العالم في عنق «كورونا»
آخر تحديث GMT06:28:45
 العرب اليوم -

العالم في عنق «كورونا»

العالم في عنق «كورونا»

 العرب اليوم -

العالم في عنق «كورونا»

آمال موسي
آمال موسي

رغم تتالي الأيام والأسابيع منذ تاريخ ظهور فيروس «كورونا»؛ فإن العالم ما زال يقاوم وهو في حالة ذهول مكتومة الصوت وخرساء الصدمة. لا شيء غير أخبار الحرب بين الإنسانية الرّاهنة وفيروس «كورونا» يهيمن على كل المحادثات ووسائل الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي. الجميع، من دون استثناء، وجّه بوصلته نحو أخطر مواجهة في العهد الحديث، فأصبحت كلُّ التوترات والصراعات ثانويةً وشبهَ منسيّة. والسبب بسيط جداً؛ لأن الأمر غَدَا حياةً أو موتاً.

في الحقيقة أثار هذا الفيروس فضولي لتقليب بعض صفحات التاريخ وقراءة ما تيسر من المقالات التي حملت إمضاءات مؤرّخين ومختصّين في الحضارة. وأظن أن محاولة فهم ما يجري والمصائر المنتظرة تستلزم وجوباً قراءة التاريخ وانفتاح القنوات التلفزيونية ووسائل الإعلام بشكل عام على المؤرخين الذين يمكن تصنيفهم في المرتبة الثانية بعد الأطباء في اللحظة الراهنة من حيث الحاجة إلى خطابهم ومعرفتهم. أما علماء الاجتماع فالحاجة إليهم تكون بعد الأزمة وبعد أن تختمر الملاحظات وتقطع عملية الفهم شوطاً يسمح بإنتاج فكري سوسيولوجي، يحفر في الظواهر الاجتماعية ذات الصلة بالحرب على «كورونا»؛ سواء من ناحية الأسباب؛ والوظائف، ومن جهة التفاعلات أيضاً وما أنتجته من سلوك.
ما يعيشه العالم الآن يحتاج إلى معرفة المؤرّخين ليسردوا لنا أخبار الأوبئة، خصوصاً الدينامية والتغيرات التي تُحدثها الأوبئة وجوباً، والتي شكّلت نقاط اشتراك بين الأوبئة التي عرفتها المجتمعات السابقة، مما يجعل منها قوانين خاصة بظواهر الأوبئة.
وإذا ما عدنا إلى العلامة ابن خلدون، فقد تناول الطاعون الذي أودى بحياة نحو نصف البشرية في منتصف القرن الرابع عشر، وعَرَفت مرحلة ما بعد الطاعون، الذي يصفه ابن خلدون بـ«الجارف»، قطيعةً في مستوى أشكال كسب الرزق والتفكير مع مرحلة ما قبل الطاعون. ويكاد يجمع المؤرخون والباحثون في الحضارة على أن الأوبئة والمجاعة ظاهرتان متلازمتان، كما عبّر عن ذلك المؤرخ التونسي الهادي التيمومي الذي وصف جائحة «كورونا» بأنها ثاني جائحة عالمية.
يمكن القول بكثير من الحذر إن خسائر الأرواح؛ التي تظل دائماً فادحة مهما كان العدد ضئيلاً، لن تكون بالحدّة نفسها للخسائر التي عرفها العالم في منتصف القرن الرابع عشر وأودت بنحو نصف البشرية. ذلك أن تمكنه من أن يكون أسرع من حيث سرعة الانتشار في العالم يعود إلى تطور وسائل النقل التي حوّلت العالم إلى قرية وسهّلت انتشار الفيروس، ولكن في الوقت نفسه هذه السرعة ساعدتنا في الانتباه والاستنفار رغم تعقيدات هذه الحرب وغموض العدو وعدم القدرة على السيطرة عليه بالمعنى العلمي.
ويتمثل القانون الذي رددته كتب التاريخ، التي جاء فيها ذكر وتفاصيل الأوبئة، في تلازم ظاهرتي الأوبئة والمجاعة. وفي اعتقادنا أن هذا القانون؛ بحكم تكرار مسألة التلازم هذه مما يفيد بعضوية العلاقة بين الظاهرتين، يحتاج منا إلى انتباه مخصوص جداً. فإذا كان من باب التسرع غير المحمود أن نتناول حالياً صورة العالم بعد فيروس «كورونا» في بعض الأبعاد الرئيسية؛ فإن إثارة مسألة الوضع الاقتصادي للشعوب إذا ما طالت الحرب ضد الوباء وبعده، تبدو لنا من المواضيع التي لا بد من الانتباه إليها، لأنها لا تقل كارثية وصدمة عن الوباء ذاته.
وحتى لو توخينا نبرة إيجابية وحاولنا القفز على كلمات معينة وتخيّر الأقلّ وجيعة، فإنه يمكن الاستعاضة عن الحديث عن المجاعة بآخر أقلّ وحشية، وهو الحديث عن الفقر الذي حافظ على أُلفة بينه وبين العصور كافة تقريباً. فتاريخياً كانت المجاعة أقسى تمظهرات الفقر، في حين أنّه في الوقت الرّاهن الفقر المدقع هو أكثر درجات الفقر.
فكل شيء قابل للنقاش؛ باستثناء تدهور الوضع الاقتصادي العالمي وازدياد نسبة الفقراء، رغم أن عددهم لم يكن بسيطاً قبل الوباء؛ إذ بلغ أكثر من مليار فقير في العالم؛ نصفهم من الأطفال، حسب أرقام الأمم المتحدة والبنوك الدولية. ذلك أن الحجر الصحي الذي أجبر الشعوب على البقاء في البيوت قد عطّل عجلة الاقتصاد، وقامت شركات عدة من القطاع الخاص إلى حد الآن بتسريح موظفين وعمال، مما يعني أن عدد العاطلين عن العمل سيتضاعف والفقر سيزداد، ناهيك بأن التكلفة المادية للحرب على «كورونا» لا أحد يستطيع تقديرها. بمعنى آخر؛ أننا لا نستطيع أن نتكهن بما سيتغير حقاً بعد النجاح في القضاء على الوباء، إلا فيما يخص البعد الاقتصادي، من دون أن يفوتنا تأثير التغيرات الاقتصادية على الأبعاد النفسية والقيمية.
وبناءً عليه؛ يمكن الاستنتاج مبدئياً، وبالنظر إلى ما نلاحظه من رهان الشعوب على القطاع العمومي في مواجهة فيروس «كورونا» وتحديداً قطاع الصحة، بأن الدولة التي انسحبت إلى الخلف لتترك المجال فسيحاً للقطاع الخاص ستراجع انسحابها، ولن تقبل الشعوب مستقبلاً التوغّل في الخَوْصَصَة في القطاعات الحساسة؛ إذ إن الدولة تظل بشخصيتها المعنوية المسؤولة في فترات الأزمات، ودرس «كورونا» سيعيد النظر في وظيفة الدولة وفي إعادة توزيع الأدوار بينها وبين رؤوس الأموال الخاصة. أما الدول التي بدأت تقلم أظافر كل ما هو عمومي وتطرحه للخوصصة رغم رفض النقابات والهياكل الأهلية تسليم لقمة عيش وصحة المواطنين وعقولهم للقطاع الخاص، فإنها بعد هذه الأزمة لن تجد شجاعة تنفيذ قراراتها، وإذا وجدتها، فإن المقاومة لن تكون سهلة، خصوصاً أن القطاعات الخاصة انهمكت في حساب خسائرها بسبب الفيروس ولم تنخرط في دور يؤهلها للدفاع عن مصداقيتها وأحقية التعويل عليها في الأزمات.
لن تغتال تداعيات «كورونا» الرأسمالية، ولكن ستجبرها على ارتداء بعض ملابس الاشتراكية لتستمر على نحو تنخفض فيه وحشيتها لصالح ما سيتمخض عما ستخلفه «كورونا» من أوجاع وحدها تُحدد مقدار العودة إلى الإنسانية.

