الاتّكالُ على أميركا رهانٌ مُقلِق
آخر تحديث GMT06:28:45
 العرب اليوم -

الاتّكالُ على أميركا رهانٌ مُقلِق

الاتّكالُ على أميركا رهانٌ مُقلِق

 العرب اليوم -

الاتّكالُ على أميركا رهانٌ مُقلِق

بقلم : سجعان قزي

تواكبُ الولاياتُ المتّحدةُ الأميركيّة الأحداثَ الجاريةَ في لبنان لسببَين على الأقل: تأييدُها التقليديُّ للبنان، ومناهضتُها النفوذَ الإيرانيَّ فيه. السببُ الأوّلُ يجعل لبنانَ بالنسبةِ للأميركيّين كلًّا من كلٍّ، والكلُّ هنا هو لبنانُ بحدِّ ذاته. والسببُ الآخَر يَجعل لبنانَ جُزءًا من كلّ، والكلُّ هنا هو الشرقُ الأوسَط الموسَّع. في السببِ الأوّل لبنانُ هو الغايةُ، وفي السببِ الآخَر لبنانُ هو الوسيلة. هذه الازدواجية تُقلِقني لأنَّ السوابقَ التاريخيّةَ منذ سنةِ 1958 أثبَتت أنَّ واشنطن ضَحّت مرارًا بمصلحةِ لبنان (السيادةُ والاستقلالُ والتوازنُ الديمغرافيّ) لحسابِ أولويّاتِها الأخرى في المنطقة.

مأخذُنا على واشنطن لا يُلغي مسؤوليّةَ الدولةِ اللبنانيّةفي جهلِ كيفيّةِ التعاطي مع الإداراتِ الأميركيّة المتعاقِبَة، وفي فشلِها في جعلِ القضيّةِ اللبنانيّةِ مصدرَ اهتمامٍ خاصٍّ لدى هذه الإدارات، خصوصًا أنَّ لبنانَ يَمتلكُ أوراقًا هامّةً للتأثيرِ في واشنطن وفي طليعتِها الأميركيّون من أصلٍ لبنانيّ. غير أنَّ الدولةَ اللبنانيّةَ عِوضَ أن تجعَلَ القضيّةَ اللبنانية مِحورَ علاقاتِـها مع الولاياتِ المتّحدةِ الأميركيّة، طَرحَت قضايا الآخرين: بين الستّينات والسبعينات كرَّست الدولةُ اللبنانيّةُ علاقتَها مع واشنطن للدفاعِ عن القضيّةِ الفِلسطينيّة، ومن التسعينات حتى الآن للدفاعِ عن الوجودِ السوريِّ تارة، وعن سلاحِ حزبِ الله تارة أخرى. وفي كل الحالات رَفعت لواءَ العَداءِ الـمُفرِط لإسرائيل، فيما الفلسطينيّون والعربُ تصالحوا معها. بمعنى آخَر، رَفعَ لبنانُ لِواءَ الدفاعِ عن الأطرافِ الّذين هم على عَداءٍ مع واشنطن، ولِواءَ العداءِ تجاه الطرفِ الذي هو حليفُها الأساسيّ. فلا ربِـحنا الّذين دافَعنا عنهم ولا ربِـحنا أميركا.

الإشكاليّةُ اليومَ أنَّ اللبنانيّين، دولةً وأحزابًا، لا يفاوضون أميركا. فمِنهم من يَقبلُ الموقفَ الأميركيَّ من دونِ مناقشةٍ، ومنهم من يَرفُضه من دون تقديمِ بديل. وانقسَموا بين مَن يَعتبر أميركا سلفًا حليفًا ولو ضَحّت بمصلحةِ لبنان، وبين مَن يَعتبرُها سلفًا عدوًّا ولو حَفِظت مصلحتَه.
إنَّ لبنانَ يحتاجُ تأييدَ أميركا لأنّها لاعبٌ أساسيٌّ في جميع القضايا المؤثّرةِ جوهرًا أو عَرَضًا على وجوده. وأبرزُ هذه القضايا: 1) مساعدةُ لبنان على النهوضِ اقتصاديًّا وماليًّا. 2) تزويدُ الجيشِ اللبنانيِّ بالتجهيزاتِ العسكريّةِ الحديثة. 3) التوسّطُ مع إسرائيل لترسيمِ الحدودِ الجنوبيّةِ البَريّةِ والبحريّةِ. 4) تأمينُ استخراجِ النفطِ في الحقولِ المتنازَعِ عليها وتسويقُه. 5) دعمُ تنفيذِ مجموعةِ القراراتِ الدوليّةِ بشأنِ لبنان وتوسيعُ نطاقِ تطبيقِها. 6) تسهيلُ عودةِ النازحين السوريّين قبلَ الحلِّ السياسيِّ النهائيِّ للحربِ السوريّة. 7) المشاركةُ في إيجادِ حلٍّ لوجودِ اللاجئين الفِلسطينيّين. 8) الحدُّ من النفوذِ الإيرانيِّ المباشَر وغيرِ المباشَر. 9) تثبيتُ حدودِ لبنان الدوليّةِ بموازاةِ التحوّلاتِ الكيانيّةِ الجاريةِ في الشرقِ الأوسط. 10) رعايةُ مفاوضاتِ السلام العربيّةِ/الإسرائيليّة.

