أين أميركا في العراق
آخر تحديث GMT06:28:45
 العرب اليوم -

أين أميركا في العراق؟

أين أميركا في العراق؟

 العرب اليوم -

أين أميركا في العراق

بقلم :خيرالله خيرالله

لا بدّ من النظر إلى ما جرى في العراق من زاوية العلاقة الأميركية – الإيرانية. هذا لا يعني أن التطورات الأخيرة التي شهدت تكليف عادل عبدالمهدي تشكيل الحكومة الجديدة وانتخاب الشخصية الوطنية المرموقة برهم صالح رئيسا للجمهورية ومحمد الحلبوسي (من سنّة إيران) رئيسا لمجلس النواب، كلّها سلبيات. يكفي أن يكون برهم صالح الكردي الذي يضع عراقيته فوق أي اعتبارات أخرى، رئيسا للجمهورية للقول إن شمعة أُضيئت في هذه الظلمة العراقية. لكن شخص برهم صالح وحده، بكل ما يمتلك من كفاءات وحسن نيّة ونزاهة وواقعية، لا يكفي لإخراج العراق من الدوامة التي أصبح في أسرها، خصوصا أن صلاحيات رئيس الجمهورية محدودة بموجب الدستور الجديد. معظم الصلاحيات في يد رئيس الوزراء الشيعي الذي يمارس دور القائد الأعلى للقوات المسلّحة أيضا.

واضح أن إيران سجّلت نقاطا على الولايات المتحدة في العراق. فاز الجنرال قاسم سليماني قائد “فيلق القدس″ في “الحرس الثوري” الذي يعتبر المسؤول الإيراني الأول عن ملفّ العراق، إذ لا يرسل تقاريره سوى إلى “المرشد” علي خامنئي، على المبعوث الأميركي الخاص برت ماكغورك. لم يحقق سليماني انتصارا حاسما على ماكغورك بعد، لكنّ كلّ الدلائل تشير إلى أن إيران استطاعت تحسين مواقعها في العراق بعدما فقدت الكثير في السنوات الأخيرة، أي منذ خروج نوري المالكي من موقع رئيس الوزراء في العام 2014. يكفي إيران أنّها استطاعت التخلّص من حيدر العبادي الذي اتخذ في الأشهر القليلة الماضية، خصوصا في مرحلة ما بعد الانتخابات التي أجريت في الثاني عشر من أيار – مايو الماضي، مواقف يفهم منها أنه وضع مصالح العراق فوق مصالح إيران. دفع العبادي ثمن رهانه على الدعم الأميركي وعلى وطنية عراقية، خصوصا في الأوساط الشيعية التي بدأت تظهر تذمرا من الطريقة التي أدارت بها إيران العراق منذ سلمتها إياه الولايات المتحدة على صحن من فضّة في العام 2003.

هناك الآن رئيس للجمهورية في العراق يمتلك قدرات كبيرة وصلاحيات محدودة. إنّه شخص عملي قبل أيّ شيء آخر. لا يمكن لبرهم صالح الإقدام على أي عمل متهور، خصوصا أنه مطّلع على كل الملفات، إضافة إلى أنه يعرف في العمق الأهمية الجغرافية لإيران، على الصعيد الإقليمي، بما في ذلك الحساسيات الموجودة بينها وبين الأكراد. لا يمكن القول إن برهم صالح معاد لإيران أو أنّه في جيبها، لكنّ الملفت أنّه على علاقة طيبة بالقوى الدولية، بما في ذلك الولايات المتحدة ودول أوروبا في الوقت ذاته.

يستطيع برهم صالح لعب دور يصبّ في إعادة الهدوء والاستقرار والطمأنينة إلى العراق في ظلّ المشاكل الكبيرة التي يعاني منها البلد. ستزداد هذه المشاكل في مرحلة ما بعد العقوبات الأميركية الجديدة على إيران التي تدخل حيز التنفيذ في الأسبوع الأوّل من تشرين الثاني – نوفمبر المقبل. سيكون مطلوبا من العراق الانحياز إلى إيران انحيازا كاملا. هذا ما رفضه العبادي. وهذا ما دفع ثمنه غاليا، أقلّه حتّى الآن. وهذا ما دفع إيران إلى تأديبه.

سيكون لبرهم صالح دور على الصعيد الوطني وإن في حدود معيّنة هي حدود صلاحياته كرئيس للجمهورية. ولكن ماذا عن عادل عبدالمهدي؟ ماذا يعني حدوث التقاء بين الأميركيين والإيرانيين والمرجعية الشيعية عند هذه الشخصية السياسية من خارج “حزب الدعوة” الذي يمتلك تاريخا حافلا بالتقلبات السياسية. بدأ بعثيا وانتهى لدى “المجلس الأعلى للثورة الإسلامية” الذي أسسه محمد باقر الحكيم. مرّ، مثله مثل الكثير من الشباب المتحمس الباحث عن حيثية بتقلبات. التحق بالتيار الماوي (نسبة إلى الزعيم الصيني ماو تسي تونغ) الذي قاتل النظام العراقي في منطقة الأهوار جنوب العراق مطلع سبعينات القرن الماضي. بعد فشل تلك التجربة، انتقل إلى لبنان والتحق بما يسمّى “الكتيبة الطلابية” لحركة “فتح” التي قاتلت الميليشيات المسيحية اللبنانية في الجبال العالية في العام 1976 و1977. خرج بعد ذلك مع المقاتلين الفلسطينيين الذين انسحبوا من لبنان صيف العام 1982.

