التحرش في بر مصر
آخر تحديث GMT06:28:45
 العرب اليوم -

التحرش في بر مصر

التحرش في بر مصر

 العرب اليوم -

التحرش في بر مصر

بقلم - مأمون فندي

التحرش الجنسي هو ذلك الجسر الرابط ما بين انحطاط الأخلاق في مجتمع ما (incivility)، وبين العنف بشكل عام بمعناه الواسع، بداية من العنف اللفظي إلى العنف المباشر وأذى الحسد. أكتب عن التحرش اليوم، لأن التحرش الجنسي كان العنوان الرئيس للصحف و«السوشيال ميديا» خلال الأسبوع الفائت في بر مصر، والسؤال اليوم كما طرحه سابقاً الدكتور جلال أمين «ماذا حدث للمصريين؟»، الذي يحاول فيه التنظير للتغيرات في حياة المصريين خلال الفترة من 1945 إلى 1995، التي أدت إلى تغيرات بنيوية في الشخصية المصرية. ومن هنا يكون السؤال المصاحب: هل التحرش عرض لمرض أعمق كما سرطان يسري في جسد المجتمع يجب استئصاله؟ أم أنه أمر عارض سيختفي بسرعة؟ أم أنه ذلك الجسر الرابط ما بين العنف اللفظي الذي ساد ثقافة المصريين، والعنف الجسدي الذي يمارسه الأفراد والدولة معاً ضد الخصوم؟

ظاهرة التحرش خلال الأسابيع الفائتة لم تكن مصرية فقط، بل شاهدنا أمثلة عليها في تونس، ونقلت لنا الأخبار قصة التحرش الجماعي بفتاة قاصر في المغرب شوه جسدها بوشوم بذيئة. إذن الظاهرة ليست مقتصرة على مصر، بل ربما تعكس حالة من العنف بدأت تصبح ظاهرة في بلاد العرب تحتاج إلى نقاش يليق بحجم المشكلة. ومع ذلك يبقى السؤال في رأسي، هل نرى زيادة لافتة في نسب التحرش، أم أن الأمر كان موجوداً دائماً، والجديد هو زيادة في الكشف الصحافي المتمثّل في الإعلام الموازي على صفحات التواصل الاجتماعي؟

لا أدعي إلماماً بالحالة المغربية أو التونسية، ولكن استخلاص بعض الملاحظات على الحالة المصرية قد يلقي الضوء على ملامح الظاهرة ودوافعها في بلدان أخرى.

خلال الستين عاماً الماضية حدثت تغيرات كبرى في المجتمع المصري؛ أولها تغيير بنية النظام السياسي وانعكاساته على طبيعة المجتمع.

ظني أن المجتمعات المغلقة سياسياً واجتماعياً تجعل من الحديث أمراً محرماً، أو فاضحاً، ففي الأنظمة الديكتاتورية يمارس الإنسان نوعين من الحياة، واحدة على المسرح الاجتماعي الذي يمثل فيها المواطن، وكأنه على خشبة مسرح، دور المواطن الصالح الكامل، والخالي من كل الأمراض السياسية والاجتماعية، ومتى ما عاد إلى خلوته لعن المجتمع والظروف التي وضعته على هذا الحال، وهذه الملاحظة لا تخص العالم العربي وحده، بل هي ظاهرة أوسع نظر لها الأستاذ بجامعة «ييل» الأميركية جيمس سي سكوت في كتابه الموسوم «أسلحة الضعفاء» (weapons of the weak).

في المجتمعات التسلطية، كما يرى المؤلف، يكون العنف أفقياً، بمعنى أنه، ونتيجة عدم القدرة على الاحتجاج ضد النظام، يمارس الناس العنف تجاه بعضهم البعض بصور مختلفة، والتحرش الجنسي بالمرأة بصفتها الضلع الأضعف هو واحدة من تجليات عدم القدرة على مواجهة النظام.

هناك علاقة بين ذكورة الرجل وبقائه تحت نظام تسلطي، إذ يحس برؤية فرويد على أنه فاقد لتلك الذكورة، لذلك يمارسها على المرأة بشكل عنيف لاستعادة ذكورة اجتماعية مفقودة سياسياً.
فكلما زاد عنف النظام ضد الرجل، يزداد بالتبعية عنف الرجل ضد المرأة للتأكيد على ذكورة تبدو محل شك.

منذ الخمسينات والنظام السياسي يبني عمراناً سياسياً تتاح فيه الذكورة الاجتماعية، وإلغاؤها سياسياً، وإن كان مسموحاً بقدر ما من الذكورة السياسية، فهي موجهة إلى خارج الحدود في الحديث الذكوري عن الاستعمار، والمواجهة مع عدو بعيد، ويتجلى ذلك بوضوح في الأفلام السينمائية المصرية، وبهذا يمكننا القول: إن ظاهرة التحرش الجنسي ليست جديدة، ولا العنف ضد المرأة بجديد، ولكن الرغبة في السرد، ووجود وسائل للنشر غير تلك التي يتحكم فيها النظام المغلق هو الجديد في الأمر. وللحديث بقية.

syria

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

التحرش في بر مصر التحرش في بر مصر



GMT 09:20 2018 الثلاثاء ,09 تشرين الأول / أكتوبر

عن «معارضة الخارج»

GMT 09:18 2018 الثلاثاء ,09 تشرين الأول / أكتوبر

حرب أكتوبر المجيدة تحقق كل أهدافها

GMT 09:16 2018 الثلاثاء ,09 تشرين الأول / أكتوبر

ضباط المخابرات.. الشهداء الأحياء

GMT 09:15 2018 الثلاثاء ,09 تشرين الأول / أكتوبر

الإمارات.. صدارة بقوة شبابها

GMT 09:14 2018 الثلاثاء ,09 تشرين الأول / أكتوبر

بين ترامب وإيران… ما ذنب لبنان

GMT 09:58 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج الأسد 6 أكتوبر/ تشرين الأول 2020

GMT 12:34 2020 الإثنين ,29 حزيران / يونيو

يحذرك هذا اليوم من المخاطرة والمجازفة

GMT 12:55 2019 الثلاثاء ,22 كانون الثاني / يناير

التحالف" يبلغ "قسد" ببقائهم في دير الزور حتى القضاء على داعش"

GMT 09:12 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

أسعار الذهب في سورية اليوم الثلاثاء 6 تشرين الأول / أكتوبر 2020

GMT 20:38 2019 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

إفلاس 5 شركات في ظل الأزمة الاقتصادية التركية

GMT 08:15 2019 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

لوحات تحكي بلسان الأطفال في معرض لون وحب لسناء قولي

GMT 00:33 2019 الأربعاء ,11 أيلول / سبتمبر

زلزال بقوة 5.7 درجة يضرب خليج ألاسكا

GMT 14:55 2019 الثلاثاء ,02 إبريل / نيسان

يحذرك من ارتكاب الأخطاء فقد تندم عليها فور حصولها

GMT 12:35 2018 الإثنين ,24 كانون الأول / ديسمبر

وزيرة التخطيط تُنظم مائدة مستديرة لدراسة موقف الفقر في مصر

GMT 16:04 2018 الثلاثاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

10 وزراء يشاركون فى افتتاح المؤتمر الـ 15 للثروة المعدنية
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Syria-24 Syria-24 Syria-24 Syria-24
syria-24 syria-24 syria-24
syria-24
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
syria-24, syria-24, syria-24