مفكرة لشبونة إلى جانب بيساوا
آخر تحديث GMT06:28:45
 العرب اليوم -

مفكرة لشبونة: إلى جانب بيساوا

مفكرة لشبونة: إلى جانب بيساوا

 العرب اليوم -

مفكرة لشبونة إلى جانب بيساوا

سمير عطا الله

جالس في مقهى «برازيلييرا» (البرازيلية) في وسط لشبونة القديمة. إلى يميني كرسي من برونز، كل 5 دقائق، أو أقل، يجلس على هذا الكرسي رجل - أو امرأة - لكي تلتقط له صورة إلى جانب صاحب التمثال الذي إلى جانبه.

التمثال لرجل يعتمر قبعة من طراز عصره، ثلاثينات القرن الماضي. ويضع نظارتين طبيتين من زمنه. وربطة عنق طراز الفراشة الذي لم يعد شائعاً إلا عند نوادل المطاعم. يضع صاحب التمثال رجلاً على رجل، مثل سائر رواد المقهى. ويطرق مفكراً كما كان يفعل يوم كان حياً، يلازم هذا المقهى بعد ظهر كل يوم، عندما ينتهي دوامه في شركة المحاسبة. ذلك العمل الممل الرتيب خالي المخيلة والروح. وإضافة إلى الرتابة والملل، كل شيء متوقع ومحدد، حتى الساعة التي يقف فيها السنيور فاسكيز، صاحب الشركة، فوق رأسه ويردد: عينك على الحسابات يا سنيور بيساوا. الزبائن يأتمنوننا على أعمالهم مثل أرواحهم. ثم يمضي فاسكيز في طريقه إلى محاسب آخر ليردد الجملة نفسها. وبعد قليل ينتهي الدوام. وبدل أن يذهب فرناندو بيساوا إلى غرفته الصغيرة المستأجرة، يأتي إلى هنا، في هذا المقعد، يدوّن أفكاره في خط متعرج غير مقروء إلا بصعوبة.

عاش بيساوا 47 عاماً، لم ينشر في حياته أي كتاب. وبعد وفاته، قام مَن جمع أوراقه المقروءة في صعوبة وعناء، فإذا بهم أمام أهم شعراء البرتغال. سواء ما كتبه تحت اسمه، أو بأسماء 136 شخصاً تخيلهم، وأشهرهم «سيرة الرجل الذي لم يكن».

جئت إلى لشبونة، مثل هؤلاء الذين يلتقطون الصور معه، من أجل بيساوا أولاً. وسرعان ما تكتشف أنها أولاً مدينة بيساوا. وثانياً عاصمة البرتغال. ويفرض مقهى «برازيلييرا» على زبائنه سعرين، كما تقول لائحته. سعر الخارج، الاسبلانادا، قرب بيساوا، وسعر الداخل الخشبي حيث لا تعد تراه، وكأنك في مقهى آخر. سعر الخارج يزيد ثلاثين في المائة على سعر بلا مرأى من شاعر البرتغال.

كل خمس دقائق تقريباً، يأتي أحد عابري الساحة ويجلس على هذا الكرسي إلى جانب هذا الرجل الأقرب إلى رسم كاريكاتوري. يكفي أن ترم شاربين فتعرف أنه هتلر. أو عصا، فتعرف أنه شارلي شابلن، أو حاجبين، فتعرف أنه أينشتاين. قبعة عالية في الوسط، وشاربان حزينان، وربطة عنق طراز الفراشة، فتعرف أنه بيساوا. وها أنا إلى جانبه، الكرسي التالي، أما الكرسي البرونزي إلى جانبي، فقد حف من كثرة الزائرين. جميعهم يريد القول إنه مر بقرب الرجل الذي كان مختبئاً بوظيفة محاسب عند فاسكيز، فيما هو صاحب «كتاب الاضطراب».

 

syria

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مفكرة لشبونة إلى جانب بيساوا مفكرة لشبونة إلى جانب بيساوا



GMT 18:18 2021 السبت ,06 شباط / فبراير

من شعر الفرزدق وجرير وأبو تمام

GMT 13:36 2021 السبت ,06 شباط / فبراير

ذهبت ولن تعود

GMT 17:58 2021 الجمعة ,05 شباط / فبراير

ما في أنفسهم

GMT 17:56 2021 الجمعة ,05 شباط / فبراير

لو فعلها بايدن!

GMT 17:53 2021 الجمعة ,05 شباط / فبراير

ماذا وراء إعادة صياغة اتهامات ترمب؟

GMT 11:03 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج الحوت الثلاثاء 6 أكتوبر/تشرين الأول 2020

GMT 09:50 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج الجوزاء 6 أكتوبر/ تشرين الأول 2020

GMT 23:09 2021 السبت ,30 كانون الثاني / يناير

ديمة الجندي تسترجع ذكرياتها مع حاتم علي

GMT 07:47 2019 الأربعاء ,25 أيلول / سبتمبر

مرتضى يتحدى الجبلاية ويفتح النار على جنش والخطيب

GMT 15:02 2018 الأربعاء ,11 تموز / يوليو

"رولز رويس" تكشف مكانة السيارات في الستينات

GMT 16:27 2021 الخميس ,04 شباط / فبراير

كيتي بيري تعاني إدمان التسوق والتبذير

GMT 11:35 2020 الثلاثاء ,23 حزيران / يونيو

تطبيق جديد يشبه Photoshop يصل الهواتف الذكية

GMT 18:22 2020 الجمعة ,17 كانون الثاني / يناير

نور الشربيني تمثل مصر في نهائي جي بي مورجان للاسكواش
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Syria-24 Syria-24 Syria-24 Syria-24
syria-24 syria-24 syria-24
syria-24
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
syria-24, syria-24, syria-24