مزالق السلام الهش في أفغانستان
آخر تحديث GMT06:28:45
 العرب اليوم -

مزالق السلام الهش في أفغانستان

مزالق السلام الهش في أفغانستان

 العرب اليوم -

مزالق السلام الهش في أفغانستان

أمير طاهري
أمير طاهري

صرح دونالد ترمب، حتى قبل وصوله إلى البيت الأبيض بأنه – كرئيس للولايات المتحدة – سوف ينأى بنفسه تماماً عن السياسات التي أدت إلى إخفاقات سلفه الرئيس باراك أوباما الشهيرة على صعيد السياسة الخارجية. ومع ذلك، يبدو أنه يتأهب استعداداً لمتابعة إحدى تلك السياسات الفاشلة - بحماسة بالغة - من خلال الشروع فيما يمكن أن يسفر عن فك الارتباط المبكر من أفغانستان.

وإثر انبهاره الشديد بمصطلح «إبرام الصفقات»، أطلق ترمب على سياسته الراهنة اسم «صفقة السلام» مع حركة «طالبان» أو مع حفنة من الشخصيات الذين يقدمون أنفسهم على اعتبار أنهم زعماء الحركة التي كانت تهيمن – ذات يوم – على ربوع أفغانستان.

وبموجب «الصفقة» الجديدة، تتعهد حكومة الولايات المتحدة بسحب قواتها المتبقية في أفغانستان في غضون 135 يوماً في مقابل وعد من حركة «طالبان» بمحاربة الجماعات الإرهابية التي ربما تهدد مصالح الولايات المتحدة وأمنها القومي. وهناك الكثير من المشكلات الأساسية ذات الصلة بهذه «الصفقة» تلك التي وصفتها الإدارة الأميركية بأنها «تذكرة السلام» إلى الأرض التي مزقتها الحروب منذ سبعينات القرن الماضي.

