إيران لماذا لم تنفع الوصفة القديمة
آخر تحديث GMT06:28:45
 العرب اليوم -

إيران: لماذا لم تنفع الوصفة القديمة؟

إيران: لماذا لم تنفع الوصفة القديمة؟

 العرب اليوم -

إيران لماذا لم تنفع الوصفة القديمة

بقلم -أمير طاهري

مهما حاولت طبقة رجال الدين الحاكمة في إيران تزيين الأحداث الجارية في البلاد وطرحها في إطار إيجابي، يبقى الأمر الواضح للعيان أن: جمهوريتهم الإسلامية ليست في «مأزق» فحسب؛ وإنما في «مأزق عميق».
وبطبيعة الحال؛ ليست هذه المرة الأولى التي يواجه فيها النظام؛ الذي جرى تشكيله على عجل على أيدي مجموعة من الملالي وأنصارهم اليساريين، عقبة في طريقه نحو المجهول؛ ذلك أنه حتى خلال عامها الأول، واجهت «الجمهورية الإسلامية» حركة مظاهرات ضخمة في طهران وعدد من المدن الكبرى الأخرى، واضطرت لاستخدام القوة لسحق حركات تمرد في صفوف الأكراد والتركمان داخل إيران.
وتبعاً لأفضل التقديرات المتاحة، فإنه كي تضمن بقاءها، أعدمت «الجمهورية الإسلامية» أكثر من 15 ألف شخص، ودفعت بأكثر من 8 ملايين إيراني نحو المنفى، ناهيك بحرب الأعوام الثمانية التي أشعلها آية الله الخميني مع العراق في ظل قيادة صدام حسين. ورغم كل هذا، فإن النظام نجح في البقاء بفضل عدد من العوامل.
كان أول هذه العوامل امتلاك الجمهورية الإسلامية قدراً ضخماً من النقد من عائدات صادرات النفط. ونتيجة الارتفاع المستمر في أسعار النفط، حصدت الجمهورية الإسلامية على مدار الأعوام الـ30 الأولى من تاريخها ما يفوق ما حصلت عليه إيران منذ أن بدأت التنقيب عن النفط عام 1908 بمقدار يتجاوز 20 ضعفاً.
وبفضل هذا المصدر المتاح للنقد، لم يجد حكام إيران الجدد أنفسهم بحاجة إلى المواطنين بصفتهم مصدراً للدخل عبر الضرائب مثلما الحال في البلدان الطبيعية.
في الوقت ذاته، لم يكن الحكام الجدد بحاجة إلى المواطنين كي يفوزوا في الانتخابات، نظراً لأن المرشحين كانوا ينالون الموافقة مسبقاً. ولم تكن الحكومة بحاجة إلى مواطنين كي يعملوا على استمرار الاقتصاد، خصوصاً أن أكثر من 4 ملايين لاجئ من أفغانستان والعراق وأذربيجان التي كانت تابعة للاتحاد السوفياتي، وفّروا مصدراً ضخماً للأيدي العاملة الرخيصة.
وحول ما يتعلق بقتال المواطنين من أجل النظام، لم يكن الأخير بحاجة ملحة للمواطنين مرة أخرى نتيجة نجاحه في الاستعانة بمرتزقة من الدول المجاورة، خصوصاً أفغانستان والعراق وسوريا واليمن ولبنان.
وكانت خطط الحروب بالوكالة هي التي جعلت من الجنرال قاسم سليماني بطلاً في الجمهورية الإسلامية. في الواقع، لم يكن سليماني بحاجة إلى أي خبرة عسكرية، وإنما كل ما احتاج إليه العمل آلة لضخ المال من أجل مقاتليه العاملين بالوكالة.
إلا إن الوضع تبدل اليوم، وتضاءلت العائدات النفطية عن ذي قبل. ويأمل النظام الإيراني في الحصول على نحو 60 مليار دولار سنوياً لتغطية نفقاته الأساسية. أما الاحتياطي الحالي المخصص للحرب، والذي جرى بناؤه على مدار سنوات عدة، فلن يتمكن من تغطية تلك النفقات الأساسية لأكثر من عام من الآن.
وتمثل عنصر آخر مهم في استراتيجية النظام الإيراني في ثقته بأنه مهما فعل في الداخل أو الخارج، فإن الدول الأخرى ستتحاشى دوماً اتخاذ إجراءات قوية ضده، وستفضل الحوار والتوصل إلى تسوية. إلا إنه اليوم بدأ هذا الخيار هو الآخر في التلاشي. وأشك في أنه حتى الأوروبيون الذين لطالما كانوا ضعاف القلوب في تعاملهم مع الملالي، سيرضون اليوم بمجرد ابتسامة ودّية ووعد بسلوك حسن مستقبلاً من طهران. وربما لا يزال الأمل يداعب الرئيس حسن روحاني ومن يطلق عليهم «فتية نيويورك» المحيطين به، في أن يصل مرشح عن الحزب الديمقراطي إلى البيت الأبيض قريباً. لكن حتى لو حدث ذلك، فإنني أشك في أن أي رئيس أميركي في المستقبل سيكرر الأخطاء التي اقترفها باراك أوباما.