إذا كان الموقفُ الأميركيُّ إيجابيًّا تجاه غالِبيّةِ هذه القضايا، فإنّه سلبيُّ المواقِف تجاهَ قضيّتين وغامضُ النتائج تجاه قضيّةٍ واحدةٍ. هو إيجابيٌّ حيالَ المساعداتِ الماليّةِ، والجيشِ اللبنانيِّ، والقراراتِ الدوليّةِ، والحدِّ من النفوذِ الإيرانيِّ، وتثبيتِ الحدودِ، واستخراجِ النفطِ، ومفاوضاتِ السلام. وهو سلبيُّ المواقفِ حيالَ عودةِ النازحين السوريّين والتوطينِ الفلسطينيِّ، وهما الموضوعان الأكثرُ خطورةً على هُوّيةِ لبنان وديمغرافيّتِه وتوازنِه وصيغتِه، وبالتالي على وِحدتِه. فالولاياتُ المتّحدةُ الأميركيّةُ تؤيّدُ توطينَ اللاجئين الفِلسطينيّين وتعارضُ عودةَ النازحين السوريّين الآن، لا بل تُشجِّعُ اندماجَ جُزءٍ منهم في المجتمعِ اللبنانيّ. وهو غامِضُ النتائج تجاه موضوعِ إيران/حزب الله.
الولاياتُ المتّحدةُ الأميركيّةُ، تَشُنُّ حربًا اقتصاديّةً على إيران وتَضرِب حِصارًا عليها، وتَفرِضُ عقوباتٍ على حزبِ الله بقصدِ الحدِّ من هذا المحورِ في لبنانَ والشرقِ الأوسط. بقدْرِ ما يجب أن نستفيدَ من أيِّ فرصةٍ لكي تَستعيدَ دولتُنا اللبنانيّةُ قرارَها الوطنيَّ المستقِلّ وأن تَضعَ حدًّا لازدواجيّةِ السلاح، لا نستطيعُ بالمقابل تَحمُّلَ أعباءِ المشروعِ الأميركيِّ الكبير ولا مشروعِ إيران/حزب الله.نريدُ أن نكونَ جُزءًا من سلامِ المنطقة لا من حروبِها.

وما يُثير قلقَنا أنَّ واشنطنتريد أن تُنفّذَ مشروعَها من دون أن تكونَ مستعدّةً لدفعِ ثمنِه. ظَهرَ ذلك في انهزاميّةِ الموقفِ الأميركيِّ تجاه اعتداءاتِ إيران على السفنِ في الخليجِ، وإسقاطِ الطائرةِ الأميركيّةِ المسيَّرة، وقَصفِ منشآتِ النفطِ السعوديّة، وفي تَخلّيها عن الأكراد.فما لم يَقع في صفوفِ رعاياها أو جنودِها ضحايا جَرّاءَ اعتداءٍ إيرانيٍّ محتَملٍ، تكتفيأميركا بمفعولِ العقوباتِ الاقتصاديّةِ والماليّةِ، وبانتفاضةِ الشعوبِ في لبنان والعراق والداخلِ الإيرانيِّ، بانتظارِ تنازلاتٍ إيرانيّةٍ سلميًّا أو انتهاءِ الانتخاباتِ الرئاسيّةِ الأميركيّة لإعادةِ تقييمِ الوضع.

هكذا، يُصبح لبنان ورقةً في المفاوضاتِ الأميركيّةِ/الإيرانيّة، إذ لا شيءَ يَضمَنُعدمَ تراجعِ واشنطن عن دعمِ انتفاضةِ الشعبِ اللبنانيِّ في حالِ تَوصَّلت إلى تسويةٍ مع إيران حولَ الملفِّ النوويِّ أو حولَأحدِ ملفّاتِ الشرق الأوسط. ومع أنَّ المسؤولين في الخارجيّةِالأميركيّةِ يعلنون العكسَ ويؤكّدون أن أميركا قررت نهائيًّا "اعتمادَ لبنان" في المشرقِ وإحياءَ دورِه الاقتصاديِّ والثقافّي، لا يَضمَنُأحدٌ منهم ثباتَهذا الموقفِ في ظلِّ رئاسةِ دونالد ترامب.

