من الجهة الغربية، من أهم آثار موقع عين دارة بقايا المعبد الضخم الذي يعود تاريخه إلى الألف الأول قبل الميلاد ويرى بعض الباحثين أنه يعود للفترة الحثية وبعضهم يرى
أنه يعود للفترة الآرامية وهو فريد من نوعه مقام فوق مصطبة مستطيلة الشكل أبعادها ( 38 x 32 ) م يصعد إليه بواسطة درج حجري خارجي جميل وزينت جوانبه بمجموعة من الأسود
لبازلتية وقد استخدمت في بنائه الحجارة السوداء البازلتية وزينت جدرانه الخارجية لوحات حجرية منحوتاً عليها صور أسود ومزينة بنقوش وزخارف جميلة وتحيط به نصب بازلتية على
شكل سباع ومنحوتات وتماثيل تمثل صوراً تعبدية وقصصاً أسطورية من أبرزها الأسد المجنح وأبو الهول، وللمعبد مدخلان تم العثور في احدها على تمثال بالحجم الطبيعي لعشتار مع
كتابات هيروغليفية تعود للألف الأول قبل الميلاد وكل مدخل يعلوه عتبة ضخمة مكونة من قطعة حجرية واحدة أبعادها 365 X270 X 60 سم يلي المدخل قاعة استقبال مستطيلة الشكل
وينفتح على هذه القاعة باب حرم المعبد الذي يحرسه أسدان كبيران ويتكون المعبد من طابقين وقد شيد الطابق العلوي على أعمدة دائرية ضخمة كما يضم الموقع منحوتات الأسود البرونزية
لتي كانت تزين مداخل المدن الآرامية السورية في مطلع الألف الأول قبل الميلاد، ومن خلال تلك الآثار يتضح أن أبناء عين دارة تميزوا بالمنحوتات البازلتية وبرعوا فيها بشكل لافت للنظر
حيث يضم الموقع عدة تماثيل بازلتية ضخمة كالأسود المجنحة ومنحوتات جميلة جداً عبارة عن رؤوس نسائية متقابلة مزينة بورد ولها قرون وتشير هذه المنحوتات إلى المستوى الثقافي
والفني المتقدم الذي كان سائداً بالمدينة في تلك الفترة، وتبين المكتشفات التي تم العثور عليها أن سكان عين دارة قد عرفوا الصناعة أيضاً وخاصةً صناعة أدوات الزراعة كالمحراث
سرمدا
وهي قرية قديمة تابعة لمنطقة حارم وتقع شمال مدينة إدلب بحدود 30 كيلومتراً بل تعتبر واحدة من أقدم القرى المسكونة في هذه المنطقة ويعود تاريخها إلى القرن الأول الميلادي كما يعود
سبب تسميتها إلى قدمها إذ إن كلمة سرمد تعني الخلود. تضم مدينة سرمدا العديد من المعالم التاريخية التي تعود للعصرين الروماني والبيزنطي ومن أشهر معالمها الأثرية التي مازالت
تحافظ على شكلها نصب يعرف إلى اليوم باسم عمود سرمدا الذي أصبح رمزاً لها ويعود للعصر الروماني وهو مكون من أربعة أعمدة ارتفاعها 16 م وتعلوها تيجان كورنثية ويقوم عمود
سرمدا فوق مدفن روماني يعود تاريخه للقرن الثاني الميلادي، ويقع في طرف البلدة الجنوبي كما تضم البلدة القلعة التي تقع جنوب البلدة وقد بنيت على هضبة مرتفعة ومحصنة طبيعياً كان
أبناء البلدة يرابطون فيها لصد الهجمات العديدة التي تعرضت لها البلدة ولتكون حصناً لهم وهم يدافعون عنها، وتضم أيضاً مدافن قديمة وخرائب دير دانيال وهو دير تحول إلى حصن وتضم
يضاً معبداً منحوتاً في الصخر إلا أن معظم آثارها قد زالت وتهدمت أبنيتها ولم يبق منها إلا بعض الأطلال.
كنيسة المشبك
تقع كنيسة المشبك على بعد 28 كم من حلب باتجاه الغرب وهي ضمن أحد مواقع المدن المنسية وتقوم على أعلى هضبة مرتفعة على طريق جبل سمعان وكان أبناء المنطقة من الحجاج
يقصدونها في طريقهم إلى كنيسة سمعان العمودي، يعود تاريخ بناء الكنيسة إلى القرن الخامس الميلادي ويعود سبب التسمية إلى أنه تم بناؤها بطريقة تشبيك الحجارة وتراصها وتداخل
بعضها مع بعضها الآخر وذلك لتقاوم قوى الزلازل التي كانت تصيب في تلك الفترة أنطاكية والمنطقة المحيطة بها وهذا يعكس البراعة والخبرة التراكمية الكبيرة لدى السوريين وتفوقهم في
فن العمارة، يدعى الطراز المعماري لكنيسة المشبك بالطراز البازيليكي ويبلغ طولها 18.5 م وعرضها 13.5 م وتقسم إلى ثلاثة أقسام رئيسية: القسم الأول خصص للرجال ويقع بين
الأعمدة والقسم الثاني والثالث خصص للنساء وتضم الكنيسة عشرة أعمدة خمسة أعمدة من كل طرف ويبلغ طوله نحو 5 م وكل عمود مكون من حجر واحد يبلغ ارتفاع السقف 13 م ويأخذ
شكل جملون ويشبه بناء الكنائس السورية القديمة أي يتكون من الخشب تغطيه قطع القرميد الحمراء.
قد يهمك ايضا:
"الحرس الإيراني" يُهدّد بضرب واشنطن "في الرأس" إن هاجمت الخليج
الفنانة دوللي شاهين تُوضِّح حقيقة الاتجاه إلى الكنيسة واعتزالها الفن