 

syria

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

العالم في عنق «كورونا» العالم في عنق «كورونا»



GMT 17:14 2021 السبت ,13 شباط / فبراير

مئويتان

GMT 18:18 2021 السبت ,06 شباط / فبراير

من شعر الفرزدق وجرير وأبو تمام

GMT 13:36 2021 السبت ,06 شباط / فبراير

ذهبت ولن تعود

GMT 17:58 2021 الجمعة ,05 شباط / فبراير

ما في أنفسهم

GMT 11:03 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج الحوت الثلاثاء 6 أكتوبر/تشرين الأول 2020

GMT 09:50 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج الجوزاء 6 أكتوبر/ تشرين الأول 2020

GMT 23:09 2021 السبت ,30 كانون الثاني / يناير

ديمة الجندي تسترجع ذكرياتها مع حاتم علي

GMT 07:47 2019 الأربعاء ,25 أيلول / سبتمبر

مرتضى يتحدى الجبلاية ويفتح النار على جنش والخطيب

GMT 15:02 2018 الأربعاء ,11 تموز / يوليو

"رولز رويس" تكشف مكانة السيارات في الستينات

GMT 16:27 2021 الخميس ,04 شباط / فبراير

كيتي بيري تعاني إدمان التسوق والتبذير

GMT 11:35 2020 الثلاثاء ,23 حزيران / يونيو

تطبيق جديد يشبه Photoshop يصل الهواتف الذكية

GMT 18:22 2020 الجمعة ,17 كانون الثاني / يناير

نور الشربيني تمثل مصر في نهائي جي بي مورجان للاسكواش

GMT 19:15 2021 الأربعاء ,27 كانون الثاني / يناير

«ملامح الخمسينيات»... مفردات تعكس حالة من الحنين للماضي

GMT 12:41 2020 الخميس ,15 تشرين الأول / أكتوبر

حالات يجب فيها تغيير زيت محرك السيارة فورًا تعرف عليها
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Syria-24 Syria-24 Syria-24 Syria-24
syria-24 syria-24 syria-24
syria-24
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
syria-24, syria-24, syria-24