إيران بين مجازفتين
آخر تحديث GMT06:28:45
 العرب اليوم -

إيران بين مجازفتين

إيران بين مجازفتين

 العرب اليوم -

إيران بين مجازفتين

بقلم - خير الله خير الله

إيران تزن هذه الأيام الموقف وما سيكلفها الانسحاب من سورية أو قرار البقاء فيها. ترجمة هذا الكلام أن البقاء في سوريا مجازفة والانسحاب مجازفة. على أي مجازفة ستقدم إيران بعدما وضعت نفسها في موقف لا تحسد عليه؟

أدرج وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو خروج إيران من سوريا في خانة الشروط المطلوب من طهران تنفيذها في حال تريد إقامة علاقات طبيعية مع المجتمع الدولي وعلى رأسه الولايات المتحدة. جاءت كل الشروط التي وضعها بومبيو في سياق تحديد الإستراتيجية الأميركية الجديدة في المواجهة مع إيران، في ضوء قرار الرئيس دونالد ترامب القاضي بالانسحاب من الاتفاق في شأن الملف النووي الإيراني الموقع صيف العام 2015.

سمح الاتفاق لإيران في الحصول على ما يكفي من المال الذي أغدقته عليها إدارة الرئيس السابق باراك أوباما كي تتابع تنفيذ مشروعها التوسّعي القائم على الاستثمار في إثارة الغرائز المذهبية في المنطقة العربية كلها، فضلا بالطبع عن المتاجرة بالقضيّة الفلسطينية والفلسطينيين، والتشجيع على إنشاء ميليشيات مذهبية تكون ذراعا لها في هذا البلد العربي أو ذاك.

يتبيّن من خلال قراءة سريعة لكلام وزير الخارجية الأميركي أن هناك وعيا حقيقيا لخطورة المشروع الإيراني وأدواته. أشار بومبيو صراحة إلى “حزب الله” وإلى الحوثيين الذين يطلقون صواريخ باليستية إيرانية في اتجـاه الأراضي السعودية انطلاقا من اليمن. أشار أيضا إلى الوضع الداخلي الإيراني، وإلى توق الشباب في هذا البلد ذي الحضارة القديمة إلى الانتماء إلى ما هو عصري في هذا العالم، أي إلى ثقافة الحياة التي يكرهها النظام الإيراني وكلّ الذين يسيرون في ركابه. انطوى كلام بومبيو على دعوة مباشرة إلى تغيير النظام في إيران.

يظلّ أهم ما في كلام وزير الخارجية الأميركي شرط الانسحاب الإيراني من سوريا. هل في استطاعة النظام إيران الانسحاب من سوريا من دون أن ينسحب من طهران. سيكون ذلك صعبا عليه لأسباب عدّة. من بين هذه الأسباب حجم الاستثمار الإيراني في سوريا وفي المحافظة على رأس النظام المتمثل ببشّار الأسد. باعتراف المسؤولين الإيرانيين أنفسهم، صرفت إيران في سوريا منذ اندلاع الثورة الشعبية في العام 2011 ما يزيد على خمسة وعشرين مليار دولار. دافعت إيران عن بقاء بشّار الأسد في دمشق. جندت مئات الخبراء العسكريين وعناصر “الحرس الثوري” وآلاف من عناصر “حزب الله” و“الحشد الشعبي” في العراق والميليشيات الأفغانية في حربها على الشعب السوري. فعلت كلّ ذلك من منطلق مذهبي ليس إلا، وتحت شعارات طائفية من نوع الدفاع عن مقام السيّدة زينب ومقامات أخرى وما شابه ذلك.

كانت النتيجة فشلا إيرانيا ذريعا على كل صعيد والتضحية بمئات الشبان اللبنانيين الذين جندهم “حزب الله” وأرسلهم إلى سوريا. فوق ذلك كله، لم تستطع إيران إبقاء بشّار في دمشق لولا استعانتها بروسيا التي باشرت التدخّل المباشر في الحرب التي يشنها النظام السوري على مواطنيه منذ أواخر أيلول – سبتمبر 2015. لولا سلاح الجوّ الروسي، لكان بشار خارج دمشق منذ فترة طويلة، ولكان الساحل السوري كلّه في يد المعارضة.

تكمن مشكلة إيران في أنّها ترفض دفع ثمن سياسة عاجزة عن متابعتها بمفردها، خصوصا في سوريا. لم تأخذ في الاعتبار أنّه سيأتي يوم يتغيّر فيه باراك أوباما ويأتي دونالد ترامب الذي يعرف الذين يصيغون خطاباته ماذا فعل النظام الإيراني بالإيرانيين أوّلا، وما ارتكبه من جرائم في حق الولايات المتحدة. ليس صدفة استعادة الرئيس الأميركي، بين وقت وآخر، احتجاز دبلوماسيي السفارة الأميركية في طهران 444 يوما في العامين 1979 و1980، وتفجير مقر المارينز قرب مطار بيروت في الثالث والعشرين من تشرين الأول – أكتوبر 1983، وخطف أميركيين في لبنان في ثمانينات القرن الماضي. هذا غيض من فيض ما لدى الإدارة الأميركية من مآخذ على إيران التي لم تدرك أن وقت الحساب جاء.

هناك واقع يتمثل في حلول وقت الحساب. تحاول إيران الإفلات من هذا الواقع، بما في ذلك التحالف الأقوى في المنطقة القائم بين روسيا وإسرائيل. هذا تحالف لم تعد من حاجة إلى تأكيد متانته بعد حلول بنيامين نتانياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي، ضيف شرف على روسيا في ذكـرى احتفالها بالانتصار على النازية. هنـاك ما يزيد على مليون روسي صاروا مواطنين في إسرائيل. ما زال المسؤولون في موسكو يسمون هؤلاء “مواطنين في إسرائيل”. ينتمي الروس الذين انتقلوا إلى إسرائيل، على دفعات، منذ منتصف ثمانينات القرن الماضي إلى الأحزاب اليمينية التي تشكل العمود الفقري للحكومة الإسرائيلية الحالية.

