مكر الجنرالات
آخر تحديث GMT06:28:45
 العرب اليوم -

"مكر" الجنرالات

"مكر" الجنرالات

 العرب اليوم -

مكر الجنرالات

بقلم : عريب الرنتاوي

 أظهرت المؤسستان العسكريتان في السودان والجزائر قدراً هائلاً من «المكر» والمراوغة، المتأتي من استمساكها بالسلطة وإصرارها على البقاء على رأس هرمها... هذا ما تكشفت عنه وقائع الأسابيع الأخيرة التي أعقبت الإطاحة بكل من عمر حسن البشر وعبد العزيز بوتفليقة، وهذا ما تشي به الاحتمالات التي تستبطنها الأسابيع والأشهر القليلة القادمة.
فالجنرالات القائمون على المؤسستين، سرعان ما تخلوا عن «أولياء النعم»، وتدخلوا لعزل الرئيس الجزائري بعد عشرين عاماً من الحكم، والرئيس السوداني بعد ثلاثين عاماً... إنقاذ «النظام» احتل مكانة الأولوية عند هؤلاء، سيما بعد أن تأكد لهم أن رياح التغيير قد هبّت بقوة، وأنه لا رادّ لها، هنا يحضر شعار إنقاذ الدولة، كوسيلة للتغطية على حرص دفين على إنقاذ ما تبقى من النظام ... غالبية الشعبين المنتفضين، لا تريد النظام بيد أنها تستمسك بالدولة وتخشى عليها، وقد تعلمت الدروس المرة، جيداً، من ليبيا واليمن والعراق... وعلى هذا الوتر الحساس، يعزف عسكريو البلدين.
بهذا المعنى، ونتيجة لذلك، نجح الجنرالات في كسب درجة واسعة نسبية من التأييد الشعبي، وعدّت الجماهير الغاضبة، المؤسستين العسكريتين بوصفهما جزءاً من «معسكر الثورة والتغيير»، لا بوصفهما فرسا رهان «الثورة المضادة» ... هذا نجاح أولي، انعكس في هتافات الشوارع والميادين وشعاراتها كما لاحظنا.
لكن مع مضي قوى الثورة والحرية والتغيير في مسعاها لإسقاط النظامين، وليس استبدال صورة بصورة، وجنرال بآخر، من داخل المؤسسة ذاتها، ومن دون تغيير جذري يذكر، يضمن عدم الانتكاس إلى الوراء، بدأت الشقة تتسع بين الشارع الغاضب والثائر من جهة، والجنرالات في كلا البلدين من جهة البلدين، وأخذت الشعارات والهتافات «تتحرش» بالمؤسسة العسكرية وقادتها، وإن بحذر وعلى استحياء، تفادياً للاستفزاز المفضي إلى حمامات الدم.
هنا تكشّف «مكر» الجنرالات عن حيل جديدة ... سارعوا إلى شن أوسع حملات الاعتقال، وفتح الكثير من ملفات «الفساد الكبير»، وإحالة العشرات من رموز النظام القديم، غالباً المدنية والقضائية إلى التقاعد (المعاش)، وتمت التضحية ببعض الجنرالات للحفاظ على حكم أغلبيتهم ... أودع سعيد بوتفليقة في السجن ومعه الجنرالان القويان طرقاق وتوفيق، وقبلهم عدد كبير من رجال المال والأعمال والإدارة ... وفي السودان، أودع الرئيس سجن «كوبر» بعد الإقامة الجبرية، وتم تحويل كوكبة من صحبه ومساعديه، إلى المحاكم بتهم تراوح ما بين الفساد وغسيل الأموال وتمويل الإرهاب وقتل المتظاهرين السلميين، كما تمت التضحية باثنين أو ثلاثة من كبار الجنرالات ممكن كانوا على مقربة لصيقة بالرئيس.
تحت شعار «تصفية النظام القديم ورموزه» و»تطهير البلاد من الفساد والفاسدين»، كانت المؤسسة العسكرية تنتوي تحقيق شيء آخر، مختلف تماماً ... كانت تنوي أولاً؛ تصفية منافسيها في السلطة ومزاحميها على الحكم (هنا بدت الحالة الجزائرية أكثر وضوحاً من الحالة السودانية)، وثانياً؛ امتصاص غضب الشارع وطمأنته إلى أن عملية التغيير جارية من دون توقف، أقله لضمان تفتيت المعارضات وشق صفوفها وخلق جدل وانقسام في أوساطها (هنا الحالة السودانية تبدو أكثر وضوحاً من نظيرتها الجزائرية).
الشيء الثابت في الحالتين السودانية والجزائرية، أن الجنرالات لا ينتوون مغادرة السلطة، وأنهم يلجؤون للمراوغة حين يتعلق الأمر بتلبية مطالب المحتجين والثائرين ويسعون للتسويف والمماطلة... تارة بحجة احترام «مواقيت» الدستور و»هيبة» المؤسسات، وأخرى بحجة حفظ النظام والأمن والاستقرار، وثالثة من خلال محاولة البرهنة على أنهم، «العسكر»، ليسوا أقل «ثورية» من الثائرين أنفسهم.
الجنرالات في مساعيهم للبقاء في السلطة، يحظون بدعم خارجي كبير، عواصم دولية وإقليمية عديدة، لا تريد للتغيير في السودان والجزائر أن يكون جذرياً، ولا تريد لهاتين الدولتين أن تبلغا ضفاف الحرية والديمقراطية، ففي ذلك نفي لمصالح هذه الأطراف، وقصة نجاح يخشون تكرارها في دول أخرى، والأهم أنهم يريدون لتأثيراتها و»عدواها» أن تبقى بعيدة عن حدودهم الوطنية.
معركة الانتقال للديمقراطية ما زالت مفتوحة في البلدين ... المؤسستان العسكريتان لن تخضعا للإرادة الجماهيرية الحرة، إلا إذا شعرتا أن مصير قادتهما لن يكون أفضل من مصير من سبقهم، وأن الشعوب تعلمت دروس الانتقال جيداً، وأن إصرارها على إنجاز الانتقال، لا يضاهيه سوى استعدادها للمثابرة والتضحية والتحلي باليقظة والوعي والنفس الطويل والخيار السلمي ووحدة الصفوف.

