عنق أسود وركبة بيضاء
آخر تحديث GMT06:28:45
 العرب اليوم -

عنق أسود وركبة بيضاء

عنق أسود وركبة بيضاء

 العرب اليوم -

عنق أسود وركبة بيضاء

سمير عطا الله
سمير عطا الله

كل عقد تقريباً، تشتعل مدن أميركا في مشهد متكرر: شرطي أبيض يقتل رجلاً أسود. الأسود، غالباً، مخالف القانون، الأبيض، دائماً خارج على القانون. قاتل من الدرجة الثانية بذريعة الدفاع عن النفس. تهب الجماهير انتقاماً للضحية. لا وقت لديها لقراءة الفرق بين القتل العمد والقتل الدفاعي.

الجماهير لا تنتظر صدور الأحكام في الجرائم العنصرية: أبيض، أسود. في الماضي كانت المحاكم تنتظر الشهود وأقوالهم والأدلة الثبوتية والاعترافات. الآن، كاميرا وصوت وصورة، والضحية يتوسل صاحب الركبة الضاغطة على عنقه أن يرفعها: لا أستطيع التنفس. والصوت واضح. صوت الاختناق.

في مجتمع هائل الضخامة مثل المجتمع الأميركي، هذه شواذات متوقعة. القاتل. القتيل. نوعية الجزمة وطبيعة الرد عليها. عود ثقاب ينتظر من يولعه: مرة في أحياء السود. مرة في أحياء الكوريين. مرة في أحياء الصينيين. ذهبت مرة برفقة الفريق ضاحي خلفان إلى قيادة الشرطة في دبي. ووجدت في صدر القاعة الرئيسية شريطاً للأخبار من عواصم الدول التي لها جاليات كبرى. لأن أي حادث هناك قد يشعل حادثاً هنا.
صيغة الدول المتعددة هي الأجمل. لكنها أيضاً الأكثر دقة. خصوصاً في قارة مثل أميركا الشمالية، حيث للعنصرية تاريخ حزين لم يُنسَ كله. حتى باراك أوباما، أول رئيس أسود، أدلى بملاحظة مريرة في تعليقه على مقتل الفتى الأسود، فلويد.
ربما كانت الظروف ترغم أوباما. وربما كان عفوياً. لقد أمضى حياته في هذا الجانب من الحياة الأميركية والتاريخ الأميركي. نموذجه في الحياة كان مارتن لوثر كينغ، الزعيم الذي نبذ العنف، لكنه لم يلغ التاريخ الشديد الفظاظة.
لن يستمر ويستعر طويلاً حريق الفتى فلويد الذي سمعته أميركا على مدى الساعات والأيام الماضية يتوسل ركبة الشرطي الأبيض. تسع دقائق وهو يتوسل وتسع دقائق والركبة تضغط على عنق الفتى فلويد. ما يكفي من الوقت ليس لإشعال مينيابوليس وحدها، بل عشرات المدن.
الذين لم يعرفوا أميركا يصعب عليهم تخيل طبيعة الحياة فيها. خريطة الأحياء والجوار وقلوب المدن. ويصعب عليهم أكثر أن يتخيلوا تلك المدن، وقد ضربها الحظْر والحجْر والبطالة والطوابير الطويلة أمام مراكز المساعدة. كل هذه عناصر تلاقت مع بعضها لحظة مقتل الفتى فلويد اختناقاً بركبة شرطي أبيض في مينيابوليس، الاسم الهندي (أميركا) لـ«مدينة المياه». أو «الشلالات». التي لم تستطع أن تطفئ نيرانها حتى الآن.
قطعت الولايات المتحدة مسافة طويلة جداً في الخروج من الماضي العنصري. لكن لا يزال أمامها الكثير. لا يكفي أن يصبح جنرال أسود رئيساً للأركان، أو وزيراً للخارجية. ولا حتى أن يصبح الأسود رئيساً. فالذكريات المرة لا تزال تملأ القلوب. وفي اللحظة الحرجة يعود الشرطي إلى لونه الأبيض ويظل يضغط بركبته على عنق الفتى فلويد.

 

syria

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عنق أسود وركبة بيضاء عنق أسود وركبة بيضاء



GMT 17:14 2021 السبت ,13 شباط / فبراير

مئويتان

GMT 18:18 2021 السبت ,06 شباط / فبراير

من شعر الفرزدق وجرير وأبو تمام

GMT 13:36 2021 السبت ,06 شباط / فبراير

ذهبت ولن تعود

GMT 17:58 2021 الجمعة ,05 شباط / فبراير

ما في أنفسهم

GMT 11:03 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج الحوت الثلاثاء 6 أكتوبر/تشرين الأول 2020

GMT 09:50 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج الجوزاء 6 أكتوبر/ تشرين الأول 2020

GMT 23:09 2021 السبت ,30 كانون الثاني / يناير

ديمة الجندي تسترجع ذكرياتها مع حاتم علي

GMT 07:47 2019 الأربعاء ,25 أيلول / سبتمبر

مرتضى يتحدى الجبلاية ويفتح النار على جنش والخطيب

GMT 15:02 2018 الأربعاء ,11 تموز / يوليو

"رولز رويس" تكشف مكانة السيارات في الستينات

GMT 16:27 2021 الخميس ,04 شباط / فبراير

كيتي بيري تعاني إدمان التسوق والتبذير

GMT 11:35 2020 الثلاثاء ,23 حزيران / يونيو

تطبيق جديد يشبه Photoshop يصل الهواتف الذكية

GMT 18:22 2020 الجمعة ,17 كانون الثاني / يناير

نور الشربيني تمثل مصر في نهائي جي بي مورجان للاسكواش

GMT 19:15 2021 الأربعاء ,27 كانون الثاني / يناير

«ملامح الخمسينيات»... مفردات تعكس حالة من الحنين للماضي

GMT 12:41 2020 الخميس ,15 تشرين الأول / أكتوبر

حالات يجب فيها تغيير زيت محرك السيارة فورًا تعرف عليها
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Syria-24 Syria-24 Syria-24 Syria-24
syria-24 syria-24 syria-24
syria-24
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
syria-24, syria-24, syria-24