المصالح الثلاث التي حكمت المصالحة
آخر تحديث GMT06:28:45
 العرب اليوم -

المصالح الثلاث التي حكمت المصالحة!

المصالح الثلاث التي حكمت المصالحة!

 العرب اليوم -

المصالح الثلاث التي حكمت المصالحة

سليمان جودة
بقلم - سليمان جودة

في قمتها السنوية هذه السنة، بدت دول الخليج الست على موعد مع خطوتين لم يسبق أن شهدتهما قمة سابقة من القمم الأربعين التي مضت. أما الخطوة الأولى فهي الذهاب إلى بدء العقد الخامس من عمر مجلس التعاون الخليجي الذي يضمها الست معاً تحت سقف واحد، وأما الأخرى فهي إعادة الشيء إلى أصله داخل المجلس، وإنهاء العمل بقرار قطع العلاقات مع حكومة قطر الذي جرى اتخاذه في الخامس من يونيو (حزيران) 2017 من جانب مصر، والسعودية، والإمارات، والبحرين.
وإذا كانت القمة الحادية والأربعون قد انعقدت في الخامس من هذا الشهر، على أرض مدينة العلا السعودية الواقعة شمال غربي المملكة، ثم إذا كانت الأجواء الإيجابية قد أحاطت بها من كل ناحية، فإن ذلك لا بد أن يلفتنا إلى أن ما شهدته المدينة العتيقة لم يولد في يوم وليلة، وإنما كان وراءه بالضرورة عمل ممتد كان سابقاً عليه، وقد كانت المملكة بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز لها دور مهم فيه، وهو دور يمكن جداً تخمين حجمه الكبير ومساحته الواسعة!
وإذا ما جرب المتابع لما جرى أن يتطلع إلى أعمال القمة وحصيلتها، عبر زاوية عريضة من بين زوايا النظر، فسوف يرى أن ثلاثة من المبادئ المستقرة كانت حاكمة لها، وكانت تفرش الطريق إليها منذ اللحظة الأولى، وكانت كفيلة بإنجاحها مهما كانت عقبات هذا الطريق!
كان المبدأ الأول هو الرغبة في تحقيق ما تدعو إليه المصلحة الوطنية على مستوى كل عاصمة من العواصم الخمس، التي كانت طرفاً في قرار قطع العلاقات منذ اتخاذه قبل ثلاث سنوات ونصف السنة. فليس سراً أن الضرر من قرار قطع العلاقات كان حاضراً في كل الأحوال، وكان كل جهد مبذول في طريق إنهاء العمل بالقرار لوقف الضرر، عملاً من أعمال مراعاة مقتضيات المصلحة الوطنية في كل بلد من البلاد الخمسة!
وكان المبدأ الثاني هو الحرص على تماسك البيت الخليجي الذي يتجلى في المجلس، ثم الحرص أيضاً على ترميم أي شرخ قد يطرأ فيصيب جداراً من جدرانه، فالمجلس الذي صمد أربعة عقود في وجه كل رياح كانت تهب من أكثر من اتجاه، والمجلس الذي قفز خلالها فوق عقبات واجهته على طول الطريق بالتأكيد، لم يكن من المناسب أن تأتي أزمة عابرة كهذه فتعصف باستقراره أو تقوض أركانه. وربما يكون علينا هنا أن نتوقف أمام عبارة «البيت الخليجي» التي تصف هذه الرابطة الفريدة بين الدول الست مجتمعة، فليس أقوى من معنى كلمة «البيت» في وصف ما بين المواطنين قبل الحكومات في السعودية، والإمارات، والكويت، وسلطنة عمان، والبحرين، وقطر، من روابط لا تنشأ في العادة، إلا بين أبناء البيت الواحد.
ولم يكن المبدأ الثالث سوى حاضنة تضم الأول والثاني معاً، ولم يكن هذا المبدأ سوى المصلحة العربية التي لا يمكن أن تجد طريقها إلى غايتها، بينما المصلحة الوطنية متضررة، وبينما البيت الخليجي يصادف في سبيله ما ينال من مسيرته الطويلة.
ما تحقق في قمة العلا لا بديل عن أن يكون خطوة أولى يجب البناء عليها، ولا بديل عن أن يدوم ويستمر، ولا بديل عن أن يواصل السعي إلى إحراز أهداف أبعد في مرمى أطراف في المنطقة لا تُسعدها المصالحة، ولا يُريحها أن يكون لمجلس التعاون وجود!وهل نتصور أن طهران يسعدها أن يلتئم شمل مجلس التعاون الخليجي، أو أن يقوى ويصمد على مر الزمان؟! وهل نتخيل أن أنقرة يمكن أن تهنأ أو تنام قريرة العين إذا رأت أن القاهرة والرياض وأبوظبي والمنامة والدوحة تلتقي حول طاولة واحدة؟!
إن أي مراجعة لما تمارسه إيران وتركيا في الإقليم من تخريب، سوف تشير إلى أن الوتيرة فيما تمارسه الدولتان في أكثر من أرض عربية، زادت وتسارعت خلال السنوات الثلاث والنصف التي وقع خلالها قطع العلاقات، ولا أشك لحظة في أنهما كانتا تغذّيان نار الخلاف من وراء ستار!
هذا كله يجعل الدوائر الثلاث متصلة بعضها ببعض على أقوى ما يكون، من أول الدائرة الوطنية في حدود كل دولة، إلى الدائرة الخليجية داخل البيت الأوسع، إلى الدائرة العربية في نطاق البيت الأوسع والأوسع. فكلها تصبّ في وعاء عربي واحد، وكلها تحقق منفعة عامة واحدة، وكلها تخاطب الصالح العربي في غاية المطاف!
أما بيان القمة فمن الواجب أن نتوقف أمام شيئين أساسيين فيه؛ أولهما تلك الفقرة التي تتحدث عن مصر فتقول: «ويؤكد توقيع جمهورية مصر على بيان العلا، توثيق العلاقات الأخوية التي تربط مصر الشقيقة بدول المجلس، انطلاقاً مما نص عليه النظام الأساسي بأن التنسيق والتعاون والتكامل بين دول المجلس، إنما يخدم الأهداف السامية للأمة العربية»!
وإذا ما بحثنا عن ترجمة عملية ترسخ معنى هذه الفقرة من فقرات البيان مصرياً، فسوف نجدها في تأكيد القاهرة المتجدد على أن أمن الخليج بالنسبة لمصر هو خط أحمر. ففي كل مناسبة كان هذا المعنى يشار إلى رسوخه من جديد!
إن النظام الأساسي لمجلس التعاون ينص على أن من حق الدولة التي تستضيف قمته السنوية، دعوة من ترى في وجوده منفعة ومصلحة... وعلى هذا الأساس جاءت دعوة وزير الخارجية المصري سامح شكري من جانب المملكة، ثم على أساس آخر هو أن هذه القمة كانت مخصصة لإنهاء قطيعة سياسية، دامت بين القاهرة والرياض وأبوظبي والمنامة وبين الدوحة ثلاث سنوات ونصف السنة، وكان لا بد من العمل على ألا تدوم أكثر!
والشيء الثاني الذي يستوقفك في بيان القمة أنها قد حملت هذا الشعار: قمة قابوس وصباح... وقد رفعت شعارها هذا، ليس فقط لأن قابوس بن سعيد، سلطان عمان السابق، قد رحل عند أول السنة الماضية، ولا فقط لأن الشيخ صباح الأحمد، أمير الكويت السابق، قد غادر عند آخرها!
فالأول كان آخر الراحلين من مؤسسي المجلس، بعد خمسة من المؤسسين سبقوه هُم: الملك خالد بن عبد العزير، والشيخ زايد بن سلطان، والشيخ جابر الأحمد، والشيخ عيسى بن سلمان، والشيخ خليفة بن حمد، يرحمهم الله جميعاً! وإذا كانت قمة العلا هي أولى قمم المجلس التي تنعقد في غياب المؤسسين، فالمؤكد أن نجاحها في تحقيق المصالحة يعني فيما يعني، أن الجيل التالي لجيل المؤسسين قادر على أن يواصل المسيرة، وأن يضيف إلى كيان المجلس ما يجب أن يضاف!
أما الشيخ صباح فلقد عاش ساعياً، يرحمه الله، إلى البحث عن المشترك الذي يمكن أن يجمع بين الدول الخمس التي شملها قرار قطع العلاقات في حينه، وعاش الرجل إلى وفاته باحثاً عن الشيء الذي يمكن به إنهاء قطيعة لم يكن لها لزوم!
كانت المصلحة الوطنية حاضرة في الطريق إلى المصالحة، ومعها كانت المصلحة الخليجية حاضرة بالدرجة نفسها، ومعهما كانت المصلحة العربية حاضرة كذلك بالتوازي، ولم تكن المصالح الثلاث سوى مقدمات قادت إلى نتائجها بالمعنى الذي يتحدث به أهل المنطق عن ارتباط المقدمة بالنتيجة!