إنَّ تصميمَ أميركا على "دحرِ" إيران قائمٌ منذ أن احتجَزت الثورةُ الخمينيّةُ فريقَ السفارةِ الأميركيّةِ في 04 تشرين الثاني 1979. لكنَّ أميركا خَسِرت سياسيًّا جميعَ انتصاراتِها العسكريّةِ في المنطقةِ واستفادت منها إيران في أفغانستان والخليجِ والعراق وسوريا واليمن وصولًا إلى لبنان. حتّى التسويةُ حولَ الملفِّ النوويِّ اعتبرَتها الإدارةُ الأميركية الحاليّة تنازلًا قدَّمه الرئيس السابق باراك أوباما لإيران.

إنَّ التعاونَالوثيقَ مع أميركا ضروريٌّ، لكن يجب أن يُرافقَه "تأمينٌ على الحياة". من هنا أهميّةُ "مجموعةِ الدعمِ الدوليّةِ" التي ستتحوّل تدريجًا من مجموعةِ إنقاذِ اقتصادِ لبنان إلى مؤتمرٍ دوليٍّ يَرعى مصيرَ لبنانَ السياسيِّ المهَدَّدِ مثلَ لبنان الاقتصاديِّ. حين لا يؤدّي الاستقلالُ إلى الوِحدةِ، ولا يَصُبُّ التحريرُ في الدولةِ، يعتذرُالاستقلالُ والتحريرُ من السيادةِويُعيدان الأمانةَ إلى الانتداب. وأصلًا، من استعجَلَ الشيءَ حُرِمَ منه.

وقد يهمك أيضا:

تَصنيفُ لبنان الكيانيّ

لوائحُ تُشبِهُ الناس ولا تُشبِهُ الوطن

syria

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الاتّكالُ على أميركا رهانٌ مُقلِق الاتّكالُ على أميركا رهانٌ مُقلِق



GMT 15:47 2020 السبت ,11 تموز / يوليو

اسرائيل تعاني ونتانياهو يعتمد على اليمين

GMT 17:16 2020 الخميس ,09 تموز / يوليو

الكونغرس لا يريد بيع السلاح الى العرب

GMT 16:25 2020 الثلاثاء ,07 تموز / يوليو

أخبار من السعودية والولايات المتحدة وأوروبا

GMT 13:15 2020 السبت ,04 تموز / يوليو

معارضة عزم اسرائيل ضم الضفة الغربية

GMT 15:24 2020 السبت ,20 حزيران / يونيو

كتاب ومقال أعرضهما على القراء

GMT 09:58 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج الأسد 6 أكتوبر/ تشرين الأول 2020

GMT 12:34 2020 الإثنين ,29 حزيران / يونيو

يحذرك هذا اليوم من المخاطرة والمجازفة

GMT 12:55 2019 الثلاثاء ,22 كانون الثاني / يناير

التحالف" يبلغ "قسد" ببقائهم في دير الزور حتى القضاء على داعش"

GMT 09:12 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

أسعار الذهب في سورية اليوم الثلاثاء 6 تشرين الأول / أكتوبر 2020

GMT 20:38 2019 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

إفلاس 5 شركات في ظل الأزمة الاقتصادية التركية

GMT 08:15 2019 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

لوحات تحكي بلسان الأطفال في معرض لون وحب لسناء قولي

GMT 00:33 2019 الأربعاء ,11 أيلول / سبتمبر

زلزال بقوة 5.7 درجة يضرب خليج ألاسكا

GMT 14:55 2019 الثلاثاء ,02 إبريل / نيسان

يحذرك من ارتكاب الأخطاء فقد تندم عليها فور حصولها

GMT 12:35 2018 الإثنين ,24 كانون الأول / ديسمبر

وزيرة التخطيط تُنظم مائدة مستديرة لدراسة موقف الفقر في مصر

GMT 16:04 2018 الثلاثاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

10 وزراء يشاركون فى افتتاح المؤتمر الـ 15 للثروة المعدنية

GMT 17:21 2018 الأحد ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

سيدة بريطانية تكف التفاصيل الكاملة لهروب ابنتها مع زوجها

GMT 12:29 2018 الأربعاء ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الرائد يوسف حمود يكشف تفاصيل حملته في أركان الجيش الوطني

GMT 14:06 2018 الإثنين ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

مي عز الدين تهنئ زينة وتامر حسني على فيلم "حمزة"

GMT 14:11 2018 الأحد ,28 تشرين الأول / أكتوبر

تصفيق حاد لوزيرة الصحة!

GMT 18:49 2018 الجمعة ,26 تشرين الأول / أكتوبر

"العربية للمزادات" تحصد 3.8 ملايين من البحرين

GMT 07:40 2018 الثلاثاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

جيهان خليل تُؤكّد أنّ سارة في "أبواب الشك" الأقرب إلى قلبها
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Syria-24 Syria-24 Syria-24 Syria-24
syria-24 syria-24 syria-24
syria-24
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
syria-24, syria-24, syria-24