المخاطر الكبرى لحل قاسم سليماني لأزمة العراق
آخر تحديث GMT06:28:45
 العرب اليوم -

المخاطر الكبرى لحل قاسم سليماني لأزمة العراق

المخاطر الكبرى لحل قاسم سليماني لأزمة العراق

 العرب اليوم -

المخاطر الكبرى لحل قاسم سليماني لأزمة العراق

أمير طاهري

لما يقرب من عقدين من الزمان، كان أحد عمال البناء السابقين من مدينة كرمان في جنوب شرقي إيران مسؤولاً عن مشروع بناء الإمبراطورية الذي أطلقته الجمهورية الإسلامية الإيرانية في السنوات الأولى من القرن الجديد.

والرجل المشار إليه هو قاسم سليماني، الذي يُعتقد على نطاق واسع أنه أبرز القادة العسكريين الإيرانيين المفضلين لدى المرشد علي خامنئي. وهو أحد الجنرالات الثلاثة عشر الكبار في المؤسسة العسكرية بإيران، وهي أعلى رتبة عسكرية في الجيش الإيراني، ويملك قاسم سليماني الميزة المضافة التي تتمثل في قيادة قواته العسكرية الخاصة، والمعروفة إعلامياً باسم «فيلق القدس» الذي لا يتلقى أوامره إلا من خامنئي شخصياً. وبالإضافة إلى ذلك، عندما يتعلق الأمر بميزانية «فيلق القدس»، يحصل قاسم سليماني على ما يشبه الـ«شيك على بياض»، أو «السحب على المكشوف». ووفقاً لبيانات مكتب الجمارك الإيراني، يشرف «فيلق القدس» وحده على إدارة 12 رصيفاً عائماً في اثنين من أكبر الموانئ البحرية الإيرانية في خدمة الواردات والصادرات التي لا تظهر لها سجلات في أي تقارير رسمية أو إحصاءات حكومية من أي نوع. ويعد الحصول على الجنسية الإيرانية واحدة من أعسر المحن وأقسى المعضلات البيروقراطية على مستوى العالم. وحُرم الملايين من اللاجئين العراقيين، والأفغان، والأذربيجانيين، من الذين عاشوا في إيران لسنوات طويلة من حق الحصول على الجنسية الإيرانية، وامتد الحظر ليشمل أطفالهم المولودين تحت ظلال الجمهورية الإسلامية الوارفة! ومع ذلك، يكفي الأمر مجرد إيماءة من قاسم سليماني أو من أحد أقرب مساعديه لتأمين الحصول على الجنسية وجواز السفر الإيراني لأي من عملائه أو المرتزقة الخاضعين لإمرته من لبنان، أو العراق، أو باكستان، أو البحرين، أو أفغانستان، أو غيرهم.

ووفقاً للرئيس الإيراني الأسبق محمد خاتمي، يدير قاسم سليماني وزارة خاصة للخارجية، حيث يجري تعيين المبعوثين الخاصّين للجمهورية الإسلامية في العراق، وسوريا، ولبنان، والأردن، واليمن، وأفغانستان. وحتى وقت قريب، كان قاسم سليماني يصف الاستثمارات التي راحت في مشروع بناء الإمبراطورية الإيرانية الخاصة بأنها مكللة بكل نجاح. وقال آية الله علي يونس، واصفاً الأمر: «اليوم، وبفضل الجنرال سليماني، صارت لنا السيطرة الخالصة على أربع عواصم عربية: بيروت، ودمشق، وبغداد، وصنعاء».
وتصوِّر الدعاية الإيرانية الرسمية، التي تُردد صداها المنافذ الإعلامية الغربية، مفارقة مفعمة بالسخرية، الجنرال قاسم سليماني بأنه النسخة الأخيرة من الرجال أصحاب الخلفيات الاجتماعية المتواضعة الذين صعدوا السلم بكل جد واجتهاد ليصبح مثل جنرالات فرنسا الغازية تحت إمرة الإمبراطور نابليون بونابرت. ولو كان سليماني قد عاد به الزمان إلى عصر بونابرت لكان توّج ملكاً على لبنان مثل المارشال الفرنسي برنادوت الذي حاز تاج النرويج والسويد. وإن كنا لنسلّم عقولنا وأفهامنا لوسائل الإعلام الحكومية الإيرانية، فإن قاسم سليماني تمكن من سحق الجيش الإسرائيلي في عام 2006 سحقاً لا رجعة بعده، وألحق الهزيمة المنكرة بمعارضي بشار الأسد في سوريا، ونجح في تفكيك خلافة «داعش» في العراق وسوريا، في الوقت الذي كان يعمل فيه مثابراً على ترسيخ الحكومات الموالية للملالي في كلٍّ من بيروت، ودمشق، وبغداد!