 

syria

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

المصالح الثلاث التي حكمت المصالحة المصالح الثلاث التي حكمت المصالحة



GMT 17:14 2021 السبت ,13 شباط / فبراير

مئويتان

GMT 18:18 2021 السبت ,06 شباط / فبراير

من شعر الفرزدق وجرير وأبو تمام

GMT 13:36 2021 السبت ,06 شباط / فبراير

ذهبت ولن تعود

GMT 17:58 2021 الجمعة ,05 شباط / فبراير

ما في أنفسهم

GMT 10:58 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تجد نفسك أمام مشكلات مهنية مستجدة

GMT 17:22 2018 الأربعاء ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

عرض فيلم وثائقي عن ملكة السول الراحلة أريثا فرانكلين

GMT 15:57 2020 الأحد ,02 شباط / فبراير

التفرد والعناد يؤديان حتماً إلى عواقب وخيمة

GMT 22:02 2019 الخميس ,11 إبريل / نيسان

"إهانة والدة الحكم" تنهي موسم دييغو كوستا

GMT 12:21 2018 السبت ,27 تشرين الأول / أكتوبر

ميس حرب تغني لسيد درويش والشيخ إمام في دار الأوبرا

GMT 22:12 2018 الأربعاء ,10 كانون الثاني / يناير

تعرف على أرقام الهلال على ملعبه قبل الكلاسيكو السعودي

GMT 15:44 2020 الثلاثاء ,08 كانون الأول / ديسمبر

قتلى وجرحى من "قسد" بهجمات في ريف دير الزور

GMT 13:14 2020 الأربعاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

دراسة تُفجر مفاجأة لفعالية "الأسبرين" في محاربة "كورونا"
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Syria-24 Syria-24 Syria-24 Syria-24
syria-24 syria-24 syria-24
syria-24
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
syria-24, syria-24, syria-24