عريب الرنتاوي
في المشاورات بين غزة ورام الله التي قادها الدكتور حنا ناصر، تم التفاهم على إجراء انتخابات تشريعية ورئاسية متتالية، وليس متزامنة، وإرجاء انتخابات المجلس الوطني الفلسطيني حتى إشعار آخر ... كان ذلك، قبل أن تندلع حرب الاتهامات المتبادلة بين الطرفين، والأهم، قبل قرار واشنطن الاعتراف بـ»شرعية» المستوطنات، وتوجه نتنياهو لقوننة ضم غور الأردن وشمالي البحر الميت.
نحن إذاً أمام مسألة وقت، وقت وجيز للغاية، قبل أن تُتم إسرائيل بسط «سيادتها» على ما يزيد عن 40 بالمئة من مساحة الضفة الغربية... لتبقى مساحة «الدولة» الفلسطينية، التي هي أقل من دولة ولا تمتلك من سيادتها شيء، بحدود نصف الضفة الغربية ... ما كان يقال من قبل أن الفلسطينيين تخلوا عن 78 بالمئة من مساحة فلسطين التاريخية، يبدو مرشحاً للتعديل والتبديل إن استمر الحال على هذا المنوال، وقد يقال مستقبلاً أن قيادتهم تنازلت عن رسمياً، أو بفعل عجزها وفشلها، عن 89 – 90 بالمئة من هذه المساحة ... أية سخرية هذه؟
متى تقتنع «السلطتان» في غزة ورام الله، بأن المشروع الوطني الفلسطيني يتسرب من بين أصابعهما وشقوق جدرانهما العازلة، وأن الوقت قد أزف للعودة إلى خنادق المقاومة كحركة تحرر وطني فلسطينية، وليس كسلطة زائفة، لا قيمة لها بنفسها، بل بما توفره من غطاء لسياسات كسب الوقت التي تتبعها إسرائيل مدعومة بالمطلق من قبل واشنطن؟ ... متى سيحين موعد التفكير من خارج الصندوق، والتخلي عن البدلات وربطات العنق والأحذية الفاخرة، ونعيد الاعتبار للزي الذي رافق عرفات طوال سنيّ حياته؟
ما حصل خلال الساعات الماضية، وما سيحصل في قادمات الأيام القليلة القادمة، يملي على الفلسطيني انتخابات من نوع مغاير: محلية في الضفة وغزة، من أجل خلق إدارات منتخبة تعنى بتقديم الخدمات للفلسطينيين من صحة وتعليم وطرق ومياه وكهرباء وزراعة وصناعة وغيرها ... على أن يجري نقل صلاحيات السلطة إلى هذه المجالس المنتخبة، وتكف عن مواصلة دورها المضلل كحكومة لا سيادة لها على أرضها، وسلطة، تنتظر الإذن الإسرائيلي في كل شاردة وواردة.
متى يتوقف التنسيق الأمني، وتعاد هيكلة الأجهزة الأمنية والشرطية الفلسطينية، بحيث يعود بعضها لارتباطه بمنظمة التحرير كقوات وطنية وأجهزة استخبارية، فيما بقيتها يلتحق بالمجالس المحلية المنتخبة، كشرطة بلديات ومرور لا أكثر ولا أقل، ولتطوى مرة وإلى الأبد صفحة التنسيق الأمني البغيض.
الانتخابات التي يريدها الفلسطينيون وتحتاجهما حركتهم الوطنية ومشروعهم الوطني، هي انتخابات عامة، في مختلف أماكن تواجد الشعب الفلسطيني، من أجل بعث وإحياء منظمة التحرير الفلسطينية، الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني، لتستكمل ما بدأته من نضال في سبيل الدولة الديمقراطية العلمانية على عموم الأرض الفلسطينية التاريخية ... انتخابات لا تقوم على المحاصصة الفصائلية، وتلحظ تمثيل الجيلين الثالث والرابع للنكبة الفلسطينية ... انتخابات تشمل الجميع من دون استثناء، تنتهي بنتيجتها حالة القطع والقطيعة بين المنظمة وشعبها.
لا قيمة لانتخابات تشريعية ورئاسية، لاستكمال مظاهر «الدولة»، فدولة فلسطين المنتظرة بلا «إقليم – أرض»، ولا «سلطة سيدة» وهي في أحسن حالاتها، لم تمثل أكثر من أربعين بالمئة من شعب فلسطين ... فلماذا نمضي طواعية وعن طيب خاطر، في لعبة «إعلان الاستقلال» العبثية، بعد أن تأكد لنا بأن لا استقلال ولا من يستقلون.
أرسل تعليقك