مشكلة القضية الفلسطينية أبعد كثيراً من أوسلو
آخر تحديث GMT06:28:45
 العرب اليوم -

مشكلة القضية الفلسطينية أبعد كثيراً من أوسلو

مشكلة القضية الفلسطينية أبعد كثيراً من أوسلو

 العرب اليوم -

مشكلة القضية الفلسطينية أبعد كثيراً من أوسلو

بقلم -حازم صاغية

هناك نقد دارج لـ«صفقة القرن» يحمّل المسؤوليّة عنها إلى اتفاقيّة أوسلو في 1993. نقدٌ كهذا ينمّ، عند البعض، عن أفق ضيّق، وعند البعض الآخر، عن ذمّة واسعة.
أوسلو تستحقّ المراجعة وتستحقّ النقد، لكنْ ينبغي توزيع المسؤوليّات بشكل عادل. والحال أنّ الحصّة الأكبر منها تعود إلى الموقع الموضوعي للقضيّة الفلسطينيّة في توازنات القوى: إنّه موقعٌ ظالم بحقّ المظلوم الفلسطينيّ. هذا ليس استثناء فلسطينيّاً، إذ حالة الأكراد فيها شيء منه، مع اختلاف في التفاصيل.
موقع القضيّة الموضوعي هو الأصل الذي زادته بؤساً السياسات الفلسطينيّة والعربيّة، وسوء الحظّ، وتجاهل العالم إمّا تواطؤاً مع المحتلّ أو عجزاً عن ردعه. أوسلو تفصيل عارض في سياق أعرض.
لقد خضع تناول الموقع الفلسطيني في توازنات القوى لتكتّم مديد. كلّ طرف أراد أن يركّز على العناصر الذاتيّة، لا الموضوعيّة، كي يتّهم طرفاً آخر. لكنْ إلى هذا، حظي مبدأ التكتّم باليد العليا، لأنّه عبّر عن إجماع على إخراج القضيّة الفلسطينيّة من السياسة، ومن النقاش العامّ، وإدراجها في المقدّس، والمقدّسُ لا يناقَش. أسباب ذلك تمتدّ من طغيان الإراديّة على الجماهير في الزمن القومي السابق، وطغيان النفاق على الأنظمة دائماً: هكذا انتهينا إلى صوت واحد شعبي - رسمي يريد التحرير ولا يناقشه.
المشكلة المسكوت عنها تبدأ من الأربعينات: حينذاك استقلّت أكثريّة دول المشرق، ونشأت دولة إسرائيل. الأمر بدا شبيهاً بعمليّة تاريخيّة واحدة لا يريد أحد أن يرى وحدتها. هذا التناقض كان ممكناً تجاهله في الخمسينات ومعظم الستينات، حين بدا أنّ عبد الناصر سيحرّر فلسطين، من دون أن يكون لذلك أي انعكاس ارتجاجي على المجتمعات العربيّة. المسألة لا تستدعي سوى انتظار التحرير. أمّا باقي العرب فيستطيعون أن يستأنفوا حياتهم على جاري العادة.
في موازاة ذلك، تعاظمت قدسيّة القضيّة الفلسطينيّة حتّى باتت، مثل الدين، شيئاً لا يستطيع الحاكم إسكاته. هذا بدوره عزّز المقدّس اللفظي فيها على حساب السياسيّ.
لكنْ مع تولّي الفلسطينيين أمرهم بيدهم، وإنشائهم منظّماتهم، بعد هزيمة عبد الناصر في 67، بدا التوفيق مستحيلاً؛ فالمجتمعات المحيطة بفلسطين كانت رتّبت حياتها على أساس أنّها نهائيّة، تتحدّث عن «حروب المصير» ولا تخوضها. وبفعل الطبيعة الملتوية لوطنيّاتنا والانقسامات الأهليّة داخلها، نشأ لدينا «حزب» عريض ضمّ الحاكم الخادع والمحكوم المخدوع: الخادع يعد بالتحرير، والمخدوع، الممنوع من المطالبة بأي شيء آخر، يطالب به. إلاّ أنّ الأغلبيّة الساحقة للمطالبين بالتحرير كانت تنوي فعلاً تحسين موقعها التفاوضي في تلك المجتمعات محكومة بشروط حياتها داخل دولها. «حزب الله» قدّم لاحقاً المثل الساطع: نتسلّح باسم محاربة إسرائيل وبالسلاح نعزّز موقع «طائفتنا».
الضربة الأقوى وجّهتها الدولة الأقوى، التي سبق التعويل عليها للتحرير: مصر السادات. لبنان حاول عام 1983 ومُنع من ذلك، علماً بأنّ ما حاوله كان أقلّ من معاهدة سلام. الفلسطينيّون أنفسهم باتوا يطالبون بـ«دولة» متوافقة مع إسرائيل، وقد نالوا هيكلها في 1993. بعد عام حذا الأردن حذوهم وحذو مصر.
وحتّى اليوم ما زال يتبدّى أنّ الدول لا تستكمل سياداتها، بغضّ النظر عن الرأي فيها، من دون ترتيب ما مع إسرائيل؛ البلد الصغير الذي يخاف من جار كإيران، والبلد الذي لا يريد أن يُذكر على قوائم الإرهاب، والبلد الذي يريد إحراز اعتراف دولي بامتلاكه أرضاً متنازعاً عليها... كلّهم يغادرون، بسرعات متفاوتة، «نزاع الشرق الأوسط».
هذا ما حدث مع تشكّل الوطنيّات العربيّة، وتوطّد دولها. مع انفراطها بات الأمر أسوأ: النُذر المبكرة، في حربي الأردن ولبنان عامي 1970 و1975 كانت مدهشة الدلالة: الحربان ارتبطتا بـ«الحقّ» في مقاومة إسرائيل، فصدّعتا بلدين عربيين وتأدّى عنهما إخراج المقاومة الفلسطينيّة منهما.
بتقدّم الانهيار الذي ضرب الدول والمجتمعات، طغت مسألة «الهويّة» على مسألة «التحرير». مع «الهويّة»؛ حيث تخاف كلّ جماعة في العالم العربي من التكاثر العددي للجماعة الأخرى، يخسر «حقّ العودة» كثيراً من إمكانيّاته العمليّة. يهود إسرائيل بات في وسعهم أن يتذرّعوا بالمخاوف التي سمعوها من أكثريّات المنطقة وأقلّيّاتها، علماً بأنّ الأكثر تشدّداً دينيّاً وإثنيّاً بينهم لا يحتاجون أصلاً إلى حجج.
الطامة الكبرى كانت مع موجات التهجير المليوني في السنوات الأخيرة. لقد باتت المعاناة الإنسانيّة ورمزيّاتها على قدر بعيد من الشيوع والتعميم. الكاتب السوري فراس حاج يحيى كتب: «في شهر واحد، تم تسجيل مليون نازح عن بيته وأرضه إلى المجهول، في أكبر موجة نزوح بشري في القرن الحادي والعشرين، اتبع فيها الحلف الروسي - الأسدي سياسة الأرض المحروقة، مدمراً الحجر والبشر والشجر. فرق الاستجابة الإنسانية في إدلب أصدرت بياناً فارغاً من الكلمات عن عدد النازحين والمهجرين، فالأرقام فقدت قيمتها، والإحصاءات لن تغير الواقع، بعدما صم العالم أذنيه وعينيه وأشاح بوجهه عن إدلب وأهلها».
هؤلاء أيضاً تجد بينهم كثيرين علّقوا المفاتيح في أعناقهم، آملين بالعودة ذات يوم إلى بيوت طُردوا منها. هذه ليست من مفاعيل أوسلو

