بقلم -سمير عطا الله
مع حلول السنة الميلادية الجديدة، تكثر في الغرب، وفي لبنان بصورة خاصّة، قراءة الأبراج ومتابعة حركتها في الفلك. ويبدو بالنسبة إلي أن انحراف عُطارد نحو المشتري خلال الشهر المقبل، سوف يؤثّر على حركة الزهرة، ولذا فإن الحظّ سوف يحالفني، أنا وكل الرفاق الذين وُلدوا تحت هذا البرج، في القارّات الخمس.
في كتابه الجديد «الشرق الأوسط: من الغيب إلى الغيبوبة» (دار صادر)، يعالج الدكتور مناف منصور هذه الظاهرة عند العرب منذ التاريخ، برغم أن الدين قد نهى عنها نهياً صريحاً، كما في الآية الكريمة: «قُل لَا يَعْلَمُ مَن فِي السَمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَا اللَه». أي أن الغيب شأن عائد إليه تعالى من دون خلقه جميعاً «وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو»، و«مفاتيح الغيب خمس»: «إن اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَة وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ ماذا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَي أَرْضٍ تَمُوتُ». الإسلام حرّم التنجيم (ادّعاء معرفة المصائر بحسب مواقع النجوم) والتبريج (بحسب الأبراج والكواكب) وعلى الإنسان أن يتّكل على الله: «وَلِلَهِ غَيْبُ السَمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَلْ عَلَيْهِ».
عمل الدكتور مناف منصور مستشاراً في القصر الجمهوري لسنوات عدّة. وكانت مهمّته الأولى، وضع الخطب الرئاسية وشرح سياسات ومواقف الدولة. أي أنه مارس العمل السياسي من الداخل. إلا أنه يتّهم الشرقيين وحدهم بالافتتان بالكشف عن الخفي قبل حصوله، واستنباء الآتي ومعرفة ما هو غير منظور.
«وبهذا خالفوا تعاليم القرآن وتعلّقوا بالتنجيم والتبصير»: يكفي الرجوع إلى العصور العبّاسية التي تمثّل ازدهار الإبداعات العربية الإسلامية، حيث شاع علم التنجيم وعمل به أبو جعفر المنصور الذي ما أصدر أمراً إلا باستشارة منجّميه حتى عندما وضع أساس مدينة بغداد، فقد اختار الوقت الذي حدّده له المنجّمان. كذلك المأمون، رائد حركة العلوم الطبيعية والفلسفية والدينية والفلكية. إلا أن الكلّ يعرف قصّة المعتصم الذي نصحه المنجّمون بتأخير غزو عمورية وأنذروه بالهزيمة وبالمرض، وطلبوا إليه الانتظار إلى ما بعد ذهاب مذنّب هالي، وإلى ما بعد حلول موسم التين والعنب، ولكن المعتصم خالفهم وانتصر وعاد سالماً. وهذا ما دعا أبا تمّام إلى القول:
السَّيْفُ أَصْدَقُ إِنْبَاءً مِنَ الكُتُبِ/ في حدهِ الحدُّ بينَ الجدِّ واللَّعبِ
أَيْنَ الروايَة بَلْ أَيْنَ النُّجُومُ وَمَا/ صَاغُوه مِنْ زُخْرُفٍ فيها ومنْ كَذِبِ
وقد قوّض العلم السّحر والتنجيم والتبريج والتبصير، لكنه لم ينجح أيضاً في اقتلاعها من الإنسان. غير أن الظاهرة ليست شرقية فقط كما يشدّد المؤلّف. ففي الغرب الأبراج صناعة قائمة بذاتها. والرئيس الفرنسي الراحل فرنسوا ميتران كان يدعو إلى الإليزيه كل أسبوع، أشهر عرّافات فرنسا لكي يعرف منها ماذا سيحدث له إذا اقترب عُطارد من زُحل وأغضب ذلك المشتري.
أرسل تعليقك