«كورونا» و«بريكست» و«صفقة القرن» والهشاشة
آخر تحديث GMT06:28:45
 العرب اليوم -

«كورونا» و«بريكست» و«صفقة القرن» والهشاشة

«كورونا» و«بريكست» و«صفقة القرن» والهشاشة

 العرب اليوم -

«كورونا» و«بريكست» و«صفقة القرن» والهشاشة

بقلم -غسان شربل

ثلاثة أحداث كبرى سرقتِ الأضواء، وإنْ بنسبٍ متفاوتة وأحجامٍ مختلفة، في الأسبوع المنصرم: تفاقم القلق من انتشار فيروس «كورونا»، ومغادرة بريطانيا الاتحاد الأوروبي رسمياً، وإعلان الرئيس دونالد ترمب «صفقة القرن». بدا واضحاً أنَّ الحدث الصيني تحول مصدرَ قلقٍ أو هلعٍ على مستوى العالم كله، وأنَّ الحدث البريطاني اعتبرَ منعطفاً حاسماً على الصعيدين البريطاني والأوروبي، مع انعكاساته الدولية، وأنَّ الصفقة التي أعلنت اعتبرت أيضاً محطة غير عادية، سواء لجهة البحث عن السلام بين إسرائيل والفلسطينيين، أو بالنسبة إلى الدور الأميركي في عملية البحث هذه. لا شيء يربط بين الأحداث الثلاثة سوى ما كشفه تزامنها من هشاشة في صورة الدول أو التجمعات الإقليمية أو المرجعيات الدولية.
حين نتكلَّم عن الصين، لا نستطيع إلا أن نتذكر حجمها وصعودها: الدولة الأولى في عدد السكان في العالم، وصاحبة الاقتصاد الثاني فيه، فضلاً عن الجيش الأكبر المنهمك بعصرنة ترسانته. الدولة التي أيقظت «طريق الحرير»، وتتقدَّم هنا وهناك بعدما أخرجت مئات الملايين من المواطنين من الفقر، وحققت قفزة تكنولوجية لافتة. ولهذا كنَّا نقرأ قبل أسابيع فقط ما يكتب من سنوات عن «اقتراب العصر الصيني» و«صعود الصين» وانتقال مركز الثقل في العالم إلى الشق الآسيوي منه.
فجأة، وبسبب فيروس «كورونا»، صرنا نقرأ عن فيروس يعزل الصين أو يحاصرها: دول تُجلِي رعاياها، وتنصح مواطنيها بعدم التوجه إلى الصين؛ شركات طيران تلغي رحلاتها، وحديث متزايد عن الأثمان الباهظة لظهور الوباء، وانعكاساته على الاقتصاد الصيني وأسعار الطاقة والتبادل التجاري. في غضون أسابيع فقط، اهتزت الصورة التي أنفقت الصين عقوداً في بنائها أو استحقاقها.
تبدو الدول قوية مسلحة حتى الأسنان، تبدو شبيهة بالقلاع، ثم يأتي عدوٌ غير متوقع فيكشف هشاشتَها، فتضطر إلى رصد مبالغ هائلة لاحتواء الوباء وكشف أسراره، والتغلب على ذيوله، وتنشيط قطاعها الصحي وتحديثه وتسليحه ضد المفاجآت.
حدث مثير آخر. في اليوم الأول من الشهر الحالي، استيقظ الأوروبيون ليكتشفوا أن السفينة البريطانية غادرت ليلاً، واختارت أنْ تسبحَ منفردة مستعيدة هُويتَها بلا أقنعة، باحثة عن ازدهارها من خارج تعقيدات بروكسل. بعد إقامة دامت سبعة وأربعين عاماً تحت السقف الأوروبي، ترجمت بريطانيا رغبتَها في الطلاق إلى واقع ملموس. ما كان الأمر ليرتدي مثل هذه الأبعاد لو تعلق الأمر بدولة صغيرة ألقت بنفسها في الحضن الأوروبي بفعل الانفجار اليوغوسلافي أو الانهيار السوفياتي؛ إننا نتحدث عن المملكة المتحدة وريثة الإمبراطورية التي لم تكن الشمس تغيب عن أراضيها.
وكما يحدث حين تخسر عائلة أحد أفرادها، تذكر الأوروبيون في يوم الطلاق حجم خسارتهم: الدولة التي قدمت استقالتها من «الحلم الأوروبي» هي صاحبة خامس اقتصاد في العالم، وصاحبة الميزانية الدفاعية الثانية في أوروبا، وهي مركز مالي بالغ الأهمية. هذا من دون أن ننسى العضوية الدائمة في مجلس الأمن، والموقع الطبيعي في نادي الكبار، والخبرة الدبلوماسية المتراكمة في أنحاء عدة من العالم.
الطلاق بعد زواج دام أكثر من أربعة عقود ليس قراراً بسيطاً. يحتاج الأمر إلى مفاوضات شاقة لتوزيع إرث هذا التساكن الطويل تحت سقف واحد. يمكن القول إنَّ بوريس جونسون نفذ ما وعد البريطانيين به متسلحاً بالتفويض القاطع الذي أعطوه لحزبه في الانتخابات الأخيرة. وعلى عادة القرارات الكبرى، فإنَّ امتحان اليوم التالي هو الأهم. هل سيستطيع جونسون إبرام «صفقة القرن» مع صديقه دونالد ترمب؟ وهل أميركا مستعدة لتقديم هذا النوع من الهدايا؟ واضح أن أوروبا أمام خيارات صعبة: السخاء في العلاقة الجديدة مع بريطانيا قد يشجع دولاً أخرى على القفز من السفينة التي يقودها 27 قبطاناً؛ التشدد مع بريطانيا المغادرة قد يشكل خسارة لأوروبا، خصوصاً إذا نجحت لندن في السباحة منفردة. طبعاً مع الالتفات إلى المشقات الداخلية التي سيواجهها جونسون مع الحلم الاسكوتلندي الذي يكمن ثم يستيقظ.
وغداة مغادرة بريطانيا، كان هناك من يتحدث عن هشاشة هذا القرار، ودور وسائل التواصل الاجتماعي في صناعة الرأي العام والنزعات الشعبوية وأزمات الهوية والخوف من المهاجرين. وتحدث آخرون عن هشاشة البنيان الأوروبي الذي ضاع بين التقلبات الأميركية وصعود فلاديمير بوتين.
حدث ثالث سرق الأضواء في منطقة الشرق الأوسط. بعد انتظار طويل، أعلن الرئيس الأميركي «صفقة القرن». إنها مقاربة جديدة لإنهاء النزاع الفلسطيني - الإسرائيلي، استندت في الأساس إلى القبول بالأمر الواقع الذي نجحت إسرائيل في فرضه في الأراضي التي احتلتها. وهكذا تمَّت مقاربة مواضيع شديدة الحساسية، مثل الدولة الفلسطينية وحدودها، ومستقبل القدس، وحق العودة، من خارج المرجعيات التي كانت في السابق تشكل أساساً للتفاوض بين الفلسطينيين والإسرائيليين.
لم يكن بوسع أي متابع للموضوع الفلسطيني إلا تذكر حجم الفارق بين صورة التوقيع على «اتفاق أوسلو» في البيت الأبيض في 1993 والصورة الحالية. ففي الأولى، صافح إسحق رابين ياسر عرفات، وحمل الاتفاق توقيع الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني. في الصورة الجديدة، كان الفلسطيني غائباً. ولعل أول حجة يسوقها من يشددون على هشاشة الإعلان الجديد هو افتقار الصفقة إلى شريك فلسطيني، في حين حملت الصورة القديمة توقيع زعيم مكتمل الشرعية اسمه ياسر عرفات. ولهذا السبب كان متوقعاً أن يصدر عن وزراء الخارجية العرب في أعقاب اجتماعهم بالقاهرة موقف رافض للصفقة، ودعوة إلى التمسك بالسلام العادل والمرجعيات الدولية. صحيح أن تطورات كثيرة حدثت في العقدين الماضيين زادت هشاشة الموقف العربي، لكن المقاربة الجديدة للنزاع الفلسطيني - الإسرائيلي تذكر أيضاً بهشاشة دور الشرعية الدولية، وعجزها المزمن عن تنفيذ قراراتها.