بادئ ذي بدء، ليس من المؤكد على الإطلاق أن مجموعة الشخصيات التي تفاوضت بشأن «الصفقة» تمثل فعلياً حركة «طالبان». بل في واقع الأمر، وصلت إلينا عشرات البيانات، وأغلبها عبر مختلف منصات التواصل الاجتماعي، صادرة عن شخصيات تزعم أن «صناع الصفقة» مع الولايات المتحدة لا يمثلون ولا يتحدثون باسم الحركة الأفغانية.
والأهم من ذلك، أنه من المحتمل أن ما يُعرف باسم «حركة طالبان»، ربما لم يعد لها وجود فعلي على أرض الواقع كمنظمة واحدة متماسكة، هذا إن كانت موجودة في المقام الأول. حتى في تسعينات القرن الماضي، عندما أوجدت الاستخبارات العسكرية الباكستانية تلك الجماعة (التنظيم) كإحدى أدوات التأثير على السياسات الداخلية في أفغانستان في حقبة ما بعد الاتحاد السوفياتي، كانت حركة «طالبان» عبارة عن علامة للتطرف والإرهاب الإسلاموي بأكثر من كونها منظمة حقيقية ذات وجود على أرض الواقع في البلاد.
أيضاً اشتملت حركة «طالبان» في أفغانستان على عدد كبير من «العائلات» التي تضافرت لإقامة كيان موحد، تحت قيادة ضباط وضباط صف باكستانيين منتدبين، وقاموا بالاستيلاء على العاصمة كابل لإقامة إمارة أفغانستان الإسلامية.
وبعد الإطاحة بحكم «طالبان»، بفضل التدخل العسكري الأميركي في عام 2001، تفتت حركة «طالبان» مرة أخرى. واليوم، يمكننا الوقوف على عشرات الجماعات من مختلف الأعداد والأحجام التي تزعم تصدرها المشهد الأفغاني.
ومن بين هذه الجماعات، هناك «مجلس كويتا» الموجود في مقاطعة بلوشستان الباكستانية الذي يمكن اعتباره ذراعاً من أذرع إسلام آباد لتنفيذ السياسات الإقليمية. وهناك جماعة أخرى، تحمل مسمى «دوست شيوخ محمد» موجودة في الأراضي الإيرانية المتاخمة للحدود الأفغانية، ويتعين على المرء الافتراض بتنسيق السياسات مع الحكومة الإيرانية. فضلاً عن جماعة ثالثة، تنتمي بدرجة كبيرة إلى ما يُعرف بشبكة جلال الدين حقاني، ولها تمثيل دبلوماسي معروف في العاصمة القطرية الدوحة.
ثم هناك حركة «طالبان» الباكستانية الخالصة، والتي يتحدر عناصرها من جنوب وزيرستان ووادي سوات الذين يعتبرون الاستيلاء على العاصمة كابل خطوة على طريق الاستيلاء على السلطة في إسلام آباد.
وبالإضافة إلى الجماعات سالفة الذكر، هناك الكثير من الجماعات والعصابات الأخرى التي تركز أعمالها على أنشطة السوق السوداء، وصفقات المخدرات، والاختطاف بغرض الفدى، وغسل الأموال. كما تتخصص جماعات أخرى عدة في أعمال تهريب العملات الأجنبية إلى إيران التي أسفرت عن أزمة التدفق النقدي الكبيرة إلى حالة من التعطش الشديد للدولار الأميركي بصرف النظر تماماً عن مصدره.
ثم هناك عدد من الجماعات الإرهابية، ولا سيما تنظيم خراسان وتنظيم «القاعدة» الإرهابيين، فضلاً عن تنظيم «داعش»، والتي تتطابق أجنداتها مع حركة «طالبان» في بعض الحالات وتتعارض معها في مناسبات أخرى. والأمر الوحيد الذي يوحد أعضاء هذه الجماعات هو الحلم المشترك باستعادة السيطرة على العاصمة كابل واستعادة «الإمارة» التي سمحت لهم بالسيطرة والحكم على مساحات شاسعة من الأراضي على النحو الذي يروق لهم.
وتعتبر «الصفقة» المذكورة في حد ذاتها نموذجاً من نماذج السذاجة الخطيرة للغاية. وهي تهدف إلى مبادلة أمر ملموس ويمكن التحقق بسهولة منه – وهو انسحاب القوات الأميركية، في مقابل أمر غير ملموس ولا يمكن التحقق بسهولة منه، وذلك في صورة التعهد بمنع أعمال العنف الإرهابية ضد مصالح الولايات المتحدة. والأهم من ذلك، أنه ليست هناك آلية واضحة تضمن مساءلة أو محاسبة زعماء «طالبان» على عدم احترام والالتزام ببنود «الصفقة» المبرمة. وبمجرد انتهاء الوجود العسكري الأميركي في أفغانستان، سوف يكون بمقدور حركة «طالبان» القيام بما تشاء بشأن «الصفقة» المذكورة، إثر يقينها من أن فكرة تسويق الغزو العسكري الثاني لأفغانستان إلى الشعب الأميركي الساخط على الحروب الخارجية لن تكون من الأمور التي يمكن تصورها على المدى البعيد.
وكان حلم إبرام «الصفقة» مع حركة «طالبان» قد داعب مخيلة الإدارة الأميركية منذ عهد الرئيس الأسبق بيل كلينتون الذي أرسل مستشار الأمن القومي في حكومته بيل ريتشاردسون إلى كابل من أجل عقد جلسة مباحثات «مثمرة» مع الملا محمد عمر زعيم الحركة آنذاك، والذي رحب بالأموال الأميركية وانطلق إلى إصدار الضجيج اللازم لاسترضاء الرئيس ومستشاره للأمن القومي مع غض الطرف تماماً عن استعدادات تنظيم «القاعدة» لشن هجمات الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) لعام 2001. وقبل أسابيع قليلة من هجمات سبتمبر، وصلتنا أنباء موثوقة من مصادر مطلعة أنه بعد اعتماد سياسة بيل كلينتون في أفغانستان، كانت إدارة الرئيس جورج دبليو بوش على استعداد للاعتراف بنظام حكم «طالبان»، بل وتبادل السفراء بين واشنطن وكابل في تلك الأثناء.
ومع الانتقال إلى فترة ولاية باراك أوباما، جرى عقد سلسلة من مؤتمرات السلام، بدعم واضح من الولايات المتحدة، في فرنسا والمملكة المتحدة، فضلاً عن إنشاء صندوق للتمويل الائتماني بقيمة 200 مليون دولار حمل اسم «طالبان ترست – صندوق طالبان»؛ بهدف إقناع الجماعة للتحول من جماعة متمردة إلى حزب سياسي مع تقاسم السلطة مع الحكومة في كابل. وفي خاتمة المطاف، ورغم كل شيء، لم يتمكن النمر من الانسلاخ عن جلده. وكان المسؤولون الأميركيون، ومن بينهم الجنرال ستانلي ماكريستال، ممن لم يؤيدوا المقامرة المشار إليها مع «طالبان»، ارتأوا أن حياتهم المهنية باتت على منحدر الزوال. ولا بد من إيضاح نقطتين في هذا المقام:
أولاً، هناك طيف من الجماعات التي تحمل العلامة التجارية المعهودة لحركة «طالبان»، لكنها لا يمكن اعتبارها ممثلة للأمة الأفغانية بأي حال من الأحوال. وينبغي لأي اتفاق للسلام هناك أن يخلق لهم مكاناً معتبراً داخل أفغانستان الجديدة، وليس العكس. ويتعين عليهم نزع سلاحهم، وقبول الإطار الدستوري الجديد، مع السعي للحصول على نصيب من كعكة السلطة عبر صناديق الاقتراع.
ثانياً، على الرغم من التعرجات الواضحة، فإن أفغانستان الجديدة، على الرغم من إرهاقها وإنهاكها الشديد، وفسادها المستشري، والفوضى العارمة التي صارت من أبرز سماتها، لا تزال تتعثر على طريقها نحو المستقبل، وهي على حالها المزري الراهن أفضل بكثير، أو هي أقل سوءاً، من أي شيء تتعهد به حركة «طالبان» أو يمكن أن تقدمه في يوم من الأيام.
لقد انتصرت الولايات المتحدة في تلك الحرب وخسرتها حركة «طالبان». وأصبح السبيل الوحيد نحو السلام، منذ بداية التاريخ، بأيدي أولئك الذين فقدوا الخضوع لإرادة المنتصرين.