لا شكّ أن عادل عبدالمهدي يمتلك تجربة سياسية غنيّة. هل ستساعده هذه التجربة في تغيير شيء في العراق بعدما خبر اليسار ومغامراته وتجربة الأحزاب الدينية؟ سيعتمد الكثير على الهامش الذي ستتركه له إيران. لكن السؤال الأهمّ سيكون مرتبطا بالشارع العراقي، ومطالب الناس التي انتفضت على السلطة صيف هذه السنة. هل لدى عبدالمهدي أي حل من أي نوع لأزمة الكهرباء والمياه وللفوضى الأمنية. ما الذي سيفعله عندما سيتوجب عليه مواجهة أزمة معيشية من النوع الذي تعاني منه مدينة مثل البصرة؟

كان ملفتا أن الجنرال سليماني لعب لعبة في غاية الدهاء. أوصل عادل عبدالمهدي إلى موقع رئيس الوزراء بفضل كتلتي “سائرون” و”الفتح”، أي بواسطة مقتدى الصدر وهادي العامري، الذي هو في الوقت ذاته زعيم ميليشيا مذهبية منضوية تحت “الحشد الشعبي”. عاجلا أم آجلا، سيتوجب على رئيس الوزراء العراقي تحديد موقف من الدور الذي سيلعبه “الحشد الشعبي” في تحديد مستقبل العراق. في النهاية لا يمكن لميليشيات مذهبية حكم العراق وأن يكون الجيش العراقي مجرّد متفرّج على ما يدور في البلد، اللهمّ إلا إذا كان المطلوب تكرار تجربة إيران الفاشلة في العراق، أي تحوّل “الحشد الشعبي” إلى الممسك بمفاصل السلطة في البلد، كما عليه الحال مع “الحرس الثوري” في إيران. هل جيء بعادل عبدالمهدي لتنفيذ هذه المهمة الإيرانية؟ هل يقبل بلعب هذا الدور، وهو الذي منعته إيران في 2005 من أن يكون رئيسا للوزراء؟

يبقى سؤال في غاية البساطة. أين الولايات المتحدة في العراق؟ من الواضح أن هناك ضياعا أميركيا جعل إيران تشقّ صفوف السنّة وتأتي بالحلبوسي إلى موقع رئيس مجلس النوّاب. هذا إنجاز إيراني كبير في العراق. للمرّة الأولى هناك كتلة سنّية تابعة لها في مجلس النواب العراقي. يشبه ما فعلته إيران في العراق ما حاولت عمله في لبنان عبر تقليص عدد نوّاب “كتلة المستقبل” في المجلس النيابي، إذ ركزت بكلّ الوسائل، عبر أدواتها في الداخل اللبناني، على إنجاح مرشحين سنّة معادين للرئيس سعد الحريري، وذلك في سياق مشروعها الهادف إلى بسط وصايتها على البلد كله.

مرّة أخرى، لا مفرّ من الاعتراف بأن إيران سجلت نقاطا على الولايات المتحدة في العراق. لكنّ ما لا مفرّ منه في المقابل هو التساؤل ما الذي سيؤول إليه الوضع في إيران؟ هل الولايات المتحدة جدّية في الذهاب إلى النهاية في تخيير إيران بين أن تكون دولة طبيعية في المنطقة، أو تدفع ثمن مغامراتها خارج أرضها، مغامراتها في العراق وسوريا ولبنان واليمن والبحرين على وجه التحديد. يبدو أن تمزيق الولايات المتحدة لاتفاق الصداقة مع إيران للعام 1955، والذي أعلن عنه وزير الخارجية مايك بومبيو لا يشير إلى أن التفاهم الأميركي-الإيراني على تولي عادل عبدالمهدي موقع رئيس الوزراء في العراق يتجاوز حدود العراق…

syria

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أين أميركا في العراق أين أميركا في العراق



GMT 15:25 2018 الجمعة ,07 كانون الأول / ديسمبر

السعودية وتركيا والزعامة

GMT 15:23 2018 الجمعة ,07 كانون الأول / ديسمبر

جهل أم حماقة أم جنون!

GMT 15:20 2018 الجمعة ,07 كانون الأول / ديسمبر

أنفاق ونفاق

GMT 15:03 2018 الإثنين ,03 كانون الأول / ديسمبر

ماذا يعنى «إيديكس 2018»؟!

GMT 15:01 2018 الإثنين ,03 كانون الأول / ديسمبر

ماذا حصدت السعودية فى قمة الأرجنتين؟

GMT 11:03 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج الحوت الثلاثاء 6 أكتوبر/تشرين الأول 2020

GMT 09:50 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج الجوزاء 6 أكتوبر/ تشرين الأول 2020

GMT 23:09 2021 السبت ,30 كانون الثاني / يناير

ديمة الجندي تسترجع ذكرياتها مع حاتم علي

GMT 07:47 2019 الأربعاء ,25 أيلول / سبتمبر

مرتضى يتحدى الجبلاية ويفتح النار على جنش والخطيب

GMT 15:02 2018 الأربعاء ,11 تموز / يوليو

"رولز رويس" تكشف مكانة السيارات في الستينات

GMT 16:27 2021 الخميس ,04 شباط / فبراير

كيتي بيري تعاني إدمان التسوق والتبذير

GMT 11:35 2020 الثلاثاء ,23 حزيران / يونيو

تطبيق جديد يشبه Photoshop يصل الهواتف الذكية

GMT 18:22 2020 الجمعة ,17 كانون الثاني / يناير

نور الشربيني تمثل مصر في نهائي جي بي مورجان للاسكواش
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Syria-24 Syria-24 Syria-24 Syria-24
syria-24 syria-24 syria-24
syria-24
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
syria-24, syria-24, syria-24