مفكرة لشبونة ترام بيروت
آخر تحديث GMT06:28:45
 العرب اليوم -

مفكرة لشبونة: ترام بيروت

مفكرة لشبونة: ترام بيروت

 العرب اليوم -

مفكرة لشبونة ترام بيروت

سمير عطا الله

صغيرة هذه العاصمة وتبدو كأنها معزولة مثل مدن الأطراف. لكن لا يغرنَّك كثيراً هذا المظهر المتواضع. كما وُلدت من رحم الجزر البريطانية الصغيرة دول مثل الولايات المتحدة، وأستراليا، ونيوزيلندا، وبعض كندا، وكما وُلدت من الرحم الإسباني معظم أميركا الجنوبية، فإن البرتغال هي أم البرازيل، سادس دول العالم، شبه القارة المعروفة باسم «أميركا البرتغالية»، أو أيضاً «أرض الببغاوات»، طيور الكلام التي كانت تملأ البلاد عندما بدأ البرتغاليون بالوصول عام 1500.

العام 1534 قسمت هذه المدينة الصغيرة القارة التي اكتشفتها إلى 12 قطاعاً منحتها لاثني عشر من النبلاء والفرسان: سبعة منهم كانوا من قادة الحملات في أفريقيا والهند، وأربعة من أركان البلاط. والنص واضح وصريح: الأرض ملكية مطلقة للسادة الفرسان، وسكانها (الهنود) عبيد لهم.

وجد البرتغاليون أمامهم بلاداً غامرة وشعباً بدائياً. ويصف المؤرخ الفرنسي بيار دو رونسار (1559) البرازيل التي أراد الاستيطان فيها بأن «أهلها يتنقلون ببراءة، عراة على الدوام، من دون خبث، من دون فضائل، من دون رذائل». بالنسبة إلى البرتغاليين كان هؤلاء أَكَلَة لحوم بشرية، يجب تدجينهم وتنصيرهم. وعندما اكتشف الغرب السكّر في القرن السادس عشر سوف تصبح هذه الأرض الشديدة الخصب مصدر ثروات هائلة. ولاحقاً سوف تصبح أرض السكّر والبن أيضاً. في مقهى «برازيلييرا»، مساء كل يوم، لم يكن فرناندو بيساوا يملك ثمن أكثر من فنجان واحد، والآن كل شيء في لشبونة يحمل اسمه. في كل مكتبة جناح خاص بمؤلفاته، بكل اللغات الأوروبية، وبطاقات تحمل صورته الكاريكاتورية البائسة، ساهماً يفكر في اللا شيء واللا أحد، ويخشى اللحظة التي يقف فيها صاحب الشركة، السنيور فاسكيز، فوق رأسه، منبهاً إياه إلى عدم الخطأ في حسابات الزبائن.


شيء واحد لم يكن يتوقف عنه ساعة القهوة البرازيلية: الكتابة. كان يكتب أو يطبع أو «يخربش» على أي شيء يقع تحت يده: ورق الصحف، المناشير، أغلفة الرسائل البريدية، على المطبوعات الدعائية. كما كان يكتب في كل الأنواع: الشعر، المسرح، البحث، الفلسفة، وعلم الفلك. وباسمه، أو بأسمائه المستعارة، كان يكتب بالإنجليزية والفرنسية والبرتغالية.
اليوم الثاني في لشبونة قررنا أن القاعدة القديمة لا تتغير، وأن أفضل الطرق لرؤية المدينة هي التسكع فيها. يا للمفاجأة المدهشة. هذه المدينة مليئة بالحافلات الكهربائية (الترام) مثل بيروت القديمة. ومثلها طلعات ونزلات، والترام العتيق صاخباً يقاوم حدة الطلوع، حاملاً الركاب البسطاء إلى منازلهم وأعمالهم. كان بيساوا يشفق عليه: «يتلوى حول أطراف الساحة محاولاً عدم الخروج عن خطه، ومن حوله تتفرق مذعورة طيور الحمام، كأنها قطع خبز تذروها الرياح».
إلى اللقاء...

 

syria

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مفكرة لشبونة ترام بيروت مفكرة لشبونة ترام بيروت



GMT 18:18 2021 السبت ,06 شباط / فبراير

من شعر الفرزدق وجرير وأبو تمام

GMT 13:36 2021 السبت ,06 شباط / فبراير

ذهبت ولن تعود

GMT 17:58 2021 الجمعة ,05 شباط / فبراير

ما في أنفسهم

GMT 17:56 2021 الجمعة ,05 شباط / فبراير

لو فعلها بايدن!

GMT 17:53 2021 الجمعة ,05 شباط / فبراير

ماذا وراء إعادة صياغة اتهامات ترمب؟

GMT 11:03 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج الحوت الثلاثاء 6 أكتوبر/تشرين الأول 2020

GMT 09:50 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج الجوزاء 6 أكتوبر/ تشرين الأول 2020

GMT 23:09 2021 السبت ,30 كانون الثاني / يناير

ديمة الجندي تسترجع ذكرياتها مع حاتم علي

GMT 07:47 2019 الأربعاء ,25 أيلول / سبتمبر

مرتضى يتحدى الجبلاية ويفتح النار على جنش والخطيب

GMT 15:02 2018 الأربعاء ,11 تموز / يوليو

"رولز رويس" تكشف مكانة السيارات في الستينات

GMT 16:27 2021 الخميس ,04 شباط / فبراير

كيتي بيري تعاني إدمان التسوق والتبذير

GMT 11:35 2020 الثلاثاء ,23 حزيران / يونيو

تطبيق جديد يشبه Photoshop يصل الهواتف الذكية

GMT 18:22 2020 الجمعة ,17 كانون الثاني / يناير

نور الشربيني تمثل مصر في نهائي جي بي مورجان للاسكواش
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Syria-24 Syria-24 Syria-24 Syria-24
syria-24 syria-24 syria-24
syria-24
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
syria-24, syria-24, syria-24