وثارت، في ظل هذه الخلفية اللامعة المنمقة، الانتفاضات الشعبية العارمة الحالية في لبنان والعراق، ناهيكم بالتهميش المهين للجمهورية الإسلامية في سوريا والذي بات يثير التساؤلات والشكوك حول القصة الرسمية للجنرال قاسم سليماني.
بالنسبة إليّ على أدنى تقدير، من الواضح أن قاسم سليماني لم يحقق أي شيء فعلي في سوريا اللهم إلا المساعدة في إطالة أمد الأزمة والمعاناة التي أزهقت أرواح ما يقرب من مليون مواطن ناهيكم بملايين النازحين في الداخل واللاجئين إلى الخارج. وبصرف النظر تماماً عن الأوضاع المعقدة التي قد تتمخض عنها هذه المأساة الراهنة، فلن يعكس مستقبل سوريا بأي حال من الأحوال الخيالات التي تدور في أذهان قاسم سليماني وسيده علي خامنئي. وربما يستمر مخطط الجنرال الإيراني لفترة أطول من الزمن في لبنان، ذلك لأن مخلب القط هناك «حزب الله»، يمارس احتكار الأسلحة والذخيرة، في حين يواصل تطهير الجيش النظامي اللبناني من العناصر الوطنية التي قد لا تتسق، أو هي تتعارض تماماً مع الآيديولوجيا الخمينية. ومع ذلك، وحتى في تلك الأثناء، فمن المرجح للميليشيات الشيعية اللبنانية الموالية لقاسم سليماني أن تدخل في حالة من التحفظ الذاتي بدلاً من أن تكون طليعة الفتوحات الإيرانية الثورية. وبعبارة أخرى، على المدى الوسيط، تكون الجمهورية الإسلامية قد خسرت الجبهتين اللبنانية والسورية بالفعل.

وبالتالي، ربما يتمكنون من كشف العوار الذي تعاني منه الأسطورة الخمينية، مع استيعاب الخسائر الهائلة لأنهم لن يتمكنوا من توجيه التهديدات المباشرة ضد المصالح الإيرانية على اعتبارها دولة قومية

بيد أن الحالة العراقية مختلفة أشد الاختلاف.
بادئ ذي بدء، يشترك العراق مع إيران في أطول شريط حدودي يبلغ طوله نحو 1599 كيلومتراً، وهي الحقيقة التي تشكل الشواغل الأمنية الكبرى لدى البلدين. كما أن العراق هو موطن ثالث أكبر الطوائف الشيعية على مستوى العالم بعد إيران والهند. فضلاً عن أن القبائل الإيرانية العربية كافة المتناثرة عبر جنوب غربي إيران لها فروع وأذرع وبطون على الجانب الآخر من الحدود مع قبائل جنوب العراق. ويوفر الأكراد العراقيون الذين يعيشون على جانبي الحدود رابطة إنسانية قوية بين البلدين. كما يتقاسم العراق وإيران احتياطيات هائلة من النفط، والأنهار، وشط العرب، المصب الرئيسي لكلا البلدين.

ولا يمكن لقاسم سليماني التعامل مع العراق بنفس الطريقة التي يتعامل بها مع لبنان أو سوريا. ففي لبنان، يمكن أن يستعين بإثارة المشاعر والنعرات الطائفية من خلال الزعم بأنه بفضل طهران أصبح فرع «حزب الله» اللبناني الحاكم الآمر الفعلي في جوانب الحكومة كافة بالنيابة عن كبرى الطوائف الدينية في البلاد.

وفي سوريا، يمكنه التحالف مع الأقلية الشيعية العازمة على مواصلة قتال الأغلبية حتى النهاية، إثر قناعة لديه بأن الهزيمة في تلك الحالة لن تعني سوى الانتحار التام. أما في العراق، رغم كل شيء، ترى الأغلبية الشيعية هناك نفسها على مسار منافسة الند بالند للحكومة الإيرانية في القيادة الإقليمية. وحتى بالنسبة إلى الشيعة العراقيين، فإن مدينة النجف العراقية، وليست مدينة قم الإيرانية، هي مبعث الإيمان الشيعي والقلب النابض للحركة الشيعية العراقية.
وتأكيداً للقول، لا يزال قاسم سليماني يسيطر على عدد من الميليشيات الشيعية العراقية، ومن أبرزها «عصائب أهل الحق»، و«الحشد الشعبي»، وما تبقى من «لواء بدر». كما أنه ليس سراً أن العديد من السياسيين العراقيين والملالي هم مثل العملات الرخيصة في جيب طهران. وليس من قبيل المصادفة أن يذكر الشيخ قيس الخزعلي مقالة افتتاحية من صحيفة «كيهان» الإيرانية اليومية، التي تعكس آراء علي خامنئي السياسية، معتبراً إياها تحليلاً شخصياً للأحداث الدامية التي شهدتها مدينة كربلاء العراقية.
وبدءاً من الضجيج الذي تُحدثه حاشية قاسم سليماني والمؤيدين له في مختلف وسائل الإعلام الإيرانية الرسمية، ربما يفكر الجنرال سليماني في حل الأزمة العراقية على المنوال السوري. وإذا ما قرر اتخاذ هذا المسار، فسوف يلقى في نهايته الفشل الذريع. والأسوأ من ذلك، ربما يشكل تهديداً كبيراً على الأمن القومي للجمهورية الإسلامية، لأن إشعال النيران في منزل الجيران لا يجعل منزلنا خالياً من المخاطر بحال.