 

syria

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مزالق السلام الهش في أفغانستان مزالق السلام الهش في أفغانستان



GMT 17:14 2021 السبت ,13 شباط / فبراير

مئويتان

GMT 18:18 2021 السبت ,06 شباط / فبراير

من شعر الفرزدق وجرير وأبو تمام

GMT 13:36 2021 السبت ,06 شباط / فبراير

ذهبت ولن تعود

GMT 17:58 2021 الجمعة ,05 شباط / فبراير

ما في أنفسهم

GMT 15:17 2019 الإثنين ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

تجنب اتخاذ القرارات المصيرية أو الحاسمة

GMT 14:56 2020 الجمعة ,10 إبريل / نيسان

أحوالك المالية تتحسن كما تتمنى

GMT 16:42 2020 الأحد ,01 آذار/ مارس

التصرف بطريقة عشوائية لن يكون سهلاً

GMT 08:55 2019 الثلاثاء ,10 أيلول / سبتمبر

موسكو تعلق على "موت" المفاوضات بين واشنطن وطالبان

GMT 14:09 2019 الثلاثاء ,02 إبريل / نيسان

تبدأ بالاستمتاع بشؤون صغيرة لم تلحظها في السابق

GMT 17:40 2018 الجمعة ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

BMW تعيد السيارات الهجينة من جديد بطرح "E 330 " تعرف عليها

GMT 10:21 2018 السبت ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

"جبهة النصرة" تعلن الحرب على الجيشين الروسي والسوري

GMT 11:33 2018 الجمعة ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

الجيش المصري يفتتح مجمعًا حضاريًا متكاملًا في وسط سيناء

GMT 16:56 2018 السبت ,27 تشرين الأول / أكتوبر

وزير الخارجية البريطاني يلتقي بنظيره السويسري

GMT 21:27 2018 الأحد ,03 حزيران / يونيو

طريقة سهلة وبسيطة لإعداد بان كيك بالشوكولاتة

GMT 04:22 2021 الثلاثاء ,26 كانون الثاني / يناير

ارتفاع وتيرة تفشي كورونا في مناطق شمال شرقي سورية

GMT 12:51 2020 الإثنين ,01 حزيران / يونيو

لا تكن لجوجاً في بعض الأمور
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Syria-24 Syria-24 Syria-24 Syria-24
syria-24 syria-24 syria-24
syria-24
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
syria-24, syria-24, syria-24