إعادة اختراع القضية الفلسطينية
آخر تحديث GMT06:28:45
 العرب اليوم -

إعادة اختراع القضية الفلسطينية!

إعادة اختراع القضية الفلسطينية!

 العرب اليوم -

إعادة اختراع القضية الفلسطينية

بقلم - حازم صاغية

«صفقة القرن» تستحقّ الهجاء الذي نالها وأكثر: تنكّرٌ للحقّ والعدل. دعم زعيم لزعيم، والاثنان تسائلهما المحاكمات، وتنتظرهما الانتخابات. بتّ المسألة كأنّها مسألة عقاريّة. تغييب «الشريك» الفلسطينيّ. ضعف الغطاء الدوليّ... إذن فشلٌ مُرجّح.
هذا كلّه لا يقلّل من خطورة «الصفقة» كسابقة في شرعنة الأمر الواقع. مجرّد صدورها يهبط بالسقف إلى الأدنى، ويعلن عن رغبة، قد تكبر، في طي هذا الصراع بأي ثمن، أو بالأحرى، بلا ثمن.
لكنّ «الصفقة» لم تهبط من عدم، ولا هي نتاج تآمر هنا وخيانة هناك. ثمّة تاريخ يمتدّ على مدى قرن من الصراع تغيّر فيه العالم العربي كثيراً، وتغيّر العالم أكثر.
أمّا الفلسطينيّون فعملت الأكثريّة الساحقة من تلك التغيّرات ضدّهم: اجتمع سوء الحظّ وسوء السياسة وضعف الموقع التفاوضي، ليجعل هذا القرن قرناً من الهزائم.
وللأمانة، لم يترك الفلسطينيّون شيئاً إلاّ فعلوه على مدى القرن. الصالح جُرّب والطالح جُرّب. النتائج لم تتغيّر.
في 1936 قاتلوا كعائلات وحمولات. بين 1967 و1982 قاتلوا كتنظيمات وفصائل. بعد 1993 قاتلوا كسلطة. قاتلوا إبّان الحرب الباردة وقبلها وبعدها. من الأراضي المحتلّة قاتلوا بما أتاحته انتفاضتان، سلميّة وعنفيّة، وقاتلوا من الخارج العابر للحدود. قاتلوا مدعومين من السوفيات والصينيّين، لكنّهم أيضاً سالموا مدعومين من الأميركيّين والأوروبيّين. مارسوا السلام المتصلّب مرموزاً إليه بعرفات، والسلام المتراخي مرموزاً إليه بعبّاس، والسلام عبر المدخل الاقتصادي لفيّاض. قادهم في الحرب والسلم طرف «يمينيّ» هو «فتح»، وفي الحرب تحديداً ساهمت في قيادتهم أطراف «يساريّة» كالجبهتين الشعبيّة والديمقراطيّة، وأخرى إسلاميّة كـ«حماس» و«الجهاد». اعتمدوا «حرب الشعب طويلة الأمد»، واعتمدوا خطف الطائرات قصير الأمد، وجذبتهم تجارب تمتدّ من غيفارا إلى مانديلا، ووسّعوا صفوفهم لأفراد ككارلوس ولمنظّمات ثوريّة وإرهابيّة من أبعد أطراف العالم، كما لأفراد باسيفيّين مُحبّين لأي سلام ومناهضين لكلّ حرب. انفتحوا على يهود معادين للصهيونيّة وضمّوا حاخاماً منهم إلى مجلسهم الوطنيّ، وأتاحوا لأصوات لاساميّة أن تنمو في مناخ ثورتهم. وفي هذه الغضون، تحالفوا مع أنظمة عربيّة محافظة، ومع أخرى عسكريّة وانقلابيّة، ومع إيران. بعضهم، كجبهة «القيادة العامّة» وقبلها «الصاعقة»، كان امتداداً للنظام السوريّ، وبعضهم، كـ«جبهة التحرير العربيّة»، كان امتداداً للنظام العراقي في عهد صدّام، والبعض الأكبر الذي عبّرت عنه «فتح» تمسّك بـ«القرار الوطني المستقلّ»، ما كلّف الفلسطينيّين غالياً على يد حافظ الأسد. وعلى مدى تلك السنوات، عملوا في ظلّ شعار «عدم التدخّل في الشؤون الداخليّة» للبلدان العربيّة، وفي ظلّ شعارات كـ«كلّ السلطة للمقاومة» التي كلّلت حربين أهليّتين في الأردن ولبنان.
والعرب أيضاً، وفي حدود إسهامهم، شاركوا في تقلّب التجارب، وزادوها تقلّباً، وغالباً ما ضاعفوا مرارتها. حاربوا إسرائيل كأنظمة محافظة وكأنظمة عسكريّة. حاربوها كحلفاء للغرب وكحلفاء للسوفيات. حصل ذلك في 1948 و1967 و1973، بسبعة جيوش ثمّ بثلاثة ثمّ بجيشين، قبل أن تنحصر الحروب، منذ 1982، بلبنان والضفّة وغزّة.
هذا المسار التاريخيّ، بتناقضاته وهزائمه، صار يستدعي إعادة تعريف، أو إعادة اختراع، للقضيّة الفلسطينيّة. الوضوح بات مفقوداً، والجاذبيّة باتت ضعيفة.
فاليوم، مثلاً، تُسمع من البيئة الفلسطينيّة أربعة أصوات: نريد أراضي تقسيم 1947. نريد أراضي 1948. نريد أراضي 1967. نريد أراضي أوسلو في 1993.
أيضاً، لم يعد مفهوماً تماماً هل القضيّة وطنيّة فلسطينيّة، أم قوميّة عربيّة، أم إسلاميّة تحتلّ الصلاة في القدس موقع القلب منها، أم كلّ هذه معاً؟ وهل هي قضيّة سياسيّة يجوز تعريضها للسؤال كما يجوز فيها الاختلاف، ومن السؤال والاختلاف تنبثق الأفكار، أم أنّها قضيّة مقدّسة لا يجوز عليها السؤال ولا يجوز فيها الاختلاف، بحيث تتعفّن ويُترك أمرها لحكّام مُرائين يستثمرون في قداستها.
ومن ثمّ، هل الثورات العربيّة مفيدة للقضيّة الفلسطينيّة ومكمّلة لها، أم أنّها تنافسها وتضرّ بها؟
وأخيراً، هل «صفقة القرن» نفسها نكبة كبرى تحاول تكريس ما انتهت إليه حرب 67 في أسوأ تأويلاته، أم أنّها فرصة لتفجير طاقة ثوريّة لا يوجد دليل عليها، لا بين الفلسطينيّين، ولا بين سائر العرب المشغولين بهمومهم الفائضة؟
إعادة اختراع المسألة بات مطلوباً بإلحاح، وأوّل العمليّة نبذ الكلام القديم والمكرور، في السياسة والأدب والإعلام، والبحث تالياً عن كلام جديد، ولا بأس بأن نقول: كلام صادم ومفاجئ. وإعادة الاختراع تمرّ حتماً باستبعاد تلخيص الموضوع، وتجنّب البحث عمّا سماه الكاتب الفلسطيني حسن خضر «كبش المحرقة». فعبّاس و«حماس» وأوسلو والمقاومة وسواهم، ومَن قبلهم ومَن بعدهم...، كلّهم أسهموا فيما وصلنا إليه، لكنْ ما من طرف وحيد فعل هذا كلّه. تحميل طرف بعينه هو عودة، من طريق التفافيّة، إلى منطق الحرب الأهليّة.
السلطة سيّئة؟ نعم، لكنْ ماذا عن «حماس»؟ «حماس» سيّئة؟ نعم، لكن ماذا عن السلطة؟ الطرفان سيّئان؟ إذن ما البديل؟ مقاومة؟ بأي مجتمع واقتصاد ومعنويّات وإرادة؟
يقول البعض: «الأمّة في مواجهة الصفقة». لكنْ أين «الأمّة»؟ في إدلب؟