حتى قوة براغماتية مثل روسيا لم تَعُد تبدو على استعداد لخوض اللعبة تبعاً للقواعد التي صاغها الملالي. في الواقع، التجاهل الكامل من جانب الملالي للقوانين والأعراف الدولية للسلوك، والذي تجلى على نحو مأساوي في إسقاط طائرة الركاب الأوكرانية في طهران، يجعل من الصعب حتى على ألدّ أعداء أميركا في الغرب وغيره الاستمرار في طرح الأعذار والمبررات لنظام فاسد وقاسٍ ويفتقر إلى الكفاءة.
ودارت الخطوة التالية في سيناريو الملالي حول تصوير أنفسهم على أنهم أشخاص وطنيون، ومطالبة الإيرانيين بغفران الهفوات التي يقعون فيها باسم الوطنية الخالصة. الملاحظ أن معاون روحاني المقرب، جواد ظريف والذي يتقلد منصب وزير الخارجية، كثيراً ما يتحدث عن «حضارة إيران الممتدة لـ7 آلاف عام» ويدّعي أنه «كنّا سادة العالم قبل أن يظهر الأميركيون على الخريطة». ومع ذلك، يبدو أن هذه الحيلة لم تفلح هي الأخرى، ذلك أن غالبية الإيرانيين، بمن فيهم كثير ممن يسوّقون المبررات للنظام داخل الغرب، يدركون جيداً أن الآيديولوجيا الجوهرية التي يقوم عليها النظام (الخمينية) تحمل في طياتها كراهية عميقة لكل ما هو إيراني.
والملاحظ أن محاولة الملالي الأخيرة لتسويق الجنرال سليماني على أنه بطل إيراني، وأيقونة قومية، أثبتت فشلها مع إقدام متظاهرين إيرانيين على تمزيق صوره. الحقيقة أن سليماني كان مجرد آلة لتوزيع المال؛ لم يفكر يوماً في أن يطلب من الإيرانيين الإذن في إنفاق أموالهم بالخارج. ولم تجرِ مناقشة الخطط التي كان يتولى الإشراف على تنفيذها في أي مكان، ولا حتى داخل المؤسسات التابعة للنظام ذاته، ناهيك بأي منتدى عام. كما أنه لم يكن مسؤولاً أمام أي شخص سوى «المرشد الأعلى» علي خامنئي الذي، تبعاً لما ورد في المقابلة الصحافية الوحيدة التي أجراها سليماني، لم يعبأ يوماً بالخوض في أي تفاصيل.
ويدور ملمح آخر في سيناريو البقاء الذي ينتهجه النظام في إثارة آمال كاذبة من خلال الدفع بشخصيات يفترض أنها «إصلاحية» وقادرة على أن تضع على وجهها ابتسامة بدلاً من الوجه العابس للنظام، وذلك لإرضاء بعض الإيرانيين وكثير من الأجانب السذج.
ومع ذلك، أصبح من الصعب اليوم تكرار هذه الخدعة، خصوصاً أن المزيد والمزيد من الفاعلين داخل لعبة «السعي وراء الإصلاح» أدركوا أنه يجري التلاعب بهم لكسب مزيد من الوقت فحسب. وعندما أخفقت جميع الخيارات الأخرى، أدرك الملالي أن بإمكانهم التشبث بالسلطة من خلال تنفيذ عمليات قتل وإلقاء قبض واسعة النطاق. وفي كل مرة استغلوا فيها هذه الحيلة، نجحوا في كسب بضع سنوات إضافية. إلا إن الأمر قد يكون مختلفاً هذه المرة.
يذكر أن الموجة الحالية من المظاهرات اشتعلت في غضون أيام قليلة من سحق الانتفاضة الوطنية السابقة. وبدت الجولة السابقة من المظاهرات منقسمة بين المطالبة بتغيير في النظام، والمطالبة بإجراء تغييرات شكلية؛ بينها استقالة عدد من كبار المسؤولين. ومع هذا، تركز المظاهرات الأخيرة بوضوح على المطالبة بتغيير النظام، حتى من جانب بعض «الساعين نحو الإصلاح» سابقاً. ويعني كل ذلك أن الوصفة الكلاسيكية للبقاء التي ينتهجها النظام لم تعد فاعلة؛ على خلاف ما كانت عليه سابقاً. وللمرة الأولى، بدأت أعداد متزايدة من الإيرانيين في النظر إلى تغيير النظام على أنه ليس فقط شعاراً مرغوباً، وإنما كذلك استراتيجية عملية لإنقاذ البلاد من المأزق الذي صنعته الخمينية.
 

