«أرامكو» الفكرة والصفقة
آخر تحديث GMT06:28:45
 العرب اليوم -

«أرامكو» الفكرة والصفقة

«أرامكو» الفكرة والصفقة

 العرب اليوم -

«أرامكو» الفكرة والصفقة

عبد الرحمن الراشد

كانت البداية في الأسبوع الأول من العام الجديد، 2016، حينما رمى فكرة جديدة. قال ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في حديثه لمجلة «الإيكونوميست»، إنه يخطط لطرح نسبة من «أرامكو» في السوق، ضمن حديثه عن خطة جديدة اسمها «رؤية المملكة العربية السعودية 2030».

قلة في الصحافة الغربية استقبلت الوعد بشكل جاد، اعتبرته دعاية تسويقية للنجم السياسي الجديد. طرح «أرامكو» سيعني بسعر السوق، أكبر ثلاث مرات من أكبر طرح في العالم، «علي بابا» الصينية. وحتى في منطقتنا، الشرق الأوسط، لم تُستقبل الفكرة بسهولة. أن تبيع حصصاً في شركة نفط مملوكة للدولة أمر لا يُعقل، كما لو أنك تبيع أحد أولادك. ففي المنطقة تاريخ طويل من أجل التأميم، والحكومة السعودية لم تمتلك «أرامكو» بشكل كامل إلا في عام 1981 بعد إلزام الشركات الأميركية ببيع حصصها. هنا يؤمن الناس بأن الدولة فقط هي من لها أن تملك البحر والسماء والنفط. والبعض عبّر عن خوفه من أن تفتح الصفقة نافذة يتسلل منها الاستعمار الأجنبي، مستذكرين تأميم قناة السويس وصراع الحكومات مع شركات النفط العالمية في الماضي. وفي الغرب هناك عدم حماس أيضاً لكن لأسباب مختلفة، لأن الاستثمار في شركة نفط حكومية مشروع سيخسر اقتصادياً. إضافة إلى أن العديد من المعلقين اعتقدوا أن ما قاله ولي العهد ربما فرقعة إعلامية لأن حكومات العالم الثالث تعجز عن التفكير خارج الصندوق. فقط في الغرب يحدث أن الشركات البترولية تكون قطاعاً تجارياً خاصاً.

وعندما دارت عجلة ترتيبات الاكتتاب في أكبر شركة في العالم، واجهت فيضاناً من التشكيك في الإعلام، بعضه كان معقولاً ضد السرية ونقص المعلومات، والبيروقراطية، وسيطرة القرار المالي والسعري، والتدخل السياسي. وخلال السنتين الفاصلتين هيأت الحكومة «أرامكو» لتكون مناسبة للطرح المستقبلي من حيث الشفافية والفعالية، خطوات حسّنت أداء وسمعة الشركة في كل الأحوال.

ففتحت «أرامكو»، التي كانت توصف بأنها أكثر الشركات سرّية في العالم. وكلفت مؤسسات محاسبة دولية بالمراجعة الداخلية، وشركات لمراجعة العمليات، وأخرى لتقييم احتياطيات النفط المؤكدة. النتائج أكدت أن «أرامكو» شركة تدار بكفاءة إدارية وفعالية تماثل الشركات العالمية. تكلفة إنتاج البرميل الواحد نحو 2.8 دولار فقط، الأرخص تكلفة في السوق.

ماذا عن المخاطر الجيوسياسية؟ في سبتمبر (أيلول) الماضي، هاجمت إيران منشآت «أرامكو». كانت الهجمات أسوأ حتى من حريق نفط الكويت الذي أشعلته القوات العراقية عام 1991. مع هذا، خلال أسبوع من الدمار استردت «أرامكو» حصتها في السوق، وفي ستة أسابيع أصلحت المرافق المتضررة، وأثبتت أنها قادرة على معالجة أخطر التحديات.

