بقلم - سمير عطا الله
لا أحبّ أبداً كلمة «ثورة»، لأنها تذكّر بالعنف والدماء والعسف والظلم وتذابح الرفاق، من الثورة الفرنسية إلى الروسية. لكنني منذ اليوم الأول لحراك لبنان في 17 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، تبنّيت كلمة ثورة، بسبب المطالب التي رفعتها والحقوق التي طالبت بها، والطبقة السياسية العامّة التي طالبت بذهابها.
يوماً تلو آخر، ازددت قناعة بالثورة وأملاً بها، إذ رأيت أنها حركة أمّهات وأبناء وجيل جديد يهتف ضدّ البطالة والهجرة والعجرفة والتسلّط والفساد وانهيار الاقتصاد. وأثلج الصدور ظهور ممثّلين عن النهضة، يتحدّثون على مستويات عالية جداً من العمق والفكر والمعرفة، خصوصاً النزاهة والخُلق. تمنعني الخبرة والتجارب في لبنان من التفاؤل. لكنني رأيت الحركة هذه المرة أكبر من الفشل المعهود وخالية حقاً من التلوّث الطائفي وسمومه، وأفرحني أن هؤلاء الملايين لا ينتمون إلى حزب أو جماعة أو طائفة، بل إلى بلد واحد وعلم جميل. لكنني منذ اللحظة الأولى أيضاً لم أتوقّع للثورة النجاح الفوري. وقلت لأهلها إنها خطوة تأسيسية كبرى، لكن لا تتوقّعوا شيئاً الآن. فالاقتصاد في الحضيض والليرة في الحضيض، والبطالة والفقر في الذروة. مشاهد الأيام والليالي الأخيرة، رديئة مثل الطبقة السياسية لكنها غير مفاجئة. وأتمنى على الثورة أن تختم هذا الفصل الجميل وأن تترك السياسيين يؤلّفون حكومة تمهل البلد في استعادة أنفاسه. وأتمنّى خصوصاً ألا يشارك الثوّار في هذه الحكومة إطلاقاً. أن يشكّلوا من خارجها حكومة ظلّ تراقب أعمالها وتمنع الشطط وتضبط السلوك ومراعاة القيم.
أمران، رجاءً، أمران: عودوا إلى بيوتكم بكل هدوء ونبل ورقيّ، ولا تقبلوا عرض المشاركة الذي سيفشلكم إلى الأبد، وسوف يسخّف معاني الثورة، ويساويكم بالذين ثرتم عليهم. لكن البقاء في الشارع أصبح نزفاً خطراً. لم يعد لبنان يحتمل هذا النزف وهذا الانهيار. وسوف يحمّلونكم المسؤولية كما كرّروا دائماً حكاية الذئب والحمل الذي عكّر له مياه النبع. لا تلحّوا على لائحة مكاسب. لا تطلبوا شيئاً الآن. لا توقّعوا اتفاق مبادئ سوف يرمونه في المهملات مع كل مبدأ آخر، في المقبرة الخاصّة بالمبادئ. شكّلوا حكومة ظلّ، كان يجب أن تُشكّل مع استقلال لبنان.
أرسل تعليقك