syria

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مشكلة القضية الفلسطينية أبعد كثيراً من أوسلو مشكلة القضية الفلسطينية أبعد كثيراً من أوسلو



GMT 18:18 2021 السبت ,06 شباط / فبراير

من شعر الفرزدق وجرير وأبو تمام

GMT 13:36 2021 السبت ,06 شباط / فبراير

ذهبت ولن تعود

GMT 17:58 2021 الجمعة ,05 شباط / فبراير

ما في أنفسهم

GMT 17:56 2021 الجمعة ,05 شباط / فبراير

لو فعلها بايدن!

GMT 17:53 2021 الجمعة ,05 شباط / فبراير

ماذا وراء إعادة صياغة اتهامات ترمب؟

GMT 11:03 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج الحوت الثلاثاء 6 أكتوبر/تشرين الأول 2020

GMT 09:50 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج الجوزاء 6 أكتوبر/ تشرين الأول 2020

GMT 23:09 2021 السبت ,30 كانون الثاني / يناير

ديمة الجندي تسترجع ذكرياتها مع حاتم علي

GMT 07:47 2019 الأربعاء ,25 أيلول / سبتمبر

مرتضى يتحدى الجبلاية ويفتح النار على جنش والخطيب

GMT 15:02 2018 الأربعاء ,11 تموز / يوليو

"رولز رويس" تكشف مكانة السيارات في الستينات

GMT 16:27 2021 الخميس ,04 شباط / فبراير

كيتي بيري تعاني إدمان التسوق والتبذير

GMT 11:35 2020 الثلاثاء ,23 حزيران / يونيو

تطبيق جديد يشبه Photoshop يصل الهواتف الذكية

GMT 18:22 2020 الجمعة ,17 كانون الثاني / يناير

نور الشربيني تمثل مصر في نهائي جي بي مورجان للاسكواش
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Syria-24 Syria-24 Syria-24 Syria-24
syria-24 syria-24 syria-24
syria-24
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
syria-24, syria-24, syria-24