الشكوك والتحفظات إلى هنا كانت معقولة، إنما في الأسابيع القليلة السابقة للاكتتاب شُنّت حملة ضد الاكتتاب. ربط الطرح بقضايا حقوق الإنسان والبيئة والتغير المناخي. لا أحد سأل نفس الأسئلة وهو يشتري أسهم «إكسون» أو «موبيل» أو «شل» أو غيرها من شركات النفط التي تنتج في دول بعضها سجلها أسوأ. لم يحتجّ أحد من المدافعين عن البيئة ضد تداول أسعار شركات النفط الكبرى في «ناسداك» أو «بورصة نيويورك»!

وبعد أن صار طرح «أرامكو» حقيقةً، مفيدٌ أن نفهم الوضع من الجانب السعودي. كانت الانتقادات في البداية أن الاكتتاب تأخر عن موعده، وعندما أُعلن قيل إنه تم طبخه سريعاً بسبب حاجة الحكومة إلى التمويل المالي. صحيح أن بيع الأسهم من أهدافه المعلنة تمويل خطط حكومية جديدة، لكن ليس لتمويل خدماتها العامة. كما أن الجدل بشأن تقييم «أرامكو» أمر طبيعي بين البائع والمشتري. فالحكومة تطمح لتأمين أفضل سعر. وسواء تم الاكتتاب بكامل النسبة أم لاحقاً، فإن البترول سيبقى سلعة أساسية للعالم حتى يظهر البديل أو ينفد من باطن الأرض، وهي احتمالات بعيدة نسبياً.

السعودية ليست مضطرة إلى بيع سهم واحد من «أرامكو»، إنما الفكرة في حد ذاتها تعبّر عن أسلوب مختلف في إدارة الدولة. وهو أمر سيلحظه كل من يزور السعودية الآن وسبق له أن زارها؛ بلد يتغير كثيراً وفي كل نواحي الحياة والنشاطات المختلفة.

لقد قطعنا مسافة جيدة في زمن قصير منذ أن طُرحت فكرة طرح أسهم أكبر شركة نفط للبيع، قفزت السعودية ثلاثين مرتبة في العالم في الإصلاح الإداري الحكومي، وفق تقرير البنك الدولي، وأدخلت مفاهيم كثيرة حول دور الحكومة والقطاع الخاص والمرأة والنفط، وفتحت البلاد للزوار بعد أن كانت مغلقة للسياح وللمستثمرين الأجانب والكثير غيرهم.

syria

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«أرامكو» الفكرة والصفقة «أرامكو» الفكرة والصفقة



GMT 18:18 2021 السبت ,06 شباط / فبراير

من شعر الفرزدق وجرير وأبو تمام

GMT 13:36 2021 السبت ,06 شباط / فبراير

ذهبت ولن تعود

GMT 17:58 2021 الجمعة ,05 شباط / فبراير

ما في أنفسهم

GMT 17:56 2021 الجمعة ,05 شباط / فبراير

لو فعلها بايدن!

GMT 17:53 2021 الجمعة ,05 شباط / فبراير

ماذا وراء إعادة صياغة اتهامات ترمب؟

GMT 11:03 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج الحوت الثلاثاء 6 أكتوبر/تشرين الأول 2020

GMT 09:50 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج الجوزاء 6 أكتوبر/ تشرين الأول 2020

GMT 23:09 2021 السبت ,30 كانون الثاني / يناير

ديمة الجندي تسترجع ذكرياتها مع حاتم علي

GMT 07:47 2019 الأربعاء ,25 أيلول / سبتمبر

مرتضى يتحدى الجبلاية ويفتح النار على جنش والخطيب

GMT 15:02 2018 الأربعاء ,11 تموز / يوليو

"رولز رويس" تكشف مكانة السيارات في الستينات

GMT 16:27 2021 الخميس ,04 شباط / فبراير

كيتي بيري تعاني إدمان التسوق والتبذير

GMT 11:35 2020 الثلاثاء ,23 حزيران / يونيو

تطبيق جديد يشبه Photoshop يصل الهواتف الذكية

GMT 18:22 2020 الجمعة ,17 كانون الثاني / يناير

نور الشربيني تمثل مصر في نهائي جي بي مورجان للاسكواش
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Syria-24 Syria-24 Syria-24 Syria-24
syria-24 syria-24 syria-24
syria-24
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
syria-24, syria-24, syria-24