 

syria

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

إعادة اختراع القضية الفلسطينية إعادة اختراع القضية الفلسطينية



GMT 18:18 2021 السبت ,06 شباط / فبراير

من شعر الفرزدق وجرير وأبو تمام

GMT 13:36 2021 السبت ,06 شباط / فبراير

ذهبت ولن تعود

GMT 17:58 2021 الجمعة ,05 شباط / فبراير

ما في أنفسهم

GMT 17:56 2021 الجمعة ,05 شباط / فبراير

لو فعلها بايدن!

GMT 17:53 2021 الجمعة ,05 شباط / فبراير

ماذا وراء إعادة صياغة اتهامات ترمب؟

GMT 11:03 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج الحوت الثلاثاء 6 أكتوبر/تشرين الأول 2020

GMT 09:50 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج الجوزاء 6 أكتوبر/ تشرين الأول 2020

GMT 23:09 2021 السبت ,30 كانون الثاني / يناير

ديمة الجندي تسترجع ذكرياتها مع حاتم علي

GMT 07:47 2019 الأربعاء ,25 أيلول / سبتمبر

مرتضى يتحدى الجبلاية ويفتح النار على جنش والخطيب

GMT 15:02 2018 الأربعاء ,11 تموز / يوليو

"رولز رويس" تكشف مكانة السيارات في الستينات

GMT 16:27 2021 الخميس ,04 شباط / فبراير

كيتي بيري تعاني إدمان التسوق والتبذير

GMT 11:35 2020 الثلاثاء ,23 حزيران / يونيو

تطبيق جديد يشبه Photoshop يصل الهواتف الذكية

GMT 18:22 2020 الجمعة ,17 كانون الثاني / يناير

نور الشربيني تمثل مصر في نهائي جي بي مورجان للاسكواش
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Syria-24 Syria-24 Syria-24 Syria-24
syria-24 syria-24 syria-24
syria-24
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
syria-24, syria-24, syria-24