 

syria

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«كورونا» و«بريكست» و«صفقة القرن» والهشاشة «كورونا» و«بريكست» و«صفقة القرن» والهشاشة



GMT 18:18 2021 السبت ,06 شباط / فبراير

من شعر الفرزدق وجرير وأبو تمام

GMT 13:36 2021 السبت ,06 شباط / فبراير

ذهبت ولن تعود

GMT 17:58 2021 الجمعة ,05 شباط / فبراير

ما في أنفسهم

GMT 17:56 2021 الجمعة ,05 شباط / فبراير

لو فعلها بايدن!

GMT 17:53 2021 الجمعة ,05 شباط / فبراير

ماذا وراء إعادة صياغة اتهامات ترمب؟

GMT 10:58 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج الدلو الثلاثاء 6 أكتوبر/تشرين الأول 2020

GMT 14:52 2019 الإثنين ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

تنشغل بعمل في اليوم الأول وتضع مخططات وتوجه الآخرين

GMT 08:15 2018 الخميس ,17 أيار / مايو

بليسكوفا تودع بطولة روما وتخرب كرسي الحكم

GMT 15:10 2020 الثلاثاء ,21 إبريل / نيسان

5 أطعمة تقوّي صحة الرئتين في مواجهة وباء "كورونا"
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Syria-24 Syria-24 Syria-24 Syria-24
syria-24 syria-24 syria-24
syria-24
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
syria-24, syria-24, syria-24