syria

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مكر الجنرالات مكر الجنرالات



GMT 15:47 2020 السبت ,11 تموز / يوليو

اسرائيل تعاني ونتانياهو يعتمد على اليمين

GMT 17:16 2020 الخميس ,09 تموز / يوليو

الكونغرس لا يريد بيع السلاح الى العرب

GMT 16:25 2020 الثلاثاء ,07 تموز / يوليو

أخبار من السعودية والولايات المتحدة وأوروبا

GMT 13:15 2020 السبت ,04 تموز / يوليو

معارضة عزم اسرائيل ضم الضفة الغربية

GMT 15:24 2020 السبت ,20 حزيران / يونيو

كتاب ومقال أعرضهما على القراء

GMT 09:46 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج الثور 6 أكتوبر/ تشرين الأول 2020

GMT 14:20 2019 الإثنين ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

كن دبلوماسياً ومتفهماً وحافظ على معنوياتك

GMT 10:16 2019 الإثنين ,01 إبريل / نيسان

حاذر ارتكاب الأخطاء والوقوع ضحيّة بعض المغرضين

GMT 17:07 2020 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

تتمتع بالنشاط والثقة الكافيين لإكمال مهامك بامتياز

GMT 12:59 2020 الإثنين ,01 حزيران / يونيو

لا تتهوّر في اتخاذ قرار أو توقيع عقد

GMT 04:49 2019 الإثنين ,02 أيلول / سبتمبر

تبحث أمراً مالياً وتركز على بعض الاستثمارات

GMT 08:04 2019 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

فخامة الألوان القاتمة في غرف النوم

GMT 08:21 2019 الثلاثاء ,04 حزيران / يونيو

اللاذقية ضبوط تموينية بحق 4 محطات وقود مخالفة

GMT 11:07 2019 الإثنين ,28 كانون الثاني / يناير

عمر البشير يُصارع من أجل البقاء وسط احتجاجات تُطالب برحيله

GMT 17:38 2019 الأحد ,13 كانون الثاني / يناير

إطلاق الغاز المسيل للدموع على متظاهرين في الخرطوم

GMT 05:20 2018 الأربعاء ,05 كانون الأول / ديسمبر

كيم كارداشيان و لايفلي تتألقان بالفضي في "فيرساتشي"
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Syria-24 Syria-24 Syria-24 Syria-24
syria-24 syria-24 syria-24
syria-24
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
syria-24, syria-24, syria-24