 

syria

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

إيران لماذا لم تنفع الوصفة القديمة إيران لماذا لم تنفع الوصفة القديمة



GMT 15:47 2020 السبت ,11 تموز / يوليو

اسرائيل تعاني ونتانياهو يعتمد على اليمين

GMT 17:16 2020 الخميس ,09 تموز / يوليو

الكونغرس لا يريد بيع السلاح الى العرب

GMT 16:25 2020 الثلاثاء ,07 تموز / يوليو

أخبار من السعودية والولايات المتحدة وأوروبا

GMT 13:15 2020 السبت ,04 تموز / يوليو

معارضة عزم اسرائيل ضم الضفة الغربية

GMT 15:24 2020 السبت ,20 حزيران / يونيو

كتاب ومقال أعرضهما على القراء

GMT 09:58 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج الأسد 6 أكتوبر/ تشرين الأول 2020

GMT 12:34 2020 الإثنين ,29 حزيران / يونيو

يحذرك هذا اليوم من المخاطرة والمجازفة

GMT 12:55 2019 الثلاثاء ,22 كانون الثاني / يناير

التحالف" يبلغ "قسد" ببقائهم في دير الزور حتى القضاء على داعش"

GMT 09:12 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

أسعار الذهب في سورية اليوم الثلاثاء 6 تشرين الأول / أكتوبر 2020

GMT 20:38 2019 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

إفلاس 5 شركات في ظل الأزمة الاقتصادية التركية

GMT 08:15 2019 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

لوحات تحكي بلسان الأطفال في معرض لون وحب لسناء قولي

GMT 00:33 2019 الأربعاء ,11 أيلول / سبتمبر

زلزال بقوة 5.7 درجة يضرب خليج ألاسكا
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Syria-24 Syria-24 Syria-24 Syria-24
syria-24 syria-24 syria-24
syria-24
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
syria-24, syria-24, syria-24