ومن أكثر طرق الحل حكمةً بالنسبة إلى إيران، حتى في ظل نظام الحكم العجيب القابع في طهران، هو التراجع التكتيكي المدروس في الداخل العراقي، مع احتواء الطموحات الرعناء، واستخدام كل نفوذ تملكه هناك في إقناع الشعب العراقي بحل مشكلاتهم الداخلية في إطار النظام الدستوري الذي ساعدهم على المرور من واحدة من أكثر المراحل عنفاً ودموية في تاريخ أمتهم العريق.

والعراق، حيث يظهر مسلحو قاسم سليماني مع الخميني وخامنئي في الصور الجدارية مدفوعة الأجر قد يبدو في وضعية جيدة بالنسبة إلى ملالي حقبة الثمانينات الذين لا يزالون يسيطرون على مقدرات الأمور في طهران. ومع ذلك، فإن العراق الذي يهيمن على أرجائه السلام والاستقرار في غياب الأدوات الخمينية الخبيثة، هو أفضل كثيراً لأمن الجمهورية الإسلامية القومي ومصالحها الوطنية.

ومرة أخرى نقول، ما يبدو جيداً من وجهة نظر الملالي ربما يكون مُهلكاً لأبعد الحدود بالنسبة إلى الأمة الإيرانية بأسرها.

 

syria

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

المخاطر الكبرى لحل قاسم سليماني لأزمة العراق المخاطر الكبرى لحل قاسم سليماني لأزمة العراق



GMT 18:18 2021 السبت ,06 شباط / فبراير

من شعر الفرزدق وجرير وأبو تمام

GMT 13:36 2021 السبت ,06 شباط / فبراير

ذهبت ولن تعود

GMT 17:58 2021 الجمعة ,05 شباط / فبراير

ما في أنفسهم

GMT 17:56 2021 الجمعة ,05 شباط / فبراير

لو فعلها بايدن!

GMT 17:53 2021 الجمعة ,05 شباط / فبراير

ماذا وراء إعادة صياغة اتهامات ترمب؟

GMT 09:46 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج الثور 6 أكتوبر/ تشرين الأول 2020

GMT 14:20 2019 الإثنين ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

كن دبلوماسياً ومتفهماً وحافظ على معنوياتك

GMT 10:16 2019 الإثنين ,01 إبريل / نيسان

حاذر ارتكاب الأخطاء والوقوع ضحيّة بعض المغرضين

GMT 17:07 2020 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

تتمتع بالنشاط والثقة الكافيين لإكمال مهامك بامتياز

GMT 12:59 2020 الإثنين ,01 حزيران / يونيو

لا تتهوّر في اتخاذ قرار أو توقيع عقد

GMT 04:49 2019 الإثنين ,02 أيلول / سبتمبر

تبحث أمراً مالياً وتركز على بعض الاستثمارات

GMT 08:04 2019 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

فخامة الألوان القاتمة في غرف النوم

GMT 08:21 2019 الثلاثاء ,04 حزيران / يونيو

اللاذقية ضبوط تموينية بحق 4 محطات وقود مخالفة

GMT 11:07 2019 الإثنين ,28 كانون الثاني / يناير

عمر البشير يُصارع من أجل البقاء وسط احتجاجات تُطالب برحيله

GMT 17:38 2019 الأحد ,13 كانون الثاني / يناير

إطلاق الغاز المسيل للدموع على متظاهرين في الخرطوم

GMT 05:20 2018 الأربعاء ,05 كانون الأول / ديسمبر

كيم كارداشيان و لايفلي تتألقان بالفضي في "فيرساتشي"
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Syria-24 Syria-24 Syria-24 Syria-24
syria-24 syria-24 syria-24
syria-24
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
syria-24, syria-24, syria-24