عدوّها وعاشقها
آخر تحديث GMT06:28:45
 العرب اليوم -

عدوّها وعاشقها

عدوّها وعاشقها

 العرب اليوم -

عدوّها وعاشقها

بقلم -سمير عطا الله

كان حظّ توفيق الحكيم من الحبّ قليلاً، سواء في مصر، أرضه الطيّبة، أو في باريس، غربته الجميلة. كانت عقدته واحدة، وهي أنّه ناحل وضعيف وغير وسيم، بعكس فرسان العشق الذين يكونون عادة ذوي بأس وشدّة ووسامة. وعندما وقع في غرام فتاة شبّاك التذاكر في باريس، وقرّر أن يهديها شيئاً ما، لم ينتقِ باقة ورد أو زجاجة عطر، بل اشترى ببّغاء وعلّمه أن يردّد أمامها «أحبّك، أحبّك، أحبّك!».
في «عودة الروح» و«زهرة العمر»، كان الحكيم صريحاً وصادقاً في الاعتراف بعثرات الشباب. وقد كتب دائماً بلغة الضمير الغائب، وسمّى بطله «محسن»، واعتاد الاسم كما اعتادته زوجته التي لم تنادِه مرّة باسم توفيق، وإنّما باسم محسن. وبعكس كتّاب جيله والشعراء، الذين طالما فاخروا ببطولاتهم الذكورية وانتصاراتهم الحافلة، فإنّ الحكيم لم يقدّم سوى الشكوى. ليس الشكوى من النساء، وإنّما من نفسه. ومنذ البداية، اتّخذ صورة الرجل الكئيب، يعتمر «البيريه» الفرنسية التي عاد بها من باريس، ويحمل عصاه ويفضّل العزلة على أي حياة اجتماعية. والصحافيون الذين رافقوه في «أخبار اليوم»، ومن ثم في «الأهرام»، أجمعوا على أنّه كان يفضّل الانفراد ولا يبادر أحداً بالحديث. وقد أعاد الكثيرون من النقّاد هذا الزهد إلى خيباته في الحبّ أيام الشباب. ويقول آخرون إنَّ سبب الانطواء، نشأته البيتية في كنف أبٍ قليل الاهتمام وأمّ تركية، صعبة الطباع. ويصف طفولته بالقول: «كان صغيراً، عليلاً، نحيلاً، هزيلاً كأنّه عصفور لا يلفت النظر ولا يستدعي الانتباه». ومن هنا ربما عنوان كتابه عن تجربة باريس «عصفور من الشرق».
هل بسبب هذه العقدة، قرّر الحكيم أن يكون عدوّ المرأة، وألّا يسير إلى جانب امرأة على الإطلاق، وأن «لا يأخذ بما يأخذ به الناس جميعاً من أوضاع»؟ ورأى الإبداع في الأدب بديله عن الخيبة في الحبّ، بل ذهب إلى أبعد من ذلك ليعلن أنّه استبدل بالمشاعر العاطفية، العواطف الوطنية. يقول الدكتور محمد مندور إنّ الحكيم جمع تجاربه في الحياة من المكتبات والمحاضرات والمتاحف والمعارض، وليس من التجربة الشخصية. ولذلك كان متناقضاً في نظرته إلى الحبّ وإلى المرأة. وقد أطلقت عليه هدى شعراوي، زعيمة النهضة النسائية في مصر، لقب «عدوّ المرأة»، عندما اختلف معها حول ما كانت تنادي به من حرّية المرأة العربية، معتبرة موقف الحكيم معرقلاً لهذه الحرّية. وقد رفض «المفكّر»، كما كان يحبّ أن يُسمَّى، ادّعاء المرأة على قدرة المساواة مع الرجل في كلّ شيء. إنّه لا يرى فيها سوى مخلوق يوحي بالجمال، ويساعد على التفرّغ للإبداع والإلهام، ويصرّ على أنّ المرأة الجميلة عدوّ للرجل المفكّر.

 

syria

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عدوّها وعاشقها عدوّها وعاشقها



GMT 18:18 2021 السبت ,06 شباط / فبراير

من شعر الفرزدق وجرير وأبو تمام

GMT 13:36 2021 السبت ,06 شباط / فبراير

ذهبت ولن تعود

GMT 17:58 2021 الجمعة ,05 شباط / فبراير

ما في أنفسهم

GMT 17:56 2021 الجمعة ,05 شباط / فبراير

لو فعلها بايدن!

GMT 17:53 2021 الجمعة ,05 شباط / فبراير

ماذا وراء إعادة صياغة اتهامات ترمب؟

GMT 11:03 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج الحوت الثلاثاء 6 أكتوبر/تشرين الأول 2020

GMT 09:50 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج الجوزاء 6 أكتوبر/ تشرين الأول 2020

GMT 23:09 2021 السبت ,30 كانون الثاني / يناير

ديمة الجندي تسترجع ذكرياتها مع حاتم علي

GMT 07:47 2019 الأربعاء ,25 أيلول / سبتمبر

مرتضى يتحدى الجبلاية ويفتح النار على جنش والخطيب

GMT 15:02 2018 الأربعاء ,11 تموز / يوليو

"رولز رويس" تكشف مكانة السيارات في الستينات

GMT 16:27 2021 الخميس ,04 شباط / فبراير

كيتي بيري تعاني إدمان التسوق والتبذير

GMT 11:35 2020 الثلاثاء ,23 حزيران / يونيو

تطبيق جديد يشبه Photoshop يصل الهواتف الذكية

GMT 18:22 2020 الجمعة ,17 كانون الثاني / يناير

نور الشربيني تمثل مصر في نهائي جي بي مورجان للاسكواش
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Syria-24 Syria-24 Syria-24 Syria-24
syria-24 syria-24 syria-24
syria-24
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
syria-24, syria-24, syria-24