عندما يُبلغُ فلاديمير بوتين بشّار الأسد أنّه بات على القوات الأجنبية، بما في ذلك الخبراء والمستشارون الإيرانيون وعناصر التابعة لـ“حزب الله” ولغيره من الميليشيات المذهبية، الانسحاب من الأراضي السورية، يُفترض في طهران فهم معنى الرسالة والاستيعاب التام للمعطيات الجديدة التي تفرض عليها تغيير نمط سلوكها.

إنّ دعوة روسيا إيران إلى الانسحاب من سوريا أكثر من جدّية. جاء وزير الخارجية الأميركي ليؤكّد ذلك وليؤكد خصوصا أنّ الضربات “المجهولة” المصدر التي تتلقاها المواقع الإيرانية في سوريا لن تتوقف غدا. تمثل هذه الضربات ما يمكن تسميته، باللغة المتداولة في الأوساط الرسمية السورية “التعليمات التنفيذية”. تعني هذه “التعليمات” أنه آن أوان تنفيذ ما تقرّر على أعلى مستويات. فالقانون والمرسوم والقرار الرئاسي في سوريا يبقى حبرا على ورق في المجال الداخلي إلى أن تأتي “التعليمات التنفيذية”. وفي ما يخص الموضوع السوري، صدرت “التعليمات التنفيذية” من أعلى المستويات، أي من التفاهم الأميركي – الروسي الذي يشمل إسرائيل التي انتقلت إلى مرحلة لم يعد فيها مجال لقبول الوجود العسكري الإيراني المباشر أو غير المباشر في الأراضي السورية، خصوصا في الجنوب السوري.

هل تستطيع إيران التكيّف مع هذا الواقع الجديد المتمثّل في صدور “التعليمات التنفيذية” من دون الذهاب إلى تفجير الوضع في المنطقة كلّها، على الرغم من أن ذلك مجازفة كبيرة بالنسبة إليها، خصوصا إذا طلبت من “حزب الله” إعادة فتح جبهة جنوب لبنان؟

الأكيد أن إيران تزن هذه الأيام الموقف وما سيكلفها الانسحاب من سوريا أو قرار البقاء فيها. الأكيد أن في ذهن كلّ مسؤول إيراني أن الانسحاب السوري من لبنان في نيسان – أبريل 2005، أدى إلى خروج النظام من دمشق، حتّى لو بقي بشار فيها شكليا. ترجمة هذا الكلام على أرض الواقع أن البقاء في سوريا مجازفة والانسحاب مجازفة. على أي مجازفة من المجازفتين ستقدم إيران بعدما وضعت نفسها في موقف لا تحسد عليه؟ من أبرز ما تنطوي عليه أي مجازفة إيرانية، في أي اتجاه كان، مستقبل النظام الذي بنى كلّ قوته على الهرب المستمر إلى خارج الأرض الإيرانية.

المصدر :جريدة العرب

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

syria

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

إيران بين مجازفتين إيران بين مجازفتين



GMT 20:37 2019 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

المتظاهرون يريدون عراقا عادلا ووطنا قويا ناهضا

GMT 13:35 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

الرئيس العراقي في الرياض

GMT 13:33 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

لا أمل ولا سلام بدون أُفق سياسي للقضية الفلسطينية

GMT 13:30 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

من مفكرة الأسبوع

GMT 13:27 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

والآن نبدأ: فصل جديد في جريمة خاشقجي

GMT 15:17 2019 الإثنين ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

تجنب اتخاذ القرارات المصيرية أو الحاسمة

GMT 14:56 2020 الجمعة ,10 إبريل / نيسان

أحوالك المالية تتحسن كما تتمنى

GMT 16:42 2020 الأحد ,01 آذار/ مارس

التصرف بطريقة عشوائية لن يكون سهلاً

GMT 08:55 2019 الثلاثاء ,10 أيلول / سبتمبر

موسكو تعلق على "موت" المفاوضات بين واشنطن وطالبان

GMT 14:09 2019 الثلاثاء ,02 إبريل / نيسان

تبدأ بالاستمتاع بشؤون صغيرة لم تلحظها في السابق

GMT 17:40 2018 الجمعة ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

BMW تعيد السيارات الهجينة من جديد بطرح "E 330 " تعرف عليها

GMT 10:21 2018 السبت ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

"جبهة النصرة" تعلن الحرب على الجيشين الروسي والسوري

GMT 11:33 2018 الجمعة ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

الجيش المصري يفتتح مجمعًا حضاريًا متكاملًا في وسط سيناء

GMT 16:56 2018 السبت ,27 تشرين الأول / أكتوبر

وزير الخارجية البريطاني يلتقي بنظيره السويسري

GMT 21:27 2018 الأحد ,03 حزيران / يونيو

طريقة سهلة وبسيطة لإعداد بان كيك بالشوكولاتة

GMT 04:22 2021 الثلاثاء ,26 كانون الثاني / يناير

ارتفاع وتيرة تفشي كورونا في مناطق شمال شرقي سورية

GMT 12:51 2020 الإثنين ,01 حزيران / يونيو

لا تكن لجوجاً في بعض الأمور
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Syria-24 Syria-24 Syria-24 Syria-24
syria-24 syria-24 syria-24
syria-24
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
syria-24